في دراسة أجراها فضيلة الشيخ الدكتور / خالد المصلح بعنوان " النوازل الفقهية عند الشيخ ابن عثيمين دراسة تأصيلية تطبيقية" أفاد أن العلامة العثيمين من أبرز القامات الفقهية المعاصرة الشهود لهم بدقة الفقه وبعد النظر وقوة الحجة والتأهل للاجتهاد والفتوى ، وقد وضح فضيلته أنه تبوا تلك المنزلة بفضل الله الذي يسر له من الأسباب ما بلغه تلك المكان ة الفقهية ، ومن أبرز تلك الأسباب :
أولا : بناؤه العلم والعمل على الدليل :
يقول الشيخ رحمه الله في رسالته الخلاف بين العلماء (ص: 32) " فالواجب على مَن علِم بالدليل أن يتبع الدليل ولو خالف مَن خالف من الأئمة. إذا لم يخالف إجماع الأمة " ، وعرف العلم بأنه " معرفة الحق بدليله. قال ابن القيم: وهذا كما قال أبو عمر فإن الناس لا يختلفون في أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل " الأصول من علم الأصول (ص: 89) ، وجعل ذلك واجبا على من اشتغل بالعلم فقال " طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65] " الشرح الممتع على زاد المستقنع (1 / 16) .
ثانيا : عنايته بحكم الأحكام وعللها ومقاصدها .
فدائما يؤكد الشيخ أنه " فينبغي للإنسان أن يكون فهمه واسعاً، وأن يعرف مقاصد الشريعة، وأن لا يجعل الوسائل مقاصد، فإنه بذلك يضل، ويبدع أناساً كثيرين من أهل العلم المحققين. " الشرح الممتع على زاد المستقنع (7 / 381) ، ويقرر الشيخ أنه ما من حكم إلا وله حكمة ويقول :" فما من حكم من أحكام الشريعة إلا وله حكمة عند الله ـ عزّ وجل ـ لكن قد تظهر لنا بالنص أو بالإجماع أو بالاستنباط، وقد لا تظهر لقصورنا، أو لتقصيرنا في طلب الحكمة." الشرح الممتع على زاد المستقنع (6 / 380) ويوضح فوائد معرفة الحكمة فيقول " لا بأس أن يتطلب الإنسان العلة وأن يلتمس الحكمة في أحكام الله تعالى، لأن ذلك يزيده طمأنينة، ولأنه يتبين به سمو الشريعة الإسلامية حيث تقرن الأحكام بعللها، ولأنه يتمكن به من القياس إذا كانت علة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر آخر لم ينص عليه، فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاث. " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (11 / 98)
ثالثا : عنايته بالاستدلال العقلي النظري في إثبات الأحكام :
وفي ذلك يقول الشيخ " لا بد أن تطعم الأدلة الشرعية مع ناقص الإيمان بدليل من العقل ليقتنع، ولهذا تجدون القرآن مملوءا بالأدلة العقلية ؛لأنه يخاطب قوما ليس عندهم من الدين ما يحملهم على قبول الحق من الكتاب والسنة " ومع تأكيده رحمه الله على أهمية الأدلة العقلية إلا أنه بين منزلتها وأن الأصل هو الكتاب والسنة فقال : "والأصل عند أهل السنة هو الأثر، سواء في الأمور العلمية أو الأمور العملية، بل أنهم يحكمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء." شرح العقيدة السفارينية (1 / 85)
رابعا : عنايته بالقواعد والضوابط :
وقد حث الشيخ على العناية بمعرفة القواعد والضوابط وفي ذلك يقول "وقد قال العلماء: من حرم الأصول حرم الوصول، أي لا يصل إلى الغاية إذا حرم الأصول، فينبغي أن يلقي على الطلبة القواعد والأصول التي تتفرع عليها المسائل الجزئية؛ لأن الذي يتعلم على المسائل الجزئية لا يستطيع أن يهتدي إذا أتته معضلة فيعرف حكمها، لأنه ليس عنده أصل" مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (26 / 225) .
خامسا : اعتباره المآلات والنظر في العواقب .
وقد راعى الشيخ ذلك ، بل وأوصى بمراعاة هذا في الأقوال والأفعال وفي ذلك يقول رحمه الله :" ينبغي أن نعلم أن الشيء قد يكون حسناً في حد ذاته وفي موضوعه، لكن لا يكون حسناً، ولا يكون من الحكمة، لا من العقل، ولا من النصح، ولا من الأمانة أن يذكر في وقت من الأوقات، أو في مكان من الأماكن، أو في حال من الأحوال، وإن كان هو في نفسه حقا وصدقاً وحقيقة واقعة، ومن ثم كان ينبغي للإنسان أن يستشير ذوي العلم والرأي والنصح في الأمر قبل أن يقدم عليه " شرح رياض الصالحين (1 / 53)

موقع الفقه الاسلامي