أيها الإخوة الأفاضل .
لو قلتم نحن عياضيون لأصبتم, وأما أنكم مالكيون في هذه المسألة فقد أخطأتم وإن أبيتم .
وأنا لا أدري كيف نفهم قيد (اللذة) و (الشهوة) ؟
كيف يجوز للناظر أن ينظر في وجه المرأة الأجنبية وهي سافرة, فإذا قصد اللذة, وجب عليه الغض, ووجب على المرأة ستر الوجه ؟
كيف يكون ذلك ؟!!
كيف للمرأة أن تعرف أن الناظر قصد اللذة وأن نظرته هذه بشهوة والتي قبلها خالية عن الشهوة ؟
سبحان الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لك الأولى وليس لك الأخرى " وقال لمن سأله عن نظر الفجاءة : " اصرف بصرك " ولك يقل له إن لك تكن بشهوة ولذة فلا بأس !!!
فهذه مذاهب أصحابها لا مذهب مالك رحمه الله قطعًا .
والذي يظهر أن المرقوم في كتب متأخري المذهب هو جمع متكلف بين مذهب الإمام وبين مذهب القاضي عياض رحم الله الجميع .
ولن تجد لضابط (الشهوة) و(اللذة) أثر في كلام مالك رحمه الله .
يقول ابن القيم رحمه الله : " المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على مالم يخطر لأصحابها ببال ولا جرى لهم في مقال ويتناقله بعضهم عن بعض ثم يلزمهم من طرده لوازم لا يقول بها الأئمة فمنهم من يطردها ويلتزم القول بها ويضيف ذلك إلى الأئمة وهم لا يقولون به فيروج بين الناس بجاه الأئمة ويفتى ويحكم به والإمام لم يقله قط بل يكون قد نص على خلافه " . انتهى من الطرق الحكمية .
ففتوى الإمام مالك رحمه الله صريحة في المبتوتة التي جحد زوجها تطليقها ثلاث, ولا تحتمل تأويل المتأخرين, وهم إنما تأولوها على مذهبهم, كما فعلوا في القبض في الصلاة .
يقول ابن القطان رحمه الله (النظر في أحكام النظر ص49-50) : " وأما مذهب مالك رحمه الله فيشبه أن يقال أنه هو هذا - أي منع البدو والنظر إلا لحاجة -وذلك أنه روي عن ابن القاسم أن المظاهر لا بأس أن ينظر إلى وجه امرأته قبل أن يُكفّر. قال: وقد يراه غيره, وهذا قد كان يمكن تأويله على أنه قد يراه غيره للضرورة من شهادة أو خطبة أو غير ذلك ... ثم أورد ابن القطان رخصة مالك للمرأة في الأكل مع الأجنبي مع محارمها وأنه يقتضي رؤية وجهها وكفيها ... ثم بيّن أن الباجي قال بها على ظاهرها وردّها ابن عبد البر ومنع البدو والمؤاكلة, وكذلك ابن الجهم وتأول الرخصة أنها في المتجالة فقط.... ثم قال ابن القطان : ويحتمل عندي أن يقال : أن مذهب مالك هو أن نظر الرجل إلى وجه المرأة الأجنبية , لا يجوز إلا من ضرورة ... وجواز البُدوِّ وتحريمه , مرتب عنده - أي عند مالك - على جواز النظر , أو تحريمه , فكل موضع له فيه جواز النظر , فيه إجازة البُدوِّ . انتهى
ويقول ابن القطان في تنبيه مهم (ص 176) : اعلم أن كثيرا مما تقدم فيه جواز البدو أو النظر من المرأة للرجل ومن الرجل للمرأة سببه الضرورة ... ويمكن أن يقال ذلك فيما عفي للمرأة عن إبدائه من وجهها وكفيها في حال تصرفها أو مهنتها , لا على وجه التبرج كما تقدم تقريره .انتهى
والخلاصة : أن جواز السفور (كشف المرأة وجهها دائمًا) ليس بمذهب للإمام ولا لأصحابه الأقدمين, وإنما هو مذهب القاضي عياض رحمه الله وخلطه المتأخرين بمذهب مالك , فأصبح المذهب عندهم جواز النظر والبدو مع انتفاء اللذة , ومنع النظر والبدو إذا كان بلذة !!!
وأخيرًا سؤالي للإخوة الذي يتمسكون بأن الوجه ليس بعورة في المذهب ,ولذا فالمذهب عدم وجوب ستره ويجوز كشفه !!
تعلمون حفظكم الله أن المذهب ينص على أن عورة الحرة أمام الحرة من السرة إلى الركبة, وبالتالي فإن ثدي الحرة أمام الحرة ليس بعورة, فهل تلتزمون وتقولون بعدم وجوب ستره على المرأة , وجواز كشفه دائمًا أمام النساء الحرائر , وعليهن غض أبصارهن ؟!
أنتظر الجواب ؟
والله أعلم .