د. ساجد العبدلي

يندفع أغلب الناس في هذه الحياة دون أن يكون عندهم تصور واضح عما يريدونه منها، بل أحيانا دون أن يكون عندهم أي تصور بأي شكل من الأشكال، فتجدهم يدورون في عجلة الحياة، وفقا لدورتها ولظروفها دون أي تدخل يذكر من قبلهم، فإن هبت الريح شمالا، راحوا شمالا، وإن هبت جنوبا، طوحت بهم جنوبا. ولو قمت الآن وسألت أي شخص ممن هم حولك عما يريده من هذه الحياة لقال لك، في الغالب، أريد أن أكون ناجحا، هذا إن لم يكن من أولئك الذين يجيبون عادة بتلك الإجابة المبهمة، أريد الستر، لكنك إن سألته بعدها مباشرة وما تعريف النجاح عندك؟ لوجدته غير قادر على الإشارة بإصبعه إلى المقصود من ذلك!

النجاح كلمة مغرية ولا شك، تداعب نفس كل إنسان، فمن منا لا يريد النجاح، ولكنها أيضاً كلمة مبهمة ملتبسة نسبية حمالة للأوجه. نجاح شخص في عمله، قد يكون فشلا في مقاييس شخص آخر، ووصول شخص إلى مراده المالي في فترة من الزمن قد يكون نجاحا عنده، لكنه فشل ذريع عند آخر، والعكس صحيح. وكذلك قد يُحكم من الخارج، وبظاهر الأمور، على شخص ما بأنه ناجح، في حين أنه عند نفسه عكس ذلك، وذلك أن النجاح في حياة الإنسان لا يكون على مستوى واحد، فقد يكون المرء ناجحا في عمله، لكنه ليس كذلك في حياته الأسرية، أو العكس، وقد يكون غير ناجح في هذين المستويين ولكنه ناجح في نشاطاته المجتمعية، وهكذا.

إذن فالنجاح، كما نرى، أمر نسبي، تتشابك فيه الكثير من العوامل والمؤثرات!
لهذا فليس بكاف على الإطلاق أن يقول المرء إنه يريد أن يكون ناجحا ويسكت، بل لابد أن يكون واضحا في إجابته تعريف النجاح الذي يقصد، هل هو نجاحه على صعيد العمل والوظيفة؟ أم على صعيد الحياة الأسرية؟ أم على صعيد النشاطات المجتمعية؟ أم على صعيد اللياقة الجسدية والصحية؟ أم على صعيد الحياة الروحانية؟ أم على كل هذه الصعد سويا؟ كما يجب أن يكون محددا أيضاً، وفي كل حالة، وعلى كل مستوى، شكل ومقدار هذا النجاح، وأن يكون مرتبطا بقيد زمني، فالحصول على الشهادة الجامعية في أربعة أعوام ليس كمثل الحصول عليها في ست أو سبع، وتوفير 100 ألف دينار في غضون عامين ليس كمثل توفيرها في عشرة، وهكذا.

مرادي من كل ما سبق مباشر وبسيط، وأستطيع تلخيصه بالرسائل التالية: لا نجاح ما لم يكن مربوطا بشكل ومقدار وزمن، ولا نجاح ما لم يكن منعكسا على كل جوانب حياة الإنسان، فما قيمة نجاحي في عملي وحياتي الأسرية مفككة؟ وما قيمة النجاح المالي وأنا خاو على الصعيد الروحاني؟! ولا نجاح ما لم يصل بالمرء في نهاية المطاف إلى راحة البال والرضا والسعادة. وبهذا فيمكن أن ينظر كل واحد منا في صحيفة حياته، وأعدادها السابقة، ويحكم بنفسه على نفسه، ويحدد موقعه على سلم النجاح.