تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: عبارة ((الأجر على قدر المشقة))من أقاويل الصوفية (بكر أبو زيد) رحمه الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    الدولة
    الإمارات
    المشاركات
    235

    افتراضي عبارة ((الأجر على قدر المشقة))من أقاويل الصوفية (بكر أبو زيد) رحمه الله

    قال العلامة بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية: ص80" : ((الأجر على قدر المشقة : هذه العبارة من أقاويل الصوفية، وهي غير مستقيمة على إطلاقها، وصوابها: (الأجر على قدر المنفعة) أي منفعة العمل وفائدته كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره)).

    و هذا كلام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في المجموع[25/281] :
    (ومما ينبغي أن يُعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق، حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل، كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا! ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله؛ فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل، فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل.
    ولهذا لما نذرت أخت عقبة بن عامر أن تحج ماشية حافية؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الله لغني عن تعذيب أختك نفسها، مرها فلتركب)) ، وروي: أنه أمرها بالهدي، وروي بالصوم. وكذا حديث جويرية في تسبيحها بالحصى أو النوى، وقد دخل عليها ضحى ثم دخل عليها عشية، فوجدها على تلك الحال، وقوله لها: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لرجحت)) .
    وأصل ذلك أن يعلم العبد أن الله لم يأمرنا إلا بما فيه صلاحنا، ولم ينهنا إلا عما فيه فسادنا، ولهذا يثني الله على العمل الصالح، ويأمر بالصلاح والإصلاح وينهى عن الفساد.
    فالله سبحانه إنما حرم علينا الخبائث لما فيها من المضرة والفساد، وأمرنا بالأعمال الصالحة لما فيها من المنفعة والصلاح لنا، وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة؛ كالجهاد، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وطلب العلم؛ فيحتمل تلك المشقة ويثاب عليها لما يعقبه من المنفعة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما أعتمرت من التنعيم عام حجة الوداع: ((أجرك على قدر نصبك)) ، وأما إذا كانت فائدة العمل منفعة لا تقاوم مشقته؛ فهذا فساد، والله لا يحب الفساد.
    ومثال ذلك منافع الدنيا، فإن من تحمل مشقة لربح كثير أو دفع عدو عظيم كان هذا محموداً، وأما من تحمل كلفاً عظيمةً ومشاقاً شديدةً لتحصيل يسير من المال أو دفع يسير من الضرر كان بمنزلة من أعطى ألف درهم ليعتاض بمئة درهم، أو مشى مسيرة يوم ليتغدى غدوة يمكنه أن يتغدى خيراً منها في بلده.
    فالأمر المشروع المسنون جميعه مبناه على العدل والاقتصاد والتوسط الذي هو خير الأمور وأعلاها؛ كالفردوس؛ فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، فمن كان كذلك فمصيره إليه أن شاء الله تعالى.
    هذا في كل عبادة لا تقصد لذاتها؛ مثل الجوع، والسهر، والمشي.
    وأما ما يُقصد لنفسه؛ مثل معرفة الله، ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه؛ فهذه يشرع فيها الكمال، لكن يقع فيها سرف وعدوان بإدخال ما ليس منها فيها، مثل أن يدخل ترك الأسباب المأمور بها في التوكل، أو يدخل استحلال المحرمات وترك المشروعات في المحبة؛ فهذا هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.)

  2. افتراضي رد: عبارة ((الأجر على قدر المشقة))من أقاويل الصوفية (بكر أبو زيد) رحمه الله

    جزاك الله خيرا على هذه الفائدة الكبيرة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قال شيخ الإسلام رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (10/ 620- 624): ((قول بعض الناس: الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق كما قد يستدل به طوائف على أنواع من " الرهبانيات والعبادات المبتدعة " التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {هلك المتنطعون} وقال: {لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم} - مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه وكذلك الاحتفاء والتعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة: مثل {حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم وأن يقوم قائما ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه} رواه البخاري. وهذا باب واسع. وأما الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل ميسر كما يسر الله على أهل الإسلام " الكلمتين " وهما أفضل الأعمال؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم {كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم} أخرجاه في الصحيحين. ولو قيل: الأجر على قدر منفعة العمل وفائدته لكان صحيحا اتصاف " الأول " باعتبار تعلقه بالأمر. و " الثاني " باعتبار صفته في نفسه. والعمل تكون منفعته وفائدته تارة من جهة الأمر فقط وتارة من جهة صفته في نفسه وتارة من كلا الأمرين. فبالاعتبار الأول ينقسم إلى طاعة ومعصية وبالثاني ينقسم إلى حسنة وسيئة، والطاعة والمعصية اسم له من جهة الأمر والحسنة والسيئة اسم له من جهة نفسه... وإن كان كثير من الناس لا يثبت إلا " الأول " كما تقوله الأشعرية وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم. ومن الناس من لا يثبت إلا " الثاني " كما تقوله المعتزلة وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم والصواب إثبات الاعتبارين كما تدل عليه نصوص الأئمة وكلام السلف وجمهور العلماء من أصحابنا وغيرهم. فأما كونه مشقا فليس هو سببا لفضل العمل ورجحانه ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقا ففضله لمعنى غير مشقته والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره فيزداد الثواب بالمشقة كما أن من كان بعده عن البيت في الحج والعمرة أكثر: يكون أجره أعظم من القريب كما {قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في العمرة: أجرك على قدر نصبك} لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر وكذلك الجهاد وقوله صلى الله عليه وسلم. {الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران} فكثيرا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل؛ ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ولم يجعل علينا فيه حرج ولا أريد بنا فيه العسر؛ وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم. وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبا مقربا إلى الله؛ لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وانقطاع القلب عن علاقة الجسد وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم. ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها ولا منفعة إلا أن يكون شيئا يسيرا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه. ونظير هذا الأصل الفاسد مدح بعض الجهال بأن يقول: فلان ما نكح ولا ذبح. وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون وأما الحنفاء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {لكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني} . وهذه الأشياء هي من الدين الفاسد وهو مذموم كما أن الطمأنينة إلى الحياة الدنيا مذموم. والناس أقسام. أصحاب " دنيا محضة " وهم المعرضون عن الآخرة. وأصحاب " دين فاسد " وهم الكفار والمبتدعة الذين يتدينون بما لم يشرعه الله من أنواع العبادات والزهادات. و " القسم الثالث " وهم أهل الدين الصحيح أهل الإسلام المستمسكون بالكتاب والسنة والجماعة والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق))اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وردت عدة أحاديث في بيان أن المشي إلى بعض العبادات أفضل من الركوب إليها، فمن ذلك المشي إلى صلاة الجماعة كما في الحديث الذي أشار إليه السائل وهو في صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله.


    فهذا الصحابي كان مستقراً عنده أن مشيه إلى المسجد أعظم لأجره من ركوبه إليه وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومن ذلك أيضاً المشي إلى صلاة الجمعة لما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن أوس بن أوس الثقفي، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.


    ومن ذلك أيضاً المشي إلى صلاة العيد، فقد روى الترمذي عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال: من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً. وقال الترمذي: هذا حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.


    ومن ذلك المشي عند تشييع الجنازة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 24279.


    فيدل ذلك كله على استحباب المشي إلى العبادات والقربات وأن ذلك أفضل من الركوب، ولكن ذلك مقيد بما إذا لم يشق المشي مشقة ظاهرة ويضعف ويقعد عما هو أولى منه وأفضل، أو يكون مفوتاً لما هو أحب إلى الله، فإن الله تعالى لا يحب أن يترك الأحب إليه بفعل ما هو دونه، ولذا جاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ويشبه أن يكون الركوب أفضل لمن يجهده المشي لهرم أو ضعف أو بعد منزله بحيث يمنعه ما يناله من التعب الخشوع والحضور في الصلاة عاجلاً.


    ويتأيد ذلك بأنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم حج من المدينة راكباً ولم يمش إذ إن المشي هذه المسافة الطويلة مظنة التعب والإجهاد الزائد الذي يمنع مما هو أولى منه، وفي حديث عقبة بن عامر: أن أخته نذرت أن تحج ماشية فسأل عقبة عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرها فلتركب فظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يفهم عنه فلما خلا من كان عنده عاد فسأله، فقال: مرها فلتركب فإن الله عز وجل عن تعذيب أختك نفسها لغني. رواه أحمد.


    وبهذا يظهر جواب ما استشكله السائل من كون الركوب أولى أخذاً بالأسباب التي يسرها الله لنا وحتى يتم إنجاز واستثمار أكثر للوقت مع إراحة البدن فإن محل أفضلية المشي هو إذا لم يشق مشقة كبيرة أو يمنع مما هو أفضل وأحب إلى الله تعالى، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته... إلى أن قال: هذا في كل عبادة لا تقصد لذاتها مثل الجوع والسهر والمشي.


    والله أعلم.

    http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...twaId&Id=97937

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    إذا كانت المشقة ملازمة للعبادة ، بحيث لا يمكن القيام بالعبادة إلا مع تحمل هذه المشقة ، فكلما زادت المشقة زاد معها الأجر والثواب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك ) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1116) وأصل الحديث في الصحيحين .قال النووي في "شرح مسلم" :" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ : نَفَقَتك ) هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة , وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع , وَكَذَا النَّفَقَة ".

    https://islamqa.info/ar/78247

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    الثواب على قدر المشقة


    مقولة نسمعها كثيرًا: (الثواب على قدر المشقة)..
    يقول ابن تيمية رحمه الله: هذا القول ليس بمستقيم على الإطلاق، كما قد يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله، من تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات. ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((هلك المتنطعون)) وأما قول: الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل ميسر كما يسر الله على أهل الإسلام الكلمتين وهما أفضل الأعمال. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان على الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم))[1]...

    وقد يكون العمل شاقًا، ففضله لمعنى غير مشقته. والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره فيزداد الثواب بالمشقة. كما أن من كان بُعده عن البيت في الحج والعمرة يكون أجره أعظم من القريب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في العمرة: ((أجرك على قدر نصبك)).

    لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة. وبالبعد يكثر النصَب فيكثر الأجر. وكذلك الجهاد.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة. والذي يقرأه ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)).

    وكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصودان من العمل، ولكن لأن العمل يستلزم المشقة والتعب.
    هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال. ولن يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر[2].

    وقال الإمام العز بن عبد السلام: إذا اتحد الفعلان في الشرف. وكان أحدهما شاقًا، فقد استويا في أجرهما لتساويهما في جميع الوظائف. وانفرد أحدهما بتفرد المشقة لأجل الله سبحانه وتعالى، فأثيب على تحمل المشقة لا على عين المشاق. إذ لا يصح التقرب بالمشاق. لأن القرب كلها تعظيم للرب سبحانه وتعالى وليس عين المشاق تعظيمًا ولا توقيرًا.

    فإذا باشر الإنسان عملاً وترتبت عليه مشقة غير مقصودة، أو لك تكن له إلا وسيلة واحدة إلى ذلك المقصود، فإن الله تعالى بفضله وكرمه لا يحرمه من الأجر والثواب بسبب تلك المشقة الحاصلة تبعًا بغير قصده واختياره. مثال ذلك: ألا يكون له إلى المسجد أو مشاعر الحج إلا طريق واحد شاق وعر فمشى فيه. فالأجر ثابت له فضلًا وكرمًا.

    قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [3]. نظير ذلك ما يكفر عن العبد من خطاياه بسبب المصائب التي تقع عليه وليس له اختيار في وقوعها. كما قال عليه الصلاة والسلام: ((ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته))[4].

    فسبحان من جعل هذا الدين ميسرًا فطريًا. وسبحان الله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج، ولم يكلفنا ما لا يطاق. لما في ذلك من قهر للنفس ومجافاة للاعتدال:
    فقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعندها امرأة فقال: من هذه؟
    قالت: فلانة، تذكر من صلاتها. قال: مه! عليكم بما تطيقون. فوالله لا يمل حتى تملوا. فكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه[5].

    ولو قيل إن التكليف على قدر الطاقة لكان ذلك القول سليمًا. لأن السقيم ليس كالصحيح في التكليف.
    وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن أداء بعض واجبات الصلاة كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك، سقط ما عجز عنه.

    وإنما يجب عليه ما إذا أراد فعله إرادة جازمة أمكنه ذلك...
    بل متى كان العبد قادرًا على الفعل مع ضرر يلحقه جعل كالعاجز في مواضع كثيرة من الشريعة، كالتطهر بالماء والصيام في المرض، والقيام في الصلاة تحقيقًا لقوله تعالى ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))[6].

    ومن القواعد الأصولية:
    ((المشقة تجلب التيسير)). وكذلك أن ((الأمر إذا ضاق اتسع)) فالقصد في الطاعات المصلحة للمكلف لا المشقة له. وذلك ليؤدي الطاعة في انشراح صدر ونشاط نفس. (وليس للمكلف أن يقصد المشقة نظرًا إلى عظم أجرها. وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل)[7].

    فالله سبحانه وتعالى لا يريد الإعنات والمشقة. فقد جاء في الحديث الصحيح:
    ((إن هذا اليد متين فأوغلوا فيه برفق))[8].
    فكما أن من مداخل الشيطان الإهمال، فمن مداخله أيضا الغلو فلنحذر من نزغات الشيطان، ولنصفّ النفوس من تلك الوساوس الشيطانية وقد قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان إما إلى تفريط وإما إلى مجاوزة وهي الإفراط، ولا يبالي بأيها ظفر زيادة أو نقص[9].

    أما ما نجده من تعمد المشقة وقصدها ظنًا أن في ذلك تكثيرًا للحسنات، فهو من تأثير النصرانية المحرفة وما فيها من رهبانية وفصل الدين عن الحياة، أما الإسلام فشأنه الدعوة للاقتصاد في العبادة، لأن ذلك أدعى للإقبال على العبادة بنشاط.

    عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟
    قالوا: هذا حبل زينب فإذا فترت تعلقت به فقال: ((لا، حلوه فليصلّ أحدكم نشاطه. فإذا كسل أو فتر فليقعد))[10].
    فالقصد هو الطاعة والامتثال لأمر الله، وفي ذلك مصلحة للمكلف لا المشقة له.


    [1] أخرجه البخاري ومسلم.
    [2] ينظر الفتاوى لابن تيمية رحمه الله، 10/ 620-622.
    [3] سورة التوبة، الآية 120.
    [4] الحديث أخرجه مسلم في الصلاة، ينظر قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، 150.
    [5] أخرجه الإمام البخاري في كتاب الإيمان.
    [6] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، 8/ 438-439، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب.
    [7] الموافقات للشاطبي، 2/ 86.
    [8] أخرجه الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه، والحديث قال عنه الألباني: حسن، ينظر صحيح الجامع الصغير، 1/ 447.
    [9] تهذيب مدارج السالكين،333 كتبه ابن القيم وهذبه عبد النعم العزي / ط1/ 1413هـ، نشر مكتبة السوادي، جدة.
    [10] أخرجه الإمام مسلم.




    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/115429/#ixzz4qXNkSD00

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    السؤال:
    هل قاعدة: الثواب على قدر المشقة، صحيحة أم لا؟

    الإجابة:
    ليست هذه القاعدة صحيحة باطراد، وهذا مما لا شك فيه، فإن من مقاصد الشرع رفع الحرج عن المكلف، وقال عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وقال: {يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه"، وما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"، وفي رواية صحيحة: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب معاصيه". فليس دائماً: "الأجر على قدر المشقة"، فهناك من الأعمال اليسيرة ماله ثواب عظيم وجزيل وهو سهل ميسور، فأفضل الكلام: "لا إله إلا الله"، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". أما المشقة التي لا تنفك عن العبادة فلها أجر أعظم من عبادة أخرى لا يوجد فيها مشقة، أما أن يتقصد الإنسان إدخال المشقة على نفسه فهذا ليس بحسن، فمثلاً صلاة الجماعة المشي إليها من مكان بعيد أحب إلى الله من المشي إليها من مكان قريب، لكن البيت القريب من المسجد أفضل. ولا يجوز أن يتخطى العبد مسجد حيه، ويدخل المشقة على نفسه من غير سبب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخطي المساجد، مع أن فيها مشقة، والأحب إلى الله، أن تصلي في المسجد القريب منك، ولما نذر أبو إسرائيل أن يظل قائماً ولا يستظل ولا يكلم الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه فليجلس وليستظل وليتكلم"، فهذه مشقة ما أنزل الله به من سلطان، فالقاعدة ليست على إطلاقها. لكن لو وجدت عندنا طاعة والمشقة لا تنفك عنها فحينئذ الأجر على قدر المشقة، أما طاعة أصل إليها بأريحية دون مشقة، وهناك طريق آخر يوصل إليها به يتنطع وإدخال المشقة على نفسي، فهذا التقصد في إدخال المشقة ليس من دين الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون"، أي المتشددون الذين يدخلون على أنفسهم المشقات، وهم في غنى عنها، والشرع في غنى عنها، والله أعلم.



    رابط المادة: http://iswy.co/e425d

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •