حدثني أحد أصحابنا أنه كان يتردد على مسجد الشيخ عبدالرحمن البراك ، ما بين فترة وفترة فيصلي معه الظهر وينصرف ، وكان صاحبنا أحيانا يسلم عليه بعد الصلاة ويمضي إلى عمله القريب من مسجد الشيخ وكان الشيخ لا يعرف صاحبنا معرفة تامة إلا أنه يعرفه باسمه الأول فقط ، فكما هو معلوم أن الشيخ كفيف لا يبصر عوضه الله بهما الجنة بإذن الله ، فمرة من المرات بعد الظهر كان يُقرأ على الشيخ درس أظنه قال في العقيدة ، قال صاحبنا وكنت جالساً وراءه خلف المتكأ الذي يتكيء عليه الشيخ في الصف الأول استمع ما تيسر ، فجاء سائل وهو شيخ كبير عند الشيخ أثناء الدرس يريد صدقة ، فقال الشيخ ليس معي شيء ، ثم قال لطلابه هل مع أحد منكم شيء ، وكانوا أربعة فقال صاحبنا من الخلف نعم يا شيخ فأخرج ورقة فئة خمسين ريال وأعطاها الشيخ ، فأعطى الشيخ السائل هذه الخمسين ريال ، ثم إن صاحبنا انقطع فترة قرابة ثلاثة أشهر أو أكثر أو أقل شك صاحبنا ، ثم صلى معه الظهر بعد هذه الفترة ، وبعد انتهاء الصلاة ذهب صاحبنا للشيخ عبدالرحمن في المحراب ليسأله عن مسألة ، فما إن سمع الشيخ نبرة صوته قال : فلان ! قال : نعم يا شيخ ، فأدخل يده في جيبه وأخرج ورقة فئة خمسين ريال جديدة مثنية عدة ثنيات كأنما كانت داخل كتاب ، فقال خذ ، فتحرجت أن يُظن أني سائل أو محتاج أمام من ورائي من المصلين ، فقلت ما هذا يا شيخ ، فقال هذه التي قد أخذتها منك للسائل ، فقلت يا شيخ عفى الله عنك والله لقد كانت نيتي أن تكون صدقة عني وعنك فألح علي بأخذها ، فأخذتها والله تطييبا لخاطره ، يقول صاحبنا ووالله إني قد نسيتها ، وكانت نيتي حينها أن تكون عني وعن الشيخ صدقة لله ، فتعجبت من تذكره هذا الأمر ، وعدم نسيانه ، وحرصه لحمل الخمسين ريال طيلة هذه الفترة ، وربما كل صلاة حتى يأتي صاحبها ، فيعطيه مع أن من عادة الشيخ أنه لا يحمل في جيبه شيئاً من أوراق أو نقود فيما أعلم ، وإنما ذلك إلى أبناءه في تولي أوراقه وأغراضه الخاصة ، فانظروا إلى أمانة هذا الشيخ رغم زهادة هذا المبلغ ، وهكذا يكون الحرص على آداء الأمانة والحقوق للناس ، وهكذا يكون العلماء في مثل هذه المواقف ، فأسأل الله أن يبارك في عمره وعمله ، وأن يلهمنا وشيخنا التوفيق في الأعمال والنيات إنه على ذلك قدير .