«النَّفْحُ المِسْكِيّ، في معجم شُيُوخِ أحمدَ المَكِّيّ»
هذا اسم كتاب يشتمل على معجم شيوخ المحدث المسند المفيد الرحال الشيخ أبي الخير أحمد بن عثمان بن علي جمال العطار الهندي الأصل والوفاة، المكي المولد والمنشأ، الحنفي المذهب، الأحمدي السرهندي المشرب (1277- 1328).
قال صاحب المؤلف علامة الرواية والإسناد الشيخ عبدالحي الكتاني (1303- 1382) لما ترجم لهذا الكتاب في ديوانه الحافل الجليل "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات"( 2 : 690 ) : (( ومعجمُه المذكور هنا من أنفس ما ألفه المتأخرون على الإطلاق، وأوعبِه عند أهل الأذواق، ترجم فيه لسبعين من مشايخه مِمَّن أجازه عامَّةً من الحجازيِّين واليمنيين والهنديين والمصريين والشاميين والمغربيين والبغدادييِّن، استوعب أخبارَهم، ونقل نُصُوصَ إجازاتهم له و نُصُوصَ إجازاتِ مشايِخهم لهم، أوقفني عليه بخطه الدَّقيق الجَيِّد، يخرُج بخطِّ غيرِه في مُجَلَّدَةٍ ضخمة، ولشدة إعجابي به اختصرته.
نسخ (النفح):
لم يطبع هذا الكتاب قط منذ الفراغ من تأليفه سنة 1315 إلى وفاة مؤلفه سنة 1328، ثم إلى وقت كتابة هذه السطور.
والمعروف أنَّ لهذا الكتاب نسختان خطيتان: نسخة المؤلف:
أهمهما وأوثقهما وأكملهما: نسخة المؤلف بخطه التي أشار إليها الكتاني في الكلام المنقول عنه سابقاً، وفي الكلام الذي سينقل عنه لاحقاً، وهذه النسخة بقيت بين يدي مؤلف الكتاب يعمل فيها قلم التنقيح والتهذيب والزيادة سنوات عديدة، وهي التي اطلع عليها الكتاني، وعمل مختصره للكتاب منها، ولا ينبغي أن يطبع الكتاب باسم "النفح المسكي" إلا عنها، أو بالمقابلة على مختصرها على الأقل، ومن المؤسف أنَّ هذه النسخة لا يعلم عامة المعتنين بالكتاب أين مستقرها، ولا مصيرها منذ وفاة المؤلف إلى الآن.
نسخة (الآصفية):
والنسخة الأخرى: نسخة استكتبها المؤلف بمكة سنة 1320، ومر عليها وأجرى قلمه في بعض المواطن على حاشيتها بزيادة أو تصويب يسير، ولكن فيها نقص عدد من التراجم عن نسخة المؤلف، وفيها بياضات كثيرة منتشرة في الكتاب من أوله إلى آخره، فضلاً عما اشتملت عليه من أخطاء في النسخ، مع كونها بمثابة إصدار أولي مؤقت من أصل الكتاب، ثم تطور الأصل بعد ذلك تنقيحاً وتهذيباً وزيادة غير قليل، وقد ازداد اطلاع المؤلف بعد استكتاب هذه النسخة واتسعت دائرة علاقاته بأهل الفن ومصادره، ورحل لأول مرة إلى كل من الديار الشامية والمصرية، وأخذ بعد استكتابها عن عدد غير قليل من الشيوخ، فغايتها أن تكون إصداراً أولياً، أو نسخة احتياطية من الكتاب عملت لغرض خاص، ولم تعد للنشر كما يدل على ذلك دراستها ودراسة أحوال مؤلفها وآثاره، وهذه النسخة استقرت قديماً بالخزانة الآصفية بحيدرأباد في الهند، وذكرها كل من العلامتين: السيد عبدالحي الحسني البريلوي، والشيخ عبدالهادي المدراسي.
صور نسخة (الآصفية) وخدمتها:
وقد صورها معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية سنة 1952 على فلم، وصورها عن هذا الفلم: معهد البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في فلم آخر، ولكن حالة الفلم ليست بالجودة المطلوبة، وقد تعرضت بعض الصفحات لتشويش شديد تارة، وكامل تارة..
وقد صور أحد الباحثين المختصين بأبي الخير العطار ومعجمه نسخة ورقية من هذا الفلم وهيأها للإخراج ثم حملها على الشبكة العالمية للمعلومات (انترنت) ويقوم بنشرها مصفوفة على مدونة خاصة بأبي الخير العطار ومعجمه وصفحة رديفة على (فيس بوك)- ويأتي الرابطان في آخر المقالة-، مع فتح باب المناقشة مع الباحثين والمعتنين بموضوع الكتاب حول العالم في مضمون الكتاب وما يتعلق به وبمولفه، على أن تكون هذه الخطوات مكملة لخدمته للكتاب، ومهيئة لطبعه فور توفر نسخة المؤلف -التي استقر الكتاب عليها- أو مختصرها للكتاني.
وقد حصل الباحث المذكور على أوراق بخط أبي الخير فيها ترجمة لشيخ أخذ عنه بمكة في عام لقائه بالكتاني أي قريب من زمن تلخيصه للكتاب، ولم يذكره الكتاني في برنامج الشيوخ المترجم لهم في "النفح"، إلا أن على الترجمة ضرباً يفهم منه إلغاؤها،.. ولم تزل المواد اللازمة لخدمة "النفح" ومؤلفه تتوالى على الباحث المذكور وهو يتأنى في عمله ليستكمل أكبر قدر منها إن شاء الله تعالى قياماً بحق العلم أولاً، ثم بحق المؤلف وكتابه، واحتراماً لنفسه وللناس مع ذلك.
"مختصر النفح" للكتاني:
تقدمت الإشارة في كلام الكتاني آنفاً إلى أنه لشدة إعجابه بهذا الكتاب اختصره، وقد ترجم لاختصاره هذا في ((فهرس الفهارس)) (2/ 584)فقال: ((مختصر النفح المسكي: لجامع هذه الشذرة محمد عبد الحي الكتاني وهو في أربع كراريس، كتبته على قدم استعجال، جله وأنا محرم بمنىً وعرفة، وأتممته قبيل ظهر يوم الثلاثاء 19 ذي الحجة عام 1323 تجاه الكعبة المعظمة بحضرة صاحب النفح الشيخ أبي الخير أحمد بن عثمان العطار المكي الهندي، وكان يمر على جميعه.
وسبب اختصاري للمعجم المذكور:أني لما أوقفني عليه مؤلفه وجدته يخرج في مجلد ضخم لا يمكنني نسخه إذ ذاك، فلتحققي بأنه جمع ووعى من أخبار المتأخرين وأسانيدهم وإجازاتهم ما شذ مجموعه عن كثير من أهل العصر أردت تلخيص ما لا بد منه للراغب الشائق أتيت فيه بترجمة سبعين من مشايخه)) انتهى.
"تلخيص "النفح المسكي":
هذا التلخيص قام به الباحث المذكور في أول المقالة إبان وقوفه على الفلم المصور عن نسخة (الآصفية) بجامعة أم القرى لما عجزت آلات التصوير آنذاك عن مقاومة رداءة الفلم أكثر من مرة، فأنجز مسودته في مجلدة صفحاتها نحو المائتين، وبعدما بيض مسودة (التلخيص) وتردد إلى الجامعة المذكورة لمقابلته على الأصل الفلمي يسر الله تعالى تصوير الكتاب لاقتناء المعهد آلات جديدة متطورة، فانشغل صاحب التلخيص عن مقابلته بتصوير أصله، ثم بخدمته ونشره كما تقدم بيان بعض ذلك.
وإنما أشير إلى هذا التلخيص مع كونه مسودة لم ينقح ولم يعتمد من قبل ملخصه لبيان حاله من أجل تسربه وانتشاره وتداوله بضعة سنوات بين كثير من المعتنين بعلم الرواية في أقطار العالم، وقد أشير إليه في بعض المطبوعات، وعدد من المقالات على (الانترنت).
الشيوخ الذين ترجم لهم في "النفح المسكي":
أما بحسب نسخة المؤلف بخطه التي اطلع عليها الكتاني وعمل منها مختصره فقد قال الكتاني: (( هذا بِرنامَجُ من تَرْجَم له فيه ِممَّن أجاز له ما عندَه، رتبتُهم على ترتِيبهم في " معجمه":
حرف الألف: أحمد دحلان. أحمد البرزنجي. أحمد الحضراوي. إبراهيم الخنكَي المكي. إبراهيم بن محمد سعيد الفتة المكي تلميذ عابد السندي وعمر بن عبد الرسول ومحمد صالح الرئيس وهو أعلى من أدركه بمكة. أسد الله ابن محمد كريم العثماني الالهابادي الهندي إسماعيل بن الحكيم محمد نواب الكابلي المكي وتدبج معه إمام الدين بن يار محمد البنجابي الطونكي. إمداد الله بن محمد أمين الأدهمي العمري المكي شيخ الطريقة الجشتية. أمين بن حسن بن مصطفى البسنوي المدني. أيوب بن قمر الدين الصديقي الفلتي البوفالي.
الجيم: جمال الدين بن الحاج عبد الشكور البهاري. جمال الدين بن وجيه الدين الصديقي الدهلوي.
الحاء: حسن شاه النقوي الرامفوري. حسن الزمان بن قاسم علي الدكني. القاضي حسين السبعي الأنصاري الحديدي الهندي وهو شيخ تخريجه وعمدته. حسين الحبشي الباعلوي المكي. محمد حسين العمري الالهابادي الجشتي.
الخاء: خضر بن عثمان الرضوي الحيدرابادي.
الراء: رحمة الله ابن خليل الرحمن الهندي صاحب كتاب إطهار الحق. رضا علي بن سخاوة
الزاي: زين العابدين بن القاضي محسن السبعي الأنصاري.
السين: محمد سعيد بن عبد الله القعقاعي المكي. محمد سعيد بن صبغة الله المدراسي محمد سعيد بن واعظ علي العظيمابادي.
الشين: شرف الدين بن مرتضى الأحمدابادي:. شرف الدين بن محمد غزن الفيشاوري. محمد شكور بن أمانة علي الطياري الهندي.
الصاد: صالح بن عبد الله المطلبي المكي. محمد صالح بن عبد الرحمن الزواوي المكي. الأمير صديق حسن بن أولاد حسن القنوجي.
العين: عباس بن صديق الفتني المكي. عبد الجليل برادة المدني، عبد الحكيم ابن بركة الله الدهلوي. عبد الحي اللكنوي وهو أعلم مشايخه بالهند. عبد الرحمن الأنصاري اليانيبتي الدهلوي. عبد الرحمن بن محمد أبو خضير الدمياطي المدني، عبد القادر بن أحمد الطرابلسي المدني. عبد القيوم بن عبد الحي البدهانوي الحنفي. عبد الله بن إدريس السنوسي المغربي. عثمان بن عبد السلام الداغستاني المدني. علي أكرم بن علي أحسن الأروي. علي بن ظاهر الوتري المدني. عليم الدين بن رفيع الدين القندهاري وهو أعلى مشايخه إسناداً عمر بركات البقاعي.
الفاء: فالح الظاهري المهنوي المدني، فريد الدين بن فسيح الدين الكاكوري. فضل الرحمن بن أهل الله الصديقي المرادابادي أعظم مشايخه قدراً وإليه ينتسب في الطريق. الكاف: كريم بخش بن إمام بخش الصديقي المشلي.
الميم: محمد بن سليمان حسب الله المكي. محمد أبو خضير الدمياطي. محمد بن الشيخ أبي العباس أحمد بن إدريس اليمني لقيه باليمن. محمد أمين ابن رضوان المدني وأخذ عنه أيضاً. محمد بن أحمد بن رضوان مسند المتأخرين. محمد خليل القاوقجي الطرابلسي الشامي. محمد بن سالم عائش الحديدي اليمني. محمد بن عبد العزيز الجعفري الهندي. محمد بن علي الكناني المكي. محمد أمين ابن عمر بالي زاده المدني. محيي الدين ابن عليم الدين الجعفري الالهابادي. مصطفى بن سليمان العفيفي المكي.
النون: نعمان بن محمود الآلوسي البغدادي. نعيم اللكنوي الهندي. نور الحسنيين بن محمد حيدر الأيوبي الحيدرابادي.
الياء: يحيى بن وجيه الله العظيمابادي. يعقوب علي خان الأفغاني البريلوي. يوسف بن علي العثماني الجوفاموي. يوسف بن عبد القيوم الصديقي، وبه كمل سبعون شيخاً له)) انتهى .
قال كاتبه: ما ذكره من أن من ترجم فيه هم ممن أجاز له ما عنده ليس على إطلاقه بل فيهم من صرح أبو الخير بعدم إجازته له أصلاً كإبراهيم بن محمد سعيد الفتة، فتأمل هذا من صاحب " فهرس الفهارس" مع اطلاعه على الكتاب بله اختصاره له!.
وأما نسخة الخزانة (الآصفية) بحيدرأباد، وهي المتداولة الآن، فقد سقط منها ترجمة كل من: خضر بن عثمان الرضوي الحيدرابادي، وشرف الدين بن مرتضى الأحمدأبادي، وفالح الظاهري المهنوي المدني، ومحمد بن سليمان حسب الله المكي، فهذه أربعة تراجم ليست في مصورة نسخة الخزانة الآصفية من "النفح"، وتضاف إليهم خامسة هي ترجمة (عباس بن صديق الفتني المكي) فإن نسخة الآصفية بُيض فيها لترجمة المذكور مع بقاء اسمه مجرَّداً، ويوسف النبهاني ترجم له المؤلف أولاً - كما في نسخة(الآصفية) اعتماداً على روايته عنه بالعامة، ثم استجازه له الكتاني كما ذكر، ومن الطريق أن النبهاني قد عاش بعد أبي الخير نيفاً وعشرين سنة.
هل استوعب أبوالخير العطار شيوخه في "النفح المسكي":
الجواب المفطوع به في ذلك هو النفي، وقد صرح هو بهذا في أول (النفح) وآخره. وقال الكتاني بعد إيراده لبرنامج شيوخه في "النفح" بحسب نسخة المؤلف التي اطلع عليها: (( ومن شيوخه الذين لم يُتَرْجِم لهم في " معجمه" : نذير حسين الدهلوي، أبوبكر ابن شهاب الدين العلوي الهندي وتدبَّج معه، أحمدبن حسن ( وتحرف في " فهرس الفهارس" إلى : حسين ) العطاس، علي بن محمد بن حسين الحبشي الباعلوي الحضرمي، عبيد الله بن محسن بن علي السقاف، أبوالنصر الخطيب الدمشقي، محمد بن سالم التريمي الباعلوي، يوسف بن إسماعيل النبهاني بواسطتي، وطاهر سنبل المدني بإرشادي )) انتهى، ويفهم من عبارته أن الذين استدركهم لا يتم بهم استيعاب شيوخه.
ومع أخذ أبي الخير العطار عن شيوخ كثيرين ذكر بعضهم في "النفح" ولم يذكر آخرين، فمن الملاحظ لدارس "معجمه" وأخباره أنه كان ينتقي الشيوخ ويتخيرهم ولا يأخذ عن كل من دب ودرج كما جرت عادة كثير من عشاق الرواية حتى من الكبار، بل لعل شدة احتياطه كانت تخرجه في بعض الأحيان إلى نوع من التشديد ولا سيما في أوائل طلبه وأثناء تأليفه للنفح، ثم لم تزل دائرته تتسع، ونقده للروايات والرواة يتكامل ويتوازن حتى بلغ في النقد بالنسبة للرواة المتأخرين ومروياتهم شأواً بعيداً، وما أعز النقد والنقاد في المتأخرين، وهذا الجانب من جملة الجوانب المهمة في هذا الرجل، والمستلفة للانتباه، والمستحة للتقدير والإشادة والاستفادة والاقتداء أيضاً..
من أحوال مؤلف الكتاب:
ترجمته حافلة، وممن ترجم له:
رفيقه مؤرخ الهند العلامة السيد عبدالحي بن فخر الدين الحسني البريلوي الأصل ثم اللكنوي في تاريخ أعلام الهند المسمى بـ"نزهة الخواطر"( 8: 1175).
و مؤرخ أعلام مكة المتأخرين، العالم الأصيل الأديب القاضي عبدالله بن أبي الخير أحمد بن عبدالله بن محمد صالح بن سليمان بن محمد صالح بن محمد مرداد المكي (1285-1343) في "كتاب نشر النَّور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر" كما هو في مختصره للأديبين محمد سعيد العامودي وأحمد علي (:104).
قال السيد عبدالحي البريلوي في ترجمته: (( الشيخ العالم المحدث أبوالخير أحمد بن عثمان الحنفي المكي ثم الهندي المالوي. كان من العلماء المبرزين في الرجال والسير، لم يكن مثله في زمانه أحد بعد شيخنا حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني. ولد بمكة المباركة في ثاني ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومئتين بعد الألف، وقرأ المختصرات في البلدة المباركة. ثم دخل الهند وذلك في سنة ست وتسعين ومئتين وألف فلازم شيخنا العلامة حسين بن محسن المذكور، وأخذ عنه الحديث والرجال وأصول الحديث والتفسير وغيرهما، وصحبه مدة طويلة حتى برع وفاق أقرانه. ثم سافر البلاد، وجاب الأغوار والأنجاد، ولقي المشايخ الأمجاد، وتتبع المدارس والمكاتب ، وصنف الكتب، وفي آخر أمره دخل مراد أباد ولازم شيخنا الإمام المحدث فضل الرحمن بن أهل الله البكري المرادأبادي، وقرأ عليه الصحاح والسنن. ومن مصنفاته: " إتحاف الإخوان في أسانيد مولانا فضل الرحمن"، و" إتحاف البشر في أعيان القرن الثالث عشر"، و" النفح المسكي لمعجم شيوخ أحمد المكي"، و" الهدية الأحمدية في أنساب ولد الشيخ أحمد بن عبدالأحد السرهندي إمام الطريقة المجددية"، وفي بالفارسية، وقد طبع منها الأول والآخر، ونسخة من " معجمه" في المكتبة الآصفية بحيدرأباد خطيَّةٌ. مات سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة وألف بمدينة بمبي))
وقال ابن ميرداد: ((أحد الفضلاء الأذكياء. أخذ عن كثير من الشيوخ ما ينوفون عن المائة. ومهر في علم الحديث، وله معرفة تامة جيدة بالرجال، أقرَّ له بذلك أهلُ الفضل، منهم شيخه وشيخي العلامة المحدث السيد علي ظاهر المدني رحمه الله تعالى. ومن شيوخه المكيين: السيد أحمد دحلان، وسيدي الوالد، والشيخ عباس بن صديق، والشيخ مصطفى عفيفي، والشيخ حسب الله، وجدي لأمي الشيخ محمد الكناني، والسيد محمد صالح زواوي، والشيخ إبراهيم فتة، والسيد حسين حبشي؛ قرأ عليه عدة كتب في الحديث، وكان ينوِّه بشأنه ويُجِلُّه ويقول: "ما رأيت أحداً مثله من التلامذة في هذا العلم وفي الاعتناء به"، وكلُّهم أجازوه بسائر مروياتهم. وجمع لسائر مشايخه معجماً، ونثر ونظم. وله خط حسن جيد، وكان سريع الكتابة مع الضبط التام، كتب به كتباً عديدة. وقد تكررت منه رحلات عديدة إلى الهند، وفيها اجتمع بكثيرين من العلماء الأفاضل وأخذ عنهم. وكان يجمع الكتب الفريدة، ولقد حاز منها شيئاً كثيراً)) انتهى.
وترجم له من الآخذين عنه: المسند الرحال أبوسعيد عبدالهادي المدراسي في ثبته «هادي المسترشدين» (: 159). والمسند الفاضل مؤرخ مكة المشرفة عبدالله بن محمد بن غازي الهندي الأصل المكي في معجمه ترجمة طويلة كما أفاده الشيخ عبدالحي الكتاني في تعليقة كتبها بخطه في حاشية ترجمة "النفح المسكي" من نسخته من "فهرس الفهارس". والقاضي الأصيل الراوية المسند المؤرخ المتفنن العلامة أبومحمد عبدالحفيظ بن محمد الطاهر الفهري الفاسي ثم الرباطي في معجم شيوخه المسمى بـ"المطرب المعرب" (1: 118).
ومن أفضل من ترجم له ونوه به: صاحبه - الذي تعرف عليه في أواخر عمره ولقيه أياماً معدودة ثم استوثقت صلتهما العلمية واستمرت بالمكاتبة- السيد عبدالحي الكتاني في ترجمة «النفح المسكي» من"فهرس الفهارس والأثبات، ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات" وملأ كتابه هذا وغيره من تآليفه في الجملة من ذكره والنقل عنه، وأكثر من الثناء عليه، ولا سيما في رسوخ قدمه في فنون الرواية ومتعلقاتها..
فمما قال في وصفه: ((مسند الشرق _ ولا أستثني _، الأخباري الراوية، المحدث الرحال، المعتني بضبط الأسماء والوفيات، الماهر في معرفة الخطوط والعالي والنازل))، ثم قال: (( اعتنى بالرِّواية والحديثِ والرِّحلةِ لأجلهما، وكتب ونسخ وسَمِع على الشُّيوخ وقرأ عليهم بنفسه، وتمَّ له سماع الكتب السِّتة، ورُزق سَعْداً عظيماً في هذا الباب، ولا يكاد يخفى عليه اسمٌ ولا طبقةُ راوٍ بالمشرق قديماً كان أو حديثاً، واعتناؤه بالمتأخرين أكثر. وقع بيده من كتب هذه الصناعة ودواوينها ما له بالٌ، إلا أن تَرْحاله الطويلَ كان يقضي عليه بمفارقة ما يدخل بيده من الأصول والدواوين، وربما اتجر في الكتب الحديثية المطبوعة فيجلب غريبها للحجاز، وغريب ما في الحجاز للهند، وبقي يتردد بين الهند والحجاز واليمن نحو خمس عشرة سنة. وصنَّف في هذا العلم دواوينَ معتبرةً))، ونقلعن شيخهما محدث المدينة المنورة في وقته الشيخ أبي الحسن عليُّ بنُ ظاهرٍ الوِتْريُّ أنه في (بِرْنامَج الآخذين عنه عام 1306): "الشيخ العالم المحدِّثُ المعتني بضبط الأسماء والرجال، اجتمعت به بالمدينة عام 1302، فسمع مني (حديثَ الأولية)، وقرأ عَليَّ" )).
وقال المدراسي: «وممن أجازني من مشايخنا المكيين: عين العلم والرواية، ينبوع الحكم والدراية، ملحق الأصاغر بالأكابر، مولانا العلامة الفهامة شيخنا الشيخ أحمد أبوالخير جمال بن عثمان بن علي المكي الأحمدي عمت فيوضاته.
قال القاضي عبدالحفيظ: ((العلامة الرحال المحدث راوية العصر ومسند الدنيا رحمه الله تعالى. ( حاله: ) كان رحمه الله عالماً محدثاً مؤرخاً نقاداً عظيم الهمة جليل القدر، كبير الشأن، ولع بفن الرواية وسماع كتب الحديث والأجزاء والمسلسلات بشروطها قولاً وفعلاً وعملاً، ورحل للقاء الشيوخ والرواية عنهم على سنن السلف من أهل الحديث فلقي الجلة من الأكابر بل روى حتى عن الأقران والأصاغر، وسمع العالي والنازل، وجمع في هذا الباب ما لم يجمع غيره، واعتنى بضبط الأسماء والوفيات، ومهر في معرفة الخطوط ، وتبحر في تراجم الرواة وطبقاتهم ووفياتهم، وألقت إليه خزائن الشرق نفائس ذخائرهامن كتب هذا الشأن حتى نال منها ما قصر عنه غيره. ( مؤلفاته: ) ألف المترجم في هذا الفن عدة مؤلفات دلت على طول باعه وكثرة اطلاعه)) انتهى. '
الديوان الجامع لترجمة أبي الخير العطار وسيرته: '
أعد الباحث المشار إليه في أول المقال لأبي الخير العطار ديواناً حافلاً في ترجمته وأخباره وأحواله وآثاره سماه: ((الإخبار عما لأبي الخير العطار من المآثر والآثار))، لم يزل بعد في طور الإعداد من سنوات عديدة حرصاً على جمع أكبر قدر ممكن من مواد هذا الكتاب وموارده الأصيلة المهمة، ومناقشتها مع المختصين ودراستها ونقدها.
هذا نصُّ المقالة المنشورة على موقع (ويكيبيديا)
مدونة أبي الخير العطار ومعجمه "النفح المسكي"
http://alnafh.blogspot.com/p/blog-page.html?zx=9be8c96a8040003d
الصفحة المرادفة لها على فيس بوك:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100002919983245