عبدالملك السبيعي
بسم الله الرحمن الرحيم
معلميَّ الفضلاء .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذهب بعض أهل العلم إلى جواز كشف الوجه والكفين ، وقد أُمرنا بغض البصر ، فلا شك أنهم لا يرون جواز النظر إلا وجه المرأة وإن كان مكشوفا .
فإذا كان رجل يعمل بالجواز ، هل يجوز له أن ينظر إلى وجه امرأة تخاطبه ؟ أو تكلمه فيما تستدعيه الضرورة ؟
وإذا كان صاحب موقع يرى جواز كشف المرأة لوجهها ، هل يجوز له أن يضع صورة لوجه امرأة على موقعه من باب التعريف بها ؟ كأن تكون صاحبة المقالة المكتوبة ، أو أن المقالة تتحدث عنها .
وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم
.......
يا اخي الكريم
هناك من العلماء من يرى جواز النظر الى وجه المراة الاجنبية فقد نفل الشيخ العلامة الشوكاني عن العلامة ابن القطان جواز النظر عند امن الفتنة حيث استنبط من ان النبي صلى الله عليه وسلم اقر عمه العباس على سؤاله عندما سأله لم لويت وجه ابن عمك اي الفضل ابن العباس عندما كان ينظر الى وجه المرأةالخثعمية فلم ينكر النبي على عمه العباس السؤال .بمعنى اوضح
لو كان النظر الى وجه المراة محرم لرد عليه النبي عليه السلام على عمه اللباس كيف تسال هذا ياعماه , وهذا للاستنكار ولم يحصل .
بل قال رايت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
ثم ان المحققين من علماء الحديث كالالباني وبعض علماء الازهر يصححون هذا الحديث وقبلهم المنذري في " ترغيبه"، والذهبي في " تهذيبه"والبيهقي في سننه والهيثمي في مجمع الزوائد والحديث هو
الذي رواه ابو داود عن الوليد ابن مسلم عن سعيد ابن بشير عن قتادة عن خالد ابن دريك عن عائشة مرفوعا للنبي "ص" ان المرأة إذابلغت المحيض لايصلح أن يرى من الاهذا وهذا وأشار لوجهه وكفيه . فهذا يفيد جواز النظر الى الوجه والكفين .
حجج المضعفون لهذا الحديث ونقل الردود عليها
ان هذا مرسل ضعيف ، وأحد رواته ضعيف وهو سعيد ابن بشير وفيه الوليد ابن مسلم وهو مدلس وكذلك قتادة ايضا مدلس, وخالد ابن دريك مجهول الحال .
ورد عليهم من يصحح هذا الحديث ردودا جيدة بالقول
ان هذا الحديث قد تقوى بطرق اخرى فقد روي كذلك عن قتادة بطريق آخر غير طريق الرواي الضعيف "سعيد ابن بشير" وليس فيه "في سنده" الوليد ابن مسلم رواه ابوداود في كتابه المراسيل قال ابو داوود
حدثنا محمد ابن بشار قال حدثنا ابن داود قال حدثنا هشام عن قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان الجارية اذا حاضت لا تبدي الا وجهها وكفيها الى المفصل .
فهذا عن هشام الدستوائي وليس عن سعيد ابن بشير وهشام هذا هو ابن ابي عبدالله الدستوائي امير المؤمنين في الحديث ثقة ثبت من رجال الشيخين .
ومحمد ابن بشار وابن داوود ائمة في الحديث .
وبهذا يصبح الاسناد الى قتادة صحيح , اما خالد ابن دريك فقد وثقه غير واحد كما ذكر بعض اهل العلم ثم ان وجوده في الرواية لا يزيد منها قوة ولا يضعفها فهو تابعي متأخر كقتادة .
ثم ان سعيد ابن بشير لم يجمع على تركه ولا على انه ضعيف فقد وثقه البعض من علماء الجرح مثل
قال أبي وأبو زرعة: " محله الصدق عندنا". ووثقه شعبه والبرازفي تهذيب التهذيب وعند الذهبي مقبول .
وهذا يعني ان سعيد ابن بشير روايته ليست ضعيفة جداً بل عدها بعض العلماء تصح في الشواهد .
ثم إن الحديث يتقوى بطريق"رواية" ثالث رواه البيهقي والطبراني في معجمه الكبير والاوسط وهو "مسند"متصل
وهذه الرواية * روى الطبراني حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج حدثنا عمرو بن خالد الحراني حدثنا بن لهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه عن أسماء بنت عميس أنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء وعليها ثياب سابغة واسعة الأكمة فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخرج فقالت لها عائشة تنحي فقد رأى منك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كرهه ففتحت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عائشة لم قام فقال أولم تري الى هيأتها انه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها الا هكذا وأخذ كميه فغطى بهما ظهور كفيه حتى لم يبد من كفيه الا أصابعه ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد الا وجهه (24/ 143) *
وهذه الرواية مستقلة عن سابقيها أي أن رواتها مختلفون , وابن لهيعة ضعيف لكن روايته في الشواهدوالمتابع ات لا تقل عن رتبة الحسن .
ومن المعلوم أن القاعدة المعمول بهاعند علماء وفقهاء الحديث هي أن الحديث إذا كثرت طرقة حتى لو كان بها ضعفا تقويبعضها بعضا فيعتبرالحديث حسنا على ألا أن لايكون ضعف رواتها طعنا في عدالتهم بلفي الحفظ أو إنقطاع يسير في الاتصال كالمرسل .
ثم إن الحديث المرسل اذا عضد برواية مسنده وإن كانت بها شيء من الضعف تتقوى بها .
ولذلك حسن هذا الحديث الالباني رحمه الله وعامة علماء الازهر وحسنه الامام الهيثمي في مجمع الزوائد والبيهقي والمنذري والذهبي .
ومن شواهده ايضا قال الالباني رحمه الله ان البيهقي واوفقه الالباني قد حسنا هذا الحديث لأن عائشة رضي الله عنها قد ثبت عنها قولها"تسدل الثوب على وجهها إن شاءت"اي المحرمة رواه البيهقي وهو حديث حسن صحيح
فإستخدام عائشة رضي الله عنها لعبارة ان شاءت تدل على ان عائشة لا ترى وجوب تغطية الوجه للمراة وهذا يفيد انه لا بد ان وصلها شيء من رسول الله في هذا الشأن.
ويتقوي حديث عائشة هذا المرفوع المسمى حديث اسماء بموافقته لحديث الخثعمية وحديث المرأة السفعاء الخدين وغيره .
واما اقول انه حديث يحمل على انه ناقل عن الاصل فهذا يخالف كون ان هذا الحديث يتوافق مع حديث الخثعمية والسفعاء الخدين الذين وقعت قصتهما بعد فرض الحجاب وسوف ابين ذلك فيما يخص حديث السفعاء واما حديث الخثعمية فيكفي القول انها في حجة الوداع اي بعد فرض الحجاب بكثير لان ايات الحجاب كانت قبل حجة الوداع بكثير .
ثم ان الائمة الاربعة قد اجازوا ان تكشف المراة وجهها في الشهادة .
وبعض العلماء اجازوا لها ان تكشفه في حالة البيع والشراء فالمراة التي لا تريد ان توكل احد محارمها او زوجها وتريد ان تشتري او تبيع ارضاً او بيتا لا بد لها ان تتكشف وجهها .
ففي مذهب الحنفية :في كتاب الاختيار " ولا ينظر الى الحرة الاجنبية الى الى الوجه والكفين ان لم يخف الشهوة وعند ابي حنيفة انه زاد القدم , لان في ذلك ضرورة للاخذ والعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة لاقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم باسباب معاشها .
........
وعندي رد على من يقول ان السفعاء الخدين امة وهي المرأة التي ورد ذكرها في هذا الحديث
وهو عندما خطب الرسول عليه السلام خطبة العيد ومعنى الحديث ان النبي بعد ما وعظ الرجال وذكرهم مضى حتى اتى النساء فوعضهن وذكرهن فقال تصدقن فان اكثركن حطب جهنم فقالت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين لم يارسول الله ؟ قال لانكن تكفرن العشير وتكثرن الشكاة .
رواه مسلم(19/3)والنسائي والبيهقي وغيره فلم يأتي في الحديث انه "ص" امرها بتغطية الوجه حيث أن ظاهر الواقعة أنهااكاشفة للوجه والا من اين علم راوي القصة أنها سفعاءالخدين
وهذه المراة ليست امة بل هي الصحابية اسماء بنت يزيد ابنة عم معاذ ابن جبل وهي من الاوس فكيف تكون أمة من كانت من هذه القبيلة العريقة من قبائل المدينة.
والدليل على المراة التي في الحديث انها اسماء بيت يزيد هو
ان اسماء بنت يزيد ذكرت في احدى رواياتها أنها هي التي سألت النبي "لم" عندما قال النبي في خطبة العيد يا نساء انتن اكثر حطب نار جهنم ورد ذلك في مسند إسحاق ابن رهوية ووردت روايتها هذه بطريق اسناده حسنه د عبدالغفور البلوشي عن مولاها مهاجر وهوثقة واقوى من روى عنها من مواليها .
وقد حسن رواية اخرى لها العلامة شعيب الارناؤوط أحد محققي السنة النبوية ذكر بها نفس التاكيد ، ووردت روايتها في مسندالصحابة في الكتب السته ومعجم الطبراني الكبيروغيرهم
وقد نقل عن الالباني قوله لا باس من الاستفادة من علم الارنؤوط في التحقيق الحديثي .
وذكرالشيخ محمدالمنجد في احد دروسه ان السائلةهي اسماء بنت يزيد .
والدليل على انها شابه في عصر الرسالة .
لانها ماتت في خلافة يزيد ابن معاوية وقيل في خلافة عبدالملك ابن مروان أي بعد قرابة اربعون سنة من وفاتة الرسول فهل تكون من ماتت في هذه الفترة عجوزا في عصر الرسالة ثم انها قتلت تسعة من جنود الروم في معركة اليرموك فهل من تفعل هكذا تكون عجوز. وهناك ادلة اخرففي بعض الروايات عن عائشة ان امراة جاءت تسال النبي "ص" عن الحيض وهي اسماء بنت يزيد كما في رواية اخرى ومن تسال عن الحيض لاتكون عجوزا .
واما القول ان ذلك محتمل ان يكون قبل فرض الحجاب اجاب عليه العلماء ان هذا كلام غير صحيح بل الواقعة حدثت بعد فرض الحجاب لأن الامام البخاري عندما ذكرهذه القصة ذكر فيها زيادة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ على النساء آية المبايعة للنساء وهي في آخر سورة الممتحنة وطبعا هذه الآية نزلت يوم الحديبية كما في صحيح البخاري نفسه وذكر ابن القيم مرجحا في زاد المعاد ان هذا اليوم في السنة السادسة ,للهجرة،وهناك راي انه في السنه السابعة بينما الاية التي تامر بادناء الجلباب نزلت في السنة الخامسة للهجرة في سورةألاحزاب .
وهي طبعا ليست امه لانها من الاوس من بني الاشهل . ..
ثم ان رواية مسلم لها شاهد وهو ان هذه السفعاء سالت النبي صلى الله عليه وسلم سؤال اخر في نفس هذه الواقعة رواه البزار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق باباً ثم يرخي ستراً، ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك، ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها، وترخي
سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون قال: فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي
شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها. وحسنه الألباني
وهذه القصة لها شاهد ما رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: هل منكم الرجل إذا أتى
أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها
وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامها، فقالت: أي والله، وإنهم يتحدثون وإنهن ليتحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل من فعل ذلك، إن مثل من فعل ذلك مثل
شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه .
والله أعلم
ورواية البرزارهذه ليست ضعيفة تماما بل حسنة فقد نقلت لها شاهدا صحيح مع انه لم يذكر فيه انها سفعاء ولكن تؤكد نفس القصة في مجملها رواية البزار فتكون نقل صفة انها سفعاء مقبولة في المجمل لتطابق الروايتين في القصة , ولان اسماء بنت يزيد معروف عنها هذه الصفة انها سفعاء خدين وفعلا اسماء كانت سفعاء الخدين كما جاء في قصة طلاقها
من زوجها فاذن رواية البزار تصلح شاهدا على رواية مسلم في صفة انها السفعاء " لان رواية البخاري "امراة لم يجبه غيرها "
وهذا يعني لا معنى من رد رواية مسلم حتى لا يحتج بها .
واما زعم الشيخ العدوي حفظه الله انها امة اعتمادا على رواية "من سفلة النساء سفعاء الخدين" فهوراي باطل لانه تبين جليا انها امراة حرة ابنة عم معاذ ابن جبل وهي من الاوس وانها اسماء بنت يزيد .
اما عبارة من سفلة النساء كما في الرواية الاخرى فقد توصف الصحابية التي يظن انها عارضت النبي فقالت لم يارسول الله انها امراة سافلة ولذلك يؤكد هذا التأويل انه في رواية اخرى لصحابي آخر وصفها انها الماردة لانها في ظاهر القصة تمردت وسألت لم مع انها ليس كذلك ولكنهم اي الصحابة رواة القصة و تحاملوا عليها لاجلالهم لمقام النبي .
اذن فليس شرط ان يكون الوصف بالسفالة انها امة كما ادعى الشيخ العدوي.
واما استدلال الشيخ العدوي بماجاء في رواية الحاكم وابن حبان حيث وصف المراة انها ليست من علية القوم فقال هذا يؤكد انها امة ! وهذا يرد عليه ان المعنى الاصح انها ليست من الوجهاء وليس شرط ان يقتضي ذلك انها امة فقد تكون المراة ليست من عليه الناس في الوجاهة وفي نفس الوقت ليست امة ويؤكد هذا كما قلت ان المرأة عرفت وانها اسماء بنت يزيد من الاوس ابنة عم معاذ فكيف تكون امة ؟ ثم ان عبارة ليست من علية النساء يفهم منها انها ليست امة .
وهذه الرواية قد تؤكد ان المرأة كاشفة الوجه , كيف ذاك ؟ لانها مالم يكن عرفها راوي القصة الصحابي من وجهها لم يقل انها ليست من وجهاء النساء .
وفعلا اسماء بنت يزيد كانت خادمة النبي صلى الله عليه وسلم لفترة من حياتها .
وبالمناسبة قد يرى بعض العلماء ان المراة هي اميمة بنت رقيقة لكن حتى هذه لم تكن امة ولا عجوزا , لكن الراجح ان السائلة هي اسماء بنت يزيد وبينت ذلك في نقل استدلالي في حديث اسماء بنت يزيد لنفسها لانها هي روت بنفسها انها هي السائلة .