الحمد لله العلى الأرفق..جامع الأشياء والمفرق..وصلى الله على نبيه المصدق..وسلم على
رسوله الصادق..وبعــــد :
فإلى أحبة القلوب..فى الله لاغير..وصية مشفق محب لكم الخير..وناصح لكم لئلا يصيبكم الضير..والله أرجو لنا النجاة وكذا للغير..
أيها الأخ الحبيب..أيها الفطن اللبيب..يامن جمعت بين قصر أجل..وطول أمل..وتقصير فى عمل..
يامن جمع أعمالًا كالسراب..وقلبا من التقوى خراب..ثم تطمع فى الكواعب الأتراب..!! هيهات هيهات..فأنت سكران بغير شراب..
أخى وأخى..متى تنتبه من رقدتك ؟!! ومتى تنعش من صرعتك ؟!!
إن مثلك لايرضى به أحد..فهل يرضى به الأحد الصمد ؟!!
إخوانى..كم نحن بحاجة ماسة إلى أن يرضى الله عنا..
فرضاه عنا هو سعادة الآخرة والدنيا..ألا ترى أن أفضل مايعطى أهل الجنة فيها..رضاه عنهم-كما ثبت فى الخبر الصحيح-فأنى لنا برضاه ؟!!
ونحن بعيدون عن تقواه..أنى لنا برضاه ؟!! والعمر يضيع فيما لايرضاه..
ناجى بعض السلف ربه قائلا :
( واحسرتاه على عمر قد انقضى..فيما لايطابق الرضا )-يعنى رضا الله-
وقد شاء الله أن يكون رضاه عن عبده غير معلوم جزما .. ولا معروف قطعا..فخبأه فى طاعاته..حتى يجد المجدون..وفى سبيل تحصيله يحرصون..
وقد أخرج البيهقى بسنده إلى أبى الحسين القاهرى..قال :
دخلت يوما حلقة شيخى..وفى استظهار على الناس-شيئا من العجب-ففاجئنى بقوله : لا تفعل..فإن الله خبأ ثلاثا فى ثلاث..
خبأ رضاه فى طاعته..فلا تحقرن من طاعته شيئا..لعل أن يكون فيه رضاه..
وخبأ سخطه فى معصيته..فلا تحقرن من معصيته شيئا..لعل أن يكون فيه سخطه..وخبأ أولياءه فى خلقه..فلا تحقرن من خلقه أحدا..فلعله أن يكون ذاك الولى..
كلمات وكأنها خرجت من مشكاة النبوة..
فإذا فطنتم أيها الكرام لهذا المعنى الأجل..وذاكم المقصد الأتم..
فكم نحن إذا بحاجة إلى طاعة يرضى الله فيها عنا..وقد علمنا أن رضاه مخبوء فى طاعاته..فلا ندرى أى الطاعات يتقبلها منا ويرضى فيها عنا..
فهذا يدفعنا دفعا..ويؤزنا أزا..أن نحرص على كل طاعة وإن حقرت..فربما كان فيها سعادة الأبد..دنيا وأخرى.
لذلك ثبت عنه r أنه قال : ( لاتحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق-وفى لفظ:طليق-)وفى رواية:(ولو أن تفرغ بدلوك فى دلو أخيك).
فهذه إشارة نبوية إلى الحرص على كل طاعة وإن صغرت..فربما يكون فيها النجاة..فليس المعول على صور الأعمال وحجمها..إنما المعول على الرضا والقبول..وكل ماكان فى جنب الله عظيم (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) [النور:15]

لذا يقول ابن رجب الحنبلي-رحمه الله-فى كتابه الماتع..لطائف المعارف :
( اعلم أخى..أنه ليس المعول على الأعمال..إنما المعول على القبول..فرب قائم محروم..ورب نائم مرحوم..فالقائم قام وقلبه فاجر..والنائم نام وقلبه ذاكر ).
وصدق رسولنا r إن الله لاينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم..ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
فمن لى بطاعة يرضى عنى فيها ربى ؟!! من لى بطاعة تخلص له..وليس لغيره فيها شىء ؟!!
** قال بعض السلف : ( وددت لو أن لى طاعة لايعلمها إلا الله ).
هذا هو سبيل النجاة أيها الكرام..العمل الخالص..الطاعة الخفية..الخبيئة من العمل الصالح..
لذا نجد أن سلفنا-رضوان الله عليهم-فطنوا إلى هذا المعنى العظيم..فلم يعولوا على الأعمال الظاهرة..واجتهدو ا فى الخبيئة من العمل الصالح.
**يقول سفيان الثورى-رحمه الله-( كل ما ظهر من عملى لاأعده..فقلوبنا أضعف من أن تخلص والناس ينظرون ).لله درك ياأمير المؤمنين فى الحديث..يقول هذا..وهو الذى ملأ الأرض من شرقها إلى غربها بسنة رسول الله r فكيف الحال بنا وبأمثالنا ؟!! ماذا لو لم نعد الصلاة والصيام والاعتكاف وحلق العلم..؟!! وهل نملك إلا الظاهر من الأعمال ؟!! وهاهو أبوحنيفة الإمام-رحمه الله-يقول عنه أحد أصحابه-وهذه للاستئناس فقط-(لما مات أبوحنيفة اشتهيت أن أراه فى المنام..فلما أتانى..قلت : مافعل الله بك ؟ قال : خيرا..غفر لى..قلت : بم ؟
قال : بركيعات كنت أقوم بهن فى السحر..قال : فما فعلت المسائل-يعنى الفقه والجدال والمناظرات- ؟ قال : فأشار بيده هكذا-كأنه يلشيها-يعنى لاشىء )..
هاهنا إخوانى سر المسألة..الخبيئة من العمل الصالح..العبادة التى فيها تخلو بربك..مقبلا عليه..متذللا خاضعا بين يديه..حيث لا يراك أحد..ولا يشعر بك أحد. (وتوكل على العزيزالرحيم..ال ذى يراك حين تقوم..وتقلبك فى الساجدين..إنه هو السميع العليم).الشعراء.

فإخوانى..السرائر السرائر..الخبيئة الخبيئة..فإن عليكم من الله عينا ناظرة..ومن أصلح مابينه وبين الله..أصلح الله مابينه وبين الناس..وكم من رجل لايؤبه له لو أقسم على الله لأبره..
ويرحم الله ابن الجوزى-فى صيده-إذ يقول : (رأيت رجلين..أحدهما ينسب إلى كبير علم وكبير نفل من صلاة وصيام وقيام..إلا أن القلوب تنفر منه..ورأيت آخر ينسب إلى قلة من علم ونفل..إلا أن القلوب تتهافت عليه..فتدبرت الأمر .. فوجدتها السريرة..فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله )..
فرحم الله أسلافنا..ورضى الله عن أئمتنا..فطنوا ففهموا فعلموا فعملوا..
فليتنا إخوانى نتدبر الأمر على حقيقته..ولنجود أعمالنا الظاهرة والباطنة..فإن علينا من الله عينا ناظرة..فالبواطن البواطن..والنيات النيات..فرب حسنة جرت إلى النار..لما فيها من رياء..ورب سيئة جرت إلى الجنة..لما فيها من انكسار..
ويرضى الله عن ابن القيم إذ يقول :
(أنين المذنبين أحب إلى الله من تسبيح المؤمنين ).لما يكون من المذنب من ذلة وخضوع وانكسار..
وهاهنا إخوانى نهاية المطاف..والله أسأل لى ولكم صلاح السرائر..ونقاء الضمائر..وحسن الطوية..وصفاء النية..
والحمد لله على ماكان..وعلى نبيه أزكى صلاة وسلام..
وكتبه ناصحا لنفسه ولإخوانه..
حامدا لربى على امتنانه ..
أخوكم :
أبو عمر محسن


[/COLOR]
[/COLOR]