الفن والفنَّان وذو الأفانين و ذو الفنون في الكلام والأعمال كلها تدل على معنى الحركة والإبداع والتلون يمينا وشمالا التي يَعجب منها الناظر ،...

وإذا قلنا في هذا العصر "الفن" تبادر إلى الذهن ما نعهده مما لا يحتاج إلى تعريف ، فالفن اليوم صار يطلق على المسرح _بل هو أبو الفنون كما يقولون_ فالغناء والتمثيل والرقص فن وإن شئت حتى العربَدة !! .

الفن اليوم إخوتي كما تعلمون هو ما يملئ فراغ الناس .. ويملئ أوقاتهم العامرة أيضا ، فالأول لدينا معلوم، وأما الثاني فيظهر جليا في ترك الصلوات والعبادات وما أمر به الشارع إلزاما، وهذا كثير .

ما فتئ الإعلام من قرن أو يزيد على تبجيل الفن وتعظيمه ، وجعله عنوانا لرقي المجتمعات وشعارا في تطور الحضارات عن حسن نية أو سوء طَوِيَّة .
والمجتمع المسلم شرب وكرع من هذا الإناء طوعا أو كرها فأصبح هذا ديدن كثير من الفئات المسلمة بل والتي تحسب على الصلاح !!
إن الفن اليوم شعوبا وألوانا وفنونا وأفنانا وهو أشبه بالسروال المطاطي يدخل فيه من شاء ليتقى لذع النقد ومرارة التجريح .
المجتمع الإسلامي لم يعهد هذا الأمر من قبل وإن كان الغناء والرقص واللعب معهود من صدر الخلافة العباسية إلا أنه لم يكن بهذا المقدار الهائل، وهو إن فُعل فإن صاحبَه يتقي سخط الناس ، وشاهدَه وإن حَضر فهو يستحي من الناس ، فهو سلوك لا يُحمد راكبه .

مِظلة الفن وإن تأخرت في وصولها إلينا إلا أنها كانت رداء للمجتمع الغربي من قرون عدة فالروايات والمسرحيات والغناء شغلهم الشاغل وهذا معلوم من الكتاب القدماء البارزين منهم .
إلا أنهم في أول الأمر لم يكونوا بهذه الدرجة من الرعونة والغلط بل هو أشبه بضرب من ضروب الأدب، تلاقحٌ في الأفكار وطرح لقضايا المجتمع .
وفي ءاخر الأمر تغير الحال وتبدل ، وخبُثت فيه كثير من السرائر ، ودخل فيه أطراف أرادوا للأمة البلاء والمحِن ودخولَها في رَكب المفسدين ، فأكلوا الشاة من الكتف وبهرجوا وزينوا وأعانتهم شياطينهم حتى استدرجوا الناس إليهم، فصاروا قادة في هذا الميدان وصار كثير منا غاية أمره أنه خيط يشده هذا النمرود حينا ويرسله أخرى .
فأمسكوا بمقابض الإعلام ومقابسه، وصار الناس لهم تبعا وفرعا ، فضمنوا لأنفسهم حكُم الناس وتسخيرهم ، وهزموا أكبر أعدائهم ممن يُخشى بأسهم ويُتَّقى ،فكان ءاخر أسلوب من أساليب الغزو والاستعمار .


برزت مصر كالدولة الأولى في قائمة الدول في هذا المجال فقد صب الإنكليز جام سخطهم في هذه الدولة وكادُوا لها في كل قَدْمةٍ وأَوْبةٍ؛ فمكانها البارز وشعبها المتميز والدين المغروس في حنايا المجتمع المصري حثهم على ذلك حثيثا .
بدأ الأمر بتهتك الإنكليز ومعاقرتهم للخمور وتفسخ نسائهم في جنبات المجتمع المسلم ثم صعد الأمر في استجلاب البعثات والشخصيات المؤثرة والقيادية فَفُتِنوا بالغرب أيَّما افتتانٍ وساعد في ذلك تأخرُهم في ذيل المجتمعات فأخذوا عُجَرَ الكافر وبُجَرَه كي يرتقوا إلى مِرقاته ويصعدوا إلى درجته ظانين أن هذا هو الحل .
إن هذا الحل جعلهم يتقدمون خطوة ويرجعون عشرا ، فبرز الغناء والتمثيل والرقص كتَقدُّم وبلغوا فيه مبلغه وأصبحوا أساتذة في هذا الشأن ، وتأخروا خطى كثيرة إذ أدّاهم ذلك إلى بعدهم عن الدين الحنيف ، ونحن أمة لا عز لنا إلا بهذا الدين فإذا ابتغينا الرفعة بغيره أذلنا الله .. فصرنا صاغرين أذلاء .

يا إخوة العقيدة الفن وما أدراك ما هو !! شُغل الناس الشاغل وداءُهم القاتل فيجب أن نشخص هذا الداء ونُعدَّ له الدواء ، فقد غرق الناس فيه وأصبحوا في القاع فاتقوا الله ..
إن الفن اليوم وأقصد التمثيل في الدرجة الأولى يقوم على مِعوَلين كبيرين :
الموسيقى والنساء .
فالموسيقى لا تبرح من كل دقيقة في فلم أو مسلسل بطريقة تأسِر سامعها وتَبهته .
والنساء بزينة فاتنة وجسد عارٍ وقبلات حارّة !!

لقد اشتكى أرباب الفن والغناء من الدرجة التي وصلها اليوم فما عسى أهل الشرع يقولون .
حتى الغناء عُمدته الضربُ والطبل والصوت الحسن ، صار عمدته اليوم هز الوسط وكثرة العاريات فأصبح مُرا عَلقما لا يستسيغه صاحب الذوق فضلا عن المسلم .. وكلما زاد الفنان والمغني تهتكا زادت أسهمه لدى أضرابه من المجانين وأصبح الممثل الأول والفنان الذي لا يَلحق شأوَه آخرُ .
ذات يوم زرت قريبا لي فغاب بعض أفراد عائلته بحجة أنهم يشاهدون الحلقة الأخيرة من المسلسل ، فإن قصروا في ضيفهم فكيف تقصيرهم مع الله ؟!!.

ولا بد أن ننصف قليلا فنقول لا شك أن فئة ليست بالقليلة يجهلون ما هم فيه من ضياع لهم ولأمتهم ولدينهم ، ويعتقدون أنهم أصحاب رسالة ويريدون معالجة مشاكل المجتمع بطرح هذه القضايا وتُجدي هذه في أحايين كثيرة ،فهو من باب إياك اعني واسمعي يا جارة .
ومن فوائدها ملئ الوقت فإن الناس تَضْنَى وتَئِنُّ من العمل فترجع للبيت راجية أنسا يدخل عليها فتكون هذه عليهم بردا وسلاما .
ولكن لا نكون كأبي نواس : وداوني بالتي كانت هي الداء .
فالمشاكل والخلافات وملئ الوقت وحلها مطلب عظيم ولكن لا يكون علاج عضو على حساب بتر أعضاء أُخر ؟
فالمُمثلة مثلا تخرج لتعالج المشاكل الزوجية فتلبس خليعا وتخالط الرجال ويُفتن الناس بها وتتدعي أنها تريد العلاج ، فكيف ذلك ؟
هذا إن أحسنا الظن وما هذا إلا واحد من عشرة ممن يحملون رسالة يريدون أدائها والبقية الباقية تبحث عن الشهرة والمال والجاه، وانظر إلى عنواين المسلسلات والأفلام إن شئت ، فكما يقولون الكتاب من عنوانه .
فحب وغرام ولوعة وتقبيل .. وشبابنا أعزب ، وسيارات فارهة وقصر مشيد .. وشبابنا فقير ، فأين هذا الفن الذي يعالج أرواح الناس وقلوبَها ويعيش معها ؟
وكم أدخلت المسلسلات التركية علينا من الويلات والمحن فأصبحت الدياثة "اتيكيت" والتخنث "برستيج" .
وللأسف الشديد القنوات الإسلامية اليوم -والتي تربوا على الخمسين- تغفل عن هذا الجانب .. جانب الدراما فهي إن مَشت فيها قليلا تمشي على استحياء .
خاصة الطفل المسلم يفتقر إلى أفلام الكرتون والرسوم المتحركة فلا يجد أهله ملجئا إلا القنوات التي تأكل عقل الطفل وتُذهب بدينه .


فإن بدأنا بالمسلسلات الدينية فما مضامينها وهل هي تزيد المؤمن إيمانا ؟
وليت شعري من يجسّد هذا المتدين ؟ أمس رأيناه يسقي ربه خمرا ويهتك سترا، واليوم على وجهه لحية يقول : ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، أطال الله في عمرك يا أمير المؤمنين ؟ .
فمتى عرف ربه هذا إلا عندما رأى الدينار والدرهم ؟
بل ومتى عرف المروءة إذا كان مسلما ؟ إذ نعلمه في حياته أبعد الناس عن العروبة وفجأة يظهر كخليفة للمسلمين .. أو كقائد لجحافل المؤمنين .
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كلُّ مفلس


ومثلها المسلسلات التاريخية فقد أثبتت نجاحا كبيرا لدى العُرب والغَرب .
فأين نحن منها ؟ هل نتركها لمن لا نعلم حاله يبدل ويزيف التاريخ كما شاء ويدخل في سير الأنبياء وخلافات الصحابة معتمدا على مصادر مأفونة يدلي بها للناس ؟
ويُظهر العلماء والجلّة من أمة الإسلام بالمظهر الزائف والسخيف ؟
إن خطر الفن ليس على الفرد فحسب بل على التاريخ والدين .

وإذا أردنا أن نضع فنا إسلامية فنريده خالصا مصفى ، فلا مجاملة ولا محاباة في دين الله ، ولا يُنظر علينا مُنظر ويهون من خروج النساء في القنوات فتلك الرزية والله ،، ما يمنعنا من إخراج فن خالٍ من النساء ؟

أما الآكشن والخيال العلمي والفنتازيا فذاك أمر آخر ..

وأنا أقول كثير من فئام المسلمين يبحثون عن البديل ولكن لا يجدون ؟
فهل قدمنا شيئا تجاه هذا الخطر فهل يكفينا "سندباد" ؟
وهل نستطيع نحن مقاومة هذا الإعصار ؟
وهل نملك البديل الذي لا تشوبه شائبة ؟
وكيف ذلك ؟


أرجوا من سماحتكم الإفادة