تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ما انتقده الإمام ابن الجوزي على الإمام أبي نعيم الأصبهاني مما ذكره في "حلية الأولياء"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي ما انتقده الإمام ابن الجوزي على الإمام أبي نعيم الأصبهاني مما ذكره في "حلية الأولياء"



    * قال ابن الجوزي رحمه الله في مقدِّمة كتابه صفة الصفوة: «الحمد لله، و سلام على عباده الذين اصطفى، حمداً إذا قابل النعم وفَى، وسلاماً إذا بلغ المصطَفين شفَى، وخصّ الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى، ومن احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى، وفقنا لسلوك طريقهم فإِنه إذا وفّق كفى.
    أما بعد: فإِنك الطالب الصادق، والمريد المحقق لمّا نظرتَ في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار، ورأيته دواء لأدواء النفس، إلا أنك شكوتَ من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به و بكلامٍ عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة، وسألتَني أن أختصره لك و أنتقي محاسنه، فقد أعجبني منك أنك أصبتَ في نظرك، إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر، و أنا أكشفه لك فأقول:
    اعلم أنَّ كتاب الحلية قد حوى من الأحاديث والحكايات جملة حسنة، إلَّا أنه تكدَّر بأشياء وفاتته أشياء.
    * فالأشياء التي تكدَّر بها عشرة:
    1- الأول: أن هذا الكتاب إنما وضع لذكر أخبار الأخيار، و إنما يراد من ذكرهم شرْح أحوالهم و أخلاقهم ليقتدي بها السالك، فقد ذكر فيه أسماء جماعة ثم لم ينقل عنهم شيئاً من ذلك، ذكر عنهم ما يروونه عن غيرهم أو ما يسندونه من الحديث، كما ملأ ترجمة هشام بن حسان بما يروى عن الحسن، و تلك الحكايات ينبغي أن تدخل في ترجمة الحسن لا في ترجمة هشام، و كذلك ملأ ترجمة جعفر بن سليمان بما يروى عن مالك بن دينار و نظرائه، ولم يذكر له عنه شيئاً.
    2- والثاني: أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور، و لم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا، مِثْلَ ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره، و ترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره، و ترجمة كعب الأحبار بقطعة من التوراة و ليس هذا بموضع هذه الأشياء.
    3- والثالث: أنه أعاد أخباراً كثيرة مثل ما ذكر في ترجمة الحسن البصري من كلامه، ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يَروْنَ كلامه، و ذكر في ترجمة أبي سليمان الداراني من كلامه، وأعاده في ترجمة أحمد بن أبي الحواري بروايته عن أبي سليمان.
    4- والرابع: أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وُضع له ذِكر الرجل من بيان آدابه و أخلاقه، كما ذكر شُعبة و سفيان و مالك و عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل و غيرهم، فإنه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة، و معلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وُضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث، و لكل مقام مقال، ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لَقَرُبَ الأمر، و لكنها من كل فن، و عمومها من أحاديث الأحكام والضعاف. أو لو كان اقتصر على الغريب من روايات المكثرين، أو رخم ما يرويه المقلون - كما روي عن الجنيد أنه لم يُسنِد إلا حديثاً واحداً - لكان ذِكْرُ مثلِ هذا حسناً لكنه أمعن فيما لا يتعلق ذكره بالكتاب.
    5- والخامس: أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرةً باطلة و موضوعة، فقصد بذكرها تكثير حديثه و تنفيقُ رواياته، و لم يبين أنها موضوعة و معلوم أن جمهور المائلين إلى التبرّر يخفى عليهم الصحيح من غيره، فَسَتْرُ ذلك عنهم غشٌ من الطبيب لا نصح.
    6- والسادس: السجع البارد في التراجم، الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصاً في ذكر حدود التصوف.
    7- والسابع: إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشُريحْ و سفيان و شعبة و مالك و الشافعي وأحمد و ليس عند هؤلاء القوم خَبَر من التصوف.
    فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا و هؤلاء زهاد، قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات و أخلاق يعرفها أربابه و لولا أنه أمر زِيدَ على الزهد ما نُقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمّه، فانه قد رَوى أبو نُعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: " التصوف مبني على الكسل، و لو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا و هو أحمق " .و قد ذكرتُ الكلام في التصوف و وسّعتُ القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إِبليس.
    8- والثامن: أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلاماً أطال به لا طائل فيه، تارةً لا يكون في ذلك الكلام معنى صحيح كجمهورِ ما ذَكر عن الحارث المحاسبي و أحمد بن عاصم، وتارة يكون ذلك الكلام غير اللائق بالكتاب، وهذا خلل في صناعة التصنيف، و إنما ينبغي للمصنف أن ينتقي فيتوقّى ولا يكون كحاطب ليل فالنِّطاف العِذاب تروي لا البحر.
    9- والتاسع: أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها، فربما سمعها المبتدئ القليل العِلم فظنها حسنةً فاحتذاها، مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فَطمّاها، فلم ينطق حملاً لنفسه على التوكل بزعمه، و سكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إِعانة على نفسه و ذلك لا يحل، ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال، كما لم يخرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم من التوكل بإِخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلاً واستكتامه، واستكفائه ذلك الأمر و استتار في الغار، و قوله لسُراقة: أخفِ عنا.
    فالتوكل الممدوح لا يُنال بفعل محذور، و سكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، و بيان ذلك أن الله عز وجل قد خلق للآدمي آلة يدافع بها عن نفسه الضرر و آلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعياً للتوكل كان جهلاً بالتوكل و ردّاً لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله سبحانه و ليس من ضرورته قطع الأسباب، و لو أن إنساناً جاع فلم يأكل، أو احتاج فلم يسأل، أو عري فلم يلبس، فمات دخل النار، لأنه قد دُلّ على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
    و قد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا محمد ابن... قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرّقي قال: حدثنا مُطَرِف بن مازن عن الثوري قال: " من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار " .
    قلت: و لا التفات إلى أبي حمزة في حكايته "فجاء أسد فأخرجني"، فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقاً، و قد يكون لطفاً من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا يُنكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما يُنكر فعلُه الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده و قد أُمر بحفظها.
    و كذلك روى عن الشبلي أنه كان إذا لبس ثوباً خرقه وكان يحرق... و الخبزَ والأطعمةَ التي ينتفع بها الناسُ بالنار، فلما سئل عن هذا احتج بقوله: (فطفق مسحاً بالسُوق والأعناق)، وهذا في غاية القبح؛ لأن سليمان عليه السلام نبي معصوم فلم يفعل إلا ما يجوز له، وقد قيل في التفسير أنه مسح على نواصيها و سُوقها و قال: أنت في سبيل الله، و إن قلنا أنه عَقرها فقد أطعمها الناس، و أكْل لحم الخيل جائز، فأما هذا الفعل الذي حكاه عن الشبلي فلا يجوز في شريعتنا فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال - و حكى عنه لما مات ولده حلق لحيته و قال: قد جزت أمّه شعرها على مفقود أفلا أحلق أنا لحيتي على موجود؟ إلى غير ذلك من الأشياء السخيفة الممنوعِ منها شرعاً.
    10- والعاشر: أنه خلط في ترتيب القوم فقدّم من ينبغي أن يؤخر و آخر من ينبغي أن يقدّم، فعل ذلك في الصحابة و فيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل، ولا على ترتيب المواليد، ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط، خصوصاً في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه ومن طالع كتاب هذا الرجل ممن له أُنس بالنقل انكشف له ما أشرت إليه.
    و أما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء:
    1- أحدها: أنه لم يذكر سيد الزهاد و أمام الكل و قدوة الخلق و هو نبينا. صلى الله عليه وسلم فانه المتَّبَعُ طريقه المقتدى بحاله.
    2- والثاني: أنه ترك ذكر خلق كثير قد نُقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير، ولا يجوز أن يُحمل ذلك منه على أنه قصد المشتهرين بالذكر دون غيرهم، فإِنه قد ذكر خلقاً لم يُعرفوا بالزهد ولم ينقل عنهم شيء و ربما ذكر الرجل فأسند عنه أبيات شعرٍ فحسب، ففعله يدل على أنه أراد الاستقصاء، وتقصيره في ذلك ظاهر.
    3- والثالث: أنه لم يذكر من عوابد النساء إلَّا عدداً قليلاً، و معلوم أنَّ ذكر العابدات مع قصور الأنوثية، يوثِب المقصِّر من الذكور، فقد كان سفيان الثوري ينتفع برابعة و يتأدَّب بكلامها.
    وقد حَدَاني جِدّك أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين و أحوالهم أن أجمع لك كتاباً يغنيك عنه و يحصّل لك المقصود منه، و يزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، وجماعة وُلدوا بعد وفاته، و ينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكاياتٍ قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه».
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,453

    Lightbulb رد: ما انتقده الإمام ابن الجوزي على الإمام أبي نعيم الأصبهاني مما ذكره في "حلية الأول

    [justify]بارك الله فيكم شيخنا الفاضل على هذا النقل، ولعلي أكفيكم بإذن الله تعالى تصحيح ما ورد في الاقتباس -وهو كذلك في المطبوع-:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري مشاهدة المشاركة
    9- والتاسع: ... و قد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا محمد ابن... قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرّقي قال: حدثنا مُطَرِف بن مازن عن الثوري قال: " من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار " .

    الإسناد: أخبرنا محمد بن عبد الباقي (أبو الفتح ابنُ البَطِّيِّ)، أخبرنا حَمْد بن أحمد (أبو الفضل الحدّاد)، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبدالله، حدثنا سليمان بن أحمد (الطبراني)، حدثنا محمد بن العباس بن أيوب (أبو جعفر، الأخرم الأصبهاني)، حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرَّقي (أبو محمد السّرّاج)، حدثنا مُطَرِّف بن مازن (أبو أيوب، قاضي اليمن، توفي بالرَّقة)، عن سفيان الثوري، به.
    والخبر في الحلية 7/66 قال: حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن العباس بن أيوب الأصبهاني، به.
    وأخرجه ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص309) ط. المنيرية، قال: أخبرنا محمد بن أبي القاسم (وهو أبو الفتح ابن البَطِّي المتقدّم ذكره؛ كما في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار - "المستفاد/ برقم 14" - وعنه الصفدي في الوافي 3/173/1198)، نا حَمْد بن أحمد، نا أبو نعيم الحافظ، به. وتحرّف فيه (يونس) إلى (يوسف). والله أعلم.
    [/justify]
    {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: ما انتقده الإمام ابن الجوزي على الإمام أبي نعيم الأصبهاني مما ذكره في "حلية الأول

    بارك الله فيكم يا شيخ أشرف على إصلاح الخطأ والتصحيف، وجزاكم خيرا ونفع بما تكتبون.
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  4. #4

    افتراضي رد: ما انتقده الإمام ابن الجوزي على الإمام أبي نعيم الأصبهاني مما ذكره في "حلية الأول

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري مشاهدة المشاركة

    9- .
    قلت: و لا التفات إلى أبي حمزة في حكايته "فجاء أسد فأخرجني"، فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقاً، و قد يكون لطفاً من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا يُنكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما يُنكر فعلُه الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده و قد أُمر بحفظها.
    المقام مقام كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ولئن سئلنى لاعطينه كما جاء فى الحديث الصحيح لا كما قال الشيخ ابن الجوزى امام السادة الحنابلة فى زمانه رحمه الله رحمة واسعة
    والله اعلم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: ما انتقده الإمام ابن الجوزي على الإمام أبي نعيم الأصبهاني مما ذكره في "حلية الأول

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو حيان التوحيدى مشاهدة المشاركة
    المقام مقام كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ولئن سئلنى لاعطينه كما جاء فى الحديث الصحيح لا كما قال الشيخ ابن الجوزى امام السادة الحنابلة فى زمانه رحمه الله رحمة واسعة
    والله اعلم
    مقام الولاية لا يتعارض مع لزوم الأخذ بالأسباب، وعدم إلقاء النفس وتعريضها للتهلكة، والنبي إمام أهل الولاية والتعبد والعرفان لبس الدرع وأخذ بالأسباب، ولم يعرض نفسه للهلكة بهذه الحجة.
    وكلام ابن الجوزي المختصر هنا بسطه في كتابه تلبيس إبليس كما ذكر هو رحمه الله.
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •