عندما يتحدث الله سبحانه وتعالى كذلك عن عبادة الملائكة يرِدُ فعل العبادة بالتذكير: قال سبحانه : ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) الحجر / 30 . وقال : ( لايعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ) التحريم / 6 . و قال : ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله و لا الملائكة المقرَّبون ) النساء / 172 .
فاستعمال صيغة التذكير مع الملائكة له تعليلات تداولية متعددة حسب المقام الذي ذُكر فيه اللفظ :
1ــ أولها مخالفة اعتقاد كفار العرب في الملائكة إذ كانوا ينعتونهم بالإناث، استخفافا وتحقيرًا، نظرا لمكانة الأنثى في بيئتهم ، حيث كانوا يستقبحون أن يكون من أبنائهم إناث، مما حملهم على التخلص منهن بالوأد . فعاب عليهم الله سبحانه صنيعهم ذاك ، وبيَّن في مواضع متعددة أن العبرة ليست بنوع الجنس بقدر ما هي متعلقة بالعمل الصالح كقوله جل و علا : ( و من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ) النساء / 124 . كما صحح اعتقادهم في الملائكة بأن نَفَى أن يكونوا إناثا : ( فاستفتهم ألِربك البنات و لهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثاً و هم شاهدون ) الصافات : 149 /150 ، دون أن يُبيِّن لنا أنهم ذكورٌ . فالملائكة خلقٌ خاصٌّ بمواصفات خاصة، لا يمكن أن نقيسهم على الإنسان بناء على قياس الغائب على الشاهد . فعالم الغيب مخالف لعالم الشهادة.
2 ــ إن القرآن الكريم بتذكير أفعالهم التعبدية يُحيل على صنيع الأنبياء في امتثال الأوامر الربانية والتزامها، وعدم الخروج عنها. فهم معصومون عن الوقوع في الخطإ بحفظ الله ورعايته. وفي ذلك تيئيس للكفار من الرحمة، وتخويف وترهيب لهم، لأن الملائكة لا يملكون الخروج عن الأوامر الربانية : ( لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ) . (ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم ) سبأ : 40 /41 ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته و يسبحونه و له يسجدون ) الأعراف / 206
3 ــ و هناك تعليل تداولي آخرخاصة في قوله عز و جل : (عليها ملائكة غلاظ شداد ) التحريم / 6 يتمثل في أن المقام مقام عذاب ، فالحديث عن خزنة جهنم وهم " الزبانية ،(غلاظ) على أهل النار، (شداد) عليهم، لا يرحمونهم إذا استرحموهم، لأن الله خلقهم من غضبه، وحبَّب إليهم تعذيب خلقه "صفوة التفاسير للصابوني : ج3 / 410 . فما يناسب المقام هو التذكير لا التأنيث، لأن التأنيث يحيل على المرأة وهي مصدر الحنان والرحمة.