لطائف من منظومة السير إلى الله والدار الآخرة (3)
: نَصَحُــوا الْخَلِيقَـةَ فـِي رِضَـا مَحْبُوبِهِــمْ بِـالْعِلْــمِ وَالإِرْشَــــا ِد وَالإِحْسَـــــ انِ

صَحِبُــوا الْخَـلاَئِــقَ بِالْجُسُــومُ وَإِنَّمَــا أَرْوَاحُـهُــم ْ فِـي مَنْـــزِلٍ فَــوْقَــانـــ ِي

هذه حالُهم مع الخلْق، أكمل حالٍ وأجلُّها، فأبْدَوا لهم غايةَ النُّصح، وأحبُّوا لهم ما أحبُّوا لأنفسِهم مِن الخير، وكَرِهوا لهم ما كَرِهوا لأنفسِهم مِن الشَّـرِّ؛ فسَعَوْا في إزالةِ الشَّـر عنهم بكلِّ مُمكِن، واجتهدوا في إيصالِ النفعِ إليهم بكل مقدور، مِن: أمرِهم بالمعروف، ونهيِهم عن المنكر، و إطعامِ جائِعِهم، وكسوةِ عاريهم، وإغاثةِ ملهوفِهم، وتعليمِ جاهِلِهم، وردْعِ ظالِمِهم، ونصرِ مظلومِهم، واحتمالِ أذاهم، وكفِّهم أذى أنفسِهم عنهم.

ومع هذا فصحبتُهم لهم بالظاهر والجسم، وأما قلوبُهم وأرواحُهم؛ فإنها تجولُ حولَ الحبيب وتطلبُ من قُربه أعظمَ نصيب، فتارةً تنكسـر بين يديه، وتخشعُ وتخضع لديه، وطوْرًا تشكُره لِحُبِّه، وتدلُّ لاستحضارِ بِرِّه وقُربِه، ثم تميلُ إلى مَراضيه، فتجتهدُ في عبادتِه وتحسنُ إلى مخلوقاتِه، فهؤلاء هم الناس، بل هم العقلاء الأكياس، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله