من المعروف لدى أكثر دارسي النحو أن من عرف برفض القراءات هم نحاة البصرة , ظلت هذه الفكرة طويلا حتى صارت سمة لهم , وأما الكوفيون فقد عرفوا بتقبلها والإستشهاد بها
فقال العكبري (616?) في ذلك :« وأحتَّج الآخرون بقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ (النساء :1)على قراءة الجرّ وبأبيات أنشدوها أمَّا الآية فقراءة الجرّ فيها ضعيفة والقارئ بها كوفيَّ تنبيهاً على أصولهم. »(1 )
إلّا أن الثابت عند علماء الكوفة فالكسائي (189هـ) إمام هذه المدرسة أول من رفضها منهم كما نقل عنه ثعلب ( أنه لا ينسق على المضمر ، ولا يؤكده ، ولكنه يجعل منه قطعاً ) . (2 )
وإلى ذلك ذهب الفراء (207هـ) إذ وصفها بالقبح فقال :« ولا يجوز عطف الظاهر على المضمر وفيه قبح ،لأن العرب لا ترى مخفوضا على مخفوض وتركن عنده، وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه.» (3)
وقال في موضع آخر: « حدّثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم أنه خفض الأرحام، قال: هو كقولهم : بالله والرحم؛ وفيه قبح ؛ لأن العرب لا تردّ مخفوضا على مخفوض وقد كُنِى عنه.»(4)
وهـذا محمد بن جرير الطبري(310?) وهـو من حذّاق الكوفيين وافق سيبويه ولم يجزها إلا في الشعر : « وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب ؛ لأنها لا تنسق بظاهر على مكنّي في الخفض , إلاّ في الشعر ، وذلك لضيق الشعر ، وأما الكلام فلا شيء يضطرُّ المتكلم إلى اختيار المكروه من المنطق والرديء في الإعراب .» (5 )
ويستثنى من ذلك ثعلب (291?) فهو الوحيد من رؤوس الكوفة الذي لم يرفض هذه القراءة .
من ذلك يتبين أن الكوفيين أيضا لهم مواقف غير مقبولة من القراءات ,ومن عاب على البصريين ذلك عليه أن يطلع على أقوال الكوفيين والمأخوذة من أمهات كتبهم , وليس من افتراءات البصريين عليهم ,لكن من الغريب أن ينقل أئمة البصريين ذلك عن الكوفيين كما فعل ابو البركات الأنباري , والأرجح أن نقول أن رفض القراءة رأي كوفي لا بصري إذ إن كثيرا من البصريين دافعوا عنها وبضراوة .والذي يتبين من ذلك أن القراءة مرتبطة بالتوقيت الذي هو قبل تسبيع السبعة على يد ابن مجاهد (324هـ) فكل النحاة الأُوَل الذين رفضوها بصريون وكوفيون كانوا قبل وفاة ابن مجاهد الا إذا استثنينا مع يونس الأخفش و قطرب .
1- اللباب في علل البناء والإعراب : 1 / 433.
2- مجالس ثعلب : 4 / 151 .
3- معاني القران: 1/252، موافقات الفراء للبصريين: ص26.
4- معاني القرآن للفراء: 1 / 231
5- جامع البيان : 4 / 151 .