نظام الطلاق في الإسلام
تأليف : أبو الأشبال
أحمد محمد شاكر
الكتاب موجود على الشبكة بصيغة pdf
الخلاصة :
هذا الكتاب في بيان بعض الأحكام المتعلقة بالطلاق ، منها أن طلاق الثلاث يقع طلقة واحدة ، وسببه تشجيع من والد المؤلف - رحمهما الله - الذي كان كاتبا للمفتي الحنفي في مصر حيث رأى التمسك بالمذهب الحنفي لدرجة المشقة على بعض الناس وذكر موقف تلك الشابة التي سجن زوجها لمدة طويلة وهي تريد الطلاق فلم يجد لها المفتي حلا سوى الصبر فعرض والد المؤلف على المفتي الأخذ بمذهب الإمام مالك في مثل هذه المشاكل ، فأبى الشيخ كل الإباء ، وكان بين الأستاذ وتلميذه جدال حاد في هذا الشأن ، ولكنه لم يؤثر على ما كان بينهما من مودة وعطف ، ومرت الأيام إلى أن تغيرت الأحوال بعد سنوات ورأت " وزارة الحقانية أن تسير في سبيل الإصلاح ، فنشرت على القضاة وغيرهم كتابا دوريا في 13 نوفمبر سنة 1935 ، تدعو من شاء منهم أن يقترح ما يراه من أحكام المذاهب الأخرى سبباً للتخفيف عن الناس ، ورفع الحرج عنهم ، فكان ذلك سببا في تأليف هذا الكتاب .
قال المؤلف رحمه الله : " وكانت لي آراء في أشياء كثيرة أرجو أن أساهم بها في هذا العمل الهامِّ المفيد ، ومن أهمها البحث في ( نظام الطلاق في الإسلام ) : فشرعتُ في دراسة الموضوع من جديد ، استذكارا للدراسات السابقة ، ثم كتابته على الطريقة القويمة ، التي سرت عليها أنا وكثير من إخواني ودعونا إليها الناس وجاهدنا في نشرها أكثر من عشرين عاماً . وهي : اتباع الكتاب والسنة ، والاقتداء بهما ، والاهتداء بهديهما ، ونبذ التقليد والعصبية للمذاهب والآراء . وفي هذه السبيل السعادة والفلاح .
وأرجو أن يوفقني الله لمتابعة التحقيق في مسائل أخرى على هذا النهج المستقيم . لأقوم ببعض ما يجب عليَّ من الدعوة إلى الله وفي سبيل الله " . انتهى كلامه رحمه الله .

وهذا تفصيل ما حدث لوالده رحمه الله كما نص في التمهيد حيث قال : " ولكن تقييد المحاكم بمذهب أبي حنيفة أوقع الناس في كثير من الحرج في بعض المسائل ، مع ضعف بعض القضاة السابقين في تطبيق الأحكام ، وتمسكهم بالألفاظ والأشكال ، حتى كان من أثر هذا : أن ألغيت الأحكام الشرعية من مصر ومن كثير من الأقطار الإسلامية ، إلا في بعض أبواب قلائل ، يسمونها ( الأحوال الشخصية ) ، وكان من هذا : أن نشأت المحاكم النظامية والمحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية ، ووضعت قوانين لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، بل نقلت عن قوانين أوروبا نقلاً حرفياً ، من غير تفكير فيما إذا كانت تناسب أخلاقنا وعاداتنا وخلجات نفوسنا ، وكان أن ضعف شأن المحاكم الشرعية حتى كادت أن يمحى أثرها ، لولا ظروف خاصة حفظت لمصر أثراً من شريعتها .
ومع كل هذا فإنه لم يجرؤ أحد من العلماء في مصر على التفكير في مخالفة أحكام مذهب أبي حنيفة ، وفي بعضها إرهاق وإحراج .
وأول من فكر في ذلك وطلب العمل به - فيما أعلم - هو والدي الأستاذ الأكبر الشيخ محمد شاكر ، وكيل الأزهر سابقاً ، وذلك قبل سنة 1892م ، وكان يومئذ كاتب الفتوى لدى شيخه محمد العباسي المهدي مفتي الديار المصرية رحمه الله ، فجاءت امرأة شابة حكم على زوجها بالسجن مدة طويلة وهي تخشى الفتنة ، وتريد عرض أمرها على المفتي ، ليرى لها رأياً في الطلاق من زوجها لتتزوج من غيره ، وليس في مذهب الإمام أبي حنيفة حلٌّ لمثل هذه المعضلة إلا بالصبر والانتظار . فصرفها الوالد معتذراً آسفاً متألماً ، ثم عرض الأمر على شيخه المفتي ، واقترح عليه اقتباس بعض الأحكام من مذهب الإمام مالك في مثل هذه المشاكل ، فأبى الشيخ كل الإباء ، واستنكر هذا الرأي أشد استنكار ، وكان بين الأستاذ وتلميذه جدال حاد في هذا الشأن ، ولكنه لم يؤثر على ما كان بينهما من مودة وعطف . وما زال الأستاذ الوالد - حفظه الله - مقتنعاً برأيه ، معتقداً صحته وفائدته للناس .
ثم في أوائل سنة 1899 ، وكان الأستاذ الوالد نائبا لمحكمة بنها الشرعية ، قدم تقريراً لأستاذه الإمام الحكيم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ، انتقد فيه كثيراً من أعمال المحاكم الشرعية وأعمال قضاتها على الخصوص ، وأبان عن أوجه النقص والخطأ في اللائحة التي كان معمولاً بها في ذلك الوقت وهي لائحة سنة 1897 واقترح عليه أيضاً اقتباس بعض الأحكام من مذهب الإمام مالك في التطليق للإعسار ، وللضرر ، وللغيبة الطويلة .
ثم طاف الأستاذ الإمام رحمه الله في صيف تلك السنة على كثير من محاكم الوجه البحري ، واطلع على سير الأعمال فيا ، ليصف لها الدواء والعلاج بحكمته ، ووضع تقريره المشهور في إصلاح المحاكم في نوفمبر سنة 1899م . وهو الذي طبع بمطبعة المنار بمصر في شوال سنة 1317هـ - ( 1900 ) واتفق رأي الأستاذ الإمام ورأي تلميذه - الأستاذ الوالد - في كثير من مواطن الخطأ والنقص في أعمال المحاكم .
ولكن يظهر أن الأستاذ الإمام رحمه الله لم يجد الفرصة مواتية لاقتراح أحكام تخالف مذهب الإمام أبي حنيفة . وخاصة في التطليق من القاضي ، فترك الكلام في ذلك . ولكنه أشار في الكلام في المرافعات إشارة عامة ، ودعا إلى الأخذ بشيء من أحكام المذاهب الثلاثة الأخرى ( ص 38 ) .
ولما وَلِيَ الأستاذ الوالد قضاء السودان ، في منصب قاضي القضاة في أواخر سنة 1899 ، وجد مجال العمل واسعاً ، ووجد الفرصة مواتية ، فإنه لم تكن هناك محاكم ، ولم يكن شيء من النظم ، وكان يُنشيء كل ذلك إنشاء جديداً ، فوضع القوانين واللوائح على النحو الذي يراه ويريده ، وأهم ما في ذلك : التطليق من القاض للإعسار وللضرر ، وللغيبة الطويلة ، وهي الأحكام التي لم تقتبس في مصر إلا في القانون رقم 25 لسنة 1920 باقتراح الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر حفظه الله .
ثم اجتمع لدى وزارة الحقانية كثير من الآراء والاقتراحات في بعض المسائل في الطلاق وغيره ودرستها لجنة خاصة ألفت لذلك ، واختارت منها ما رأته مناسباً ونافعاً فصدر القانون رقم 25 لسنة 1929 وأهم ما فيه : إلغاء وصف الطلاق بالعدد واعتباره طلقة واحدة ، باقتراح الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي ، وهذا معناه إلغاء ما يسميه الناس ( الطلاق الثلاث ) ، فكان عملاً جليلاً ، وفتحاً جديداً ، وكان عملا من أعمال الرجال " انتهى كلامه رحمه الله .
ويظهر أنه كان قاضيا لما ألف الكتاب ، وقد رد على هذا الكتاب الأستاذ محمد زاهد الكوثي - وكيل المشيخة الإسلامية بدار السلطنة العثمانية سابقا - في كتابه " الإشفاق على أحكام الطلاق " .

رحم الله الجميع .