بسم الله الرحمن الرحيــــــــــ ــم


فوائدٌ من قصة مؤمن آل فرعون
لفضيلة الشيخ / عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر



الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحَابه أجمعين..

أمَّا بعدُ.. قول الله تعالى: ((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ)) [غافر: ٥١] في تمام قصَّة مؤمن آل فرعون، ودعوتِه لقومه، وإقامته الحُجّة عليهم بالدلائل البيِّنات والشَّواهد الواضحات، وأيضًا بذاك الأُسلوب الحكيم القائم على الوعظ وحُسن البيان، وتمام الوصف، وقوة التَّأثير في مجابهةٍ منه لعُتاة طُغاة، مع صبرٍ على الدَّعوة إلى الله تعالى وحرصٍٍ على إقامة الحجَّة..

كلُّ ذلكم يُعطي طالب العلم الذي أكرمه الله تعالى بالتَّفقُّه في دين الله ومعرفة شرع الله تعالى أن يحمل همَّ الدَّعوة إلى الله تعالى كما حملَها هٰذا المؤمن من آل فرعون، والذي ساق اللهُ تبارك وتعالى قصَّته وذكر خبره ليكون منهجًا للمسلم في الدَّعوة إلى الله، فليست هي مجرَّد قصةٍ تُروى أو حكاية تذكر، وإنَّما هي في الحقيقة مدرسة يُستفاد منها ومنهجيَّة يترسَّمها طالب العلم والدَّاعي إلى الله تعالى، كما هو الشَّأن في قَصص النَّبيِّين وأخبار المرسلين وأنباء أولياء الله المقرَّبين والدُّعاة إليه الصَّادقين، وكلُّ ذلكم القَصص يقرؤه طالب العلم ليستفيد وليتعلم، يتعلم ماذا يدعو إليه، وطريقة الدَّعوة، والحكمة في الدَّعوة، والأساليب في الدعوة إلى الله تعالى.

وخُتم هٰذا السِّياق المبارك بهذا الوعظ الكريم الذي يبعث في قلب الدَّاعي إلى الله تعالى همَّة عالية ونشاطًا كبيرًا وهو قول الله تبارك وتعالى: ((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا)) فدين الله منصور، والدُّعاة إليه منصورون بعزِّ عزيز وذُلِّ ذليل، فالله وعد ووعده الحق ولا يخلف جل وعلا وعده بنصرة دينه ونصرة أوليائه، وقد قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورين، لا يضرُّهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل».
فهٰذا الدِّين دين منصور، وناصره ربُّ العالمين، قد يُبتلى الدَّاعي إلى الله تعالى بشيءٍ من الأذى، والاستهزاء، ومن السُّخرية، وهٰذا كلُّه لا يضره، بل يرفع درجته عند الله، بصبره واحتسابه ودأبه ونصحه في دعوة عباد الله -تبارك وتعالى- إلى الله جلَّ وعلا.

إنَّ هٰذه القصَّة العظيمة -قصَّة مؤمن آل فرعون- مليئة بالعبر والفوائد، وأيضًا فيها -كما قدَّمتُ- الحكمة في الدَّعوة إلى الله تعالى وكيف أنَّ الدَّاعي إلى الله ينبغي أن يكون على علمٍ بحال المدعوِّين ثُم يعرض ما عنده ويدعوهم إلى المقارنة والموازنة وبين ما يدعوهم إليه وبين ما يُقِيمُون عليه حتَّى يتفكَّرُوا في الأمر، مفوِّضًا أمرَهُ إلى الله تعالى طالبًا توفيقه ومدَّه وعونه منه جلَّ وعلا، والموفِّقُ الله وحده لا شريك له والعون بيده.

نسأله جلَّ وعلا أن يعيننا أجمعين، وأنْ يهدينا إليه صراطًا مستقيمًا، وأن يصلح لنا شأننا كلَّه إنَّه تبارك وتعالى سميعُ الدُّعاء وهو أهل الرَّجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّد وآلِه وصحبه أجمعين.