ذهب يونس إلى نصب (وَحْدَه) على الظرفية « كأنك قلت: (مررت برجل على حياله). فطرحت (على) فمن ثم قال هو مثل عنده....»(1)
وقد ذهي كثير من علماء النحو إلى رفض قول يونس كابن فصّال (479هـ), والباقولي (543هـ) , وابن عصفور (669هـ) إذ ذهب إلى أنّ "وحده" حال موافقين في ذلك مذهب الخليل وسيبويه .
السؤال المهم الذي يطرح نفسه ,كيف لعالم كبير مثل يونس ,ذي منهج مطرد ,واراء سديدة وقياسات صائبة أن لا يعد (وحده) حالا,- وهي عند البصريين كذلك إلا إنها مؤولة - وهو الذي يجيز أن يأتي الحال معرفة مطلقا دون تأويل ؟
الجواب عن ذلك السؤال قد يكون المقصود من عبارة سيبويه ( بمنزلة عنده) ليس على أنها ظرف بل حال, والذي يقوي ذلك أن بعض من أعرب القرآن قد أجاز أن تكون ( عند) حالا كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة: 62( إذ أعطى ابن سيده (458?) احتمالية كون عند حالا في الآية الكريمة فقال: « ظرف يعمل فيه الاستقرار الذي هو عامل في لهم، ويحتمل أن ينتصب على الحال، والعامل فيه محذوف تقديره: كائناً عند ربهم. »(2)
وأجاز العكبري(616هـ) فيها في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ ﴾(البقرة: 94 ) أن تكون عند حالا من الدار(3) ,وأجاز ذلك ابن عادل (880هـ) . (4)
وكذلك يرى العكبري في قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾( البقرة: 110 ) (5) ,وكذلك في قوله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ( الأنعام: 127) (6), وقوله تعالى: ﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾( طه: 52) (7),وقوله تعالى: ﴿ أَفَتُمَارُونَه ُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى  ﴾. (النجم: 12 - 14) (8)
اما أبو حيان (745هـ):فعد (عند) في قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ ( آل عمران: 199 ) كذلك فقال:« وعند ظرف في موضع الحال ، والعامل فيه العامل في لهم ، ومعنى عند ربهم : أي في الجنة. »(9)
أما السيوطي(911?) فقد نقل فيه أقوالا عدة وعلل لها «فمن هؤلاء من يقول :إنه مصدر على حذف حروف الزيادة أي أيحاد ,ومنهم من يقول: أنه مصدر لم يوضع له فعل .
وذهب هشام :إلى أنه منتصب انتصاب الظروف ,فجرى مجرى عنده, فجاء زيد عنده ,فجاء زيد وحده ,تقديره :جاء زيد ,على وحده ,ثم حذف الحرف ونصب على الظرف ,فقولنا: لا اله الا الله وحده ,معناه أفردناه بالوحدانية, وإذا قلت :حمدت الله وحده ,أو ذكرت ربك وحده, فمعناه وتقريره عند سيبويه :موحدا اياه بالحمد والذكر على أنه حال من الفاعل ,والحاء ( موحد) مكسورة..... والمعنى لا يختلف الا اختلافا يسيرا.» (10)
مع هذه الآراء التي أجاز فيها النحاة أن تأتي الظروف مصادر يمكن أن نلمس ليونس العذر في قوله هذا ولا نرمي رأيه تخريجه بالشذوذ أو أن نصف رأيه بالرديء .


1- الكتاب : 1/446، ينظر مدرسة البصرة النحوية :ص441.
2- إعراب القرآن :1 / 181.
3- ينظر التبيان في إعراب القرآن :1 / 94.
4- اللباب في علوم الكتاب :2 / 295.
5- المصدر نفسه: 1 / 105.
6- المصدر نفسه : 1 / 538.
7- المصدر نفسه: 2 / 892.
8- المصدر نفسه: 2 / 187.
9- البحر المحيط :3 / 119.
10- عقود الزبرجد: 2/386.