قصة أصحاب الفيل " عبر وعظات "
الحمد لله رب العالمين كتب النصر والعاقبة للمؤمني والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
إن قصة أصحاب الفيل وردت في سورة من القران قليل عدد آياتها وكبير حدثها وعظيم مدلولها وقد ذكرها النبي كما روى ذلك البخاري ومسلم ووردت تفاصيلها في كتب السيرة والتاريخ وتحدث عنها علماء التفسير في كتبهم .
فسورة الفيل هي التي تحدثت عن أصحاب الفيل وفي البخاري أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ فَقَالُوا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) .
ولما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة خطب في الناس كما في الصحيحين أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ فقال أن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين) البخاري ومسلم .
لقد كانت حادثة الفيل مقدمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرهاصا ومقدمة لبعثته وما سيكون له من شأن في البلد الحرام.
وقال ابن القيم في زاد الميعاد(ج1ص70) ( وكان أَمْرُ الْفِيلِ تَقْدِمَةً قَدّمَهَا اللّهُ لِنَبِيّهِ وَبَيْتِهِ وَإِلّا فَأَصْحَابُ الْفِيلِ كَانُوا نَصَارَى أَهْلَ كِتَابٍ وَكَانَ دِينُهُمْ خَيْرًا مِنْ دِينِ أَهْلِ مَكّةَ إذْ ذَاكَ لِأَنّهُمْ كَانُوا عُبّادَ أَوْثَانٍ فَنَصَرَهُمْ اللّهُ عَلَى أهل الكتاب نصراً لا صنع للبشر فيه إرهاصاً وَتَقْدِمَةً لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي خَرَجَ مِنْ مَكّةَ وَتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ الْحَرَام) .ِ
وقال صاحب سبل الهدى والرشاد (وكان إهلاكهم تشريفا له صلى الله عليه وسلم ولبلده، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه أهل مكة، لأن أهل مكة كانوا عباد أوثان، فنصرهم الله تعالى نصرا لا صنع للبشر فيه، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي نشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم)[ج1ص214]
وخلاصة قصة أصحاب الفيل كما ذكرها ابن هشام في السيرة وغيره هي كما يلي مختصرة من سيرة ابن هشام :
قام أبرهة الحبشي ببناء كنيسة عظيمة أسماها القليس وأراد أن يصرف إليها حج العرب وكتب بذلك إلى النجاشي فلما علم العرب بكتابه إلى النجاشي أعظموا ذلك وغضبوا منه وذهب أحد بني فقيم من بني كنانة وتوجه نحو القليس فقعد فيها وأحدث يعني تغوط فيها ثم خرج ولحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة وأن الذي فعل ذلك رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج إليه العرب بمكة لما سمع قولك " أصرف إليها حج العرب فغضب وجاء فقعد فيها" أي أنها ليست بأهل لذلك فغضب أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ثم أمر الحبشة فتجهزت وتهيأت ثم سار وخرج معه بالفيل فسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوه ورأوا جهاده وصده عن قراره واجبا عليهم حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة.
فخرج إليه ذو نفر أحد ملوك اليمن ودعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة فقاتله ولكن هزم وأخذ أسيرا ولم يقتله ثم مضى أبرهة على وجهه متوجها نحو مكة حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي ومن معه من قبائل العرب وقاتلوه فهزموا وأخذ نفيل أسيرا ولما أراد قتله قال لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب فخرج به معه يدله حتى إذا وصل إلى الطائف خرج إليه سعود بن معثب الثقفي ومن معه من ثقيف فقالوا له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد " يعنون اللات" إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم وبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة فلما وصلوا المغمس ونزلوا به مات أبو رغال فأرسل أبرهة رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهت إلى مكة فساق إلى أبرهة أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم وكان منها مائتي بعير لعبد المطلب بن هشام وهو يومئذ عظيم قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهذيل بقتاله ولكنهم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا قتاله وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد ثم قل له إن الملك يقول إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هشام فجاءه فقال له ما أمرهبه أبرهة فقال عبد الطلب والله ما نريد حربه ومالنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع له فقال له حناطة فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقه حتى دخل عليه في محبسه فقال له يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا فقال له ذو نفر وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيسا سائس الفيل صديقا لي وسأرسل إليه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك فقال عبد المطلب حسبي فبعث ذو نفر إلى أنيس وقال له إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب عير مكة يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال وقد أصاب له مائتي بعير فأستأذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت فقال أفعل ففعل واستأذن له على أبرهة فأذن له فلما رآه أبرهة أجله وعظمه وكرمه وأجلسه معه على البساط وأجلسه إلى جنبه ثم سأله عن حاجته فقال حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي فقال له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي بعير وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه فقال له عبدالمطلب أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه فقال أبرهة ما كان ليمتنع مني فقال عبد المطلب أنت وذاك فردّ أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصابها له. فلما انصرفوا عنه انصرف عبدالمطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال خوفا عليهم من الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب :
لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالــهم غدوا محالك
إن كنت تاركـهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
ثم قال عبدالمطلب : لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله .
ثم انطلق عبد المطلب ومن معه من قريش إلى شعف الجبال ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة فلما انتهى إلى الحرم في بطن وادي محسر وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسمه محمود فلما وجهه إلى مكة أقبل نفيل الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل فأخذ بإذنه فقال له أبرك محمود أو ارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل حتى علا الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك فجعل الله كيدهم في تضليل وأقبلت مثل السحابة من نحو البحر طير صغار بيض أبابيل لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب في أفواهها حجارة أمثال الحمص سوداء بها نضح حمرة مع كل طير ثلاثة أحجار حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب أحدا منهم إلا هلك وليس كلهم أصابت فخرجوا هاربين فلما رأى نفيل ما أنزل الله بهم من نقمته قال
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
وأخذ جنود أبرهة يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ تَعَالَى مُحَمّدًا - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ مِمّا يَعُدّ اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ مَا رَدّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدّتِهِمْ فَقَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } . وَقَالَ { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }(سيرة ابن هشام ج1ص56) .
وفي ذلك العام العظيم الذي رد الله فيه كيد أصحاب الفيل ولد محمد صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول .
ولنا مع حادثة الفيل بعض الوقفات نستلهم منها الدروس والعبر والعظات :
1 – أن قصه أصحاب الفيل كانت معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم وكانت إرهاصا ومقدمة له وتوكيدا لأمره وتمهيدا لشأنه يقول الماوردي في كتابه أعلام النبلاء صـــ185 ( لما دنا مولده الله صلى الله عليه وسلم تقاطرت آيات نبوته وظهرت آيات بركته فكان أعظمها شأنا وأشهرها عيانا وبيانا أصحاب الفيل.... إلى أن قال وآية الرسول في قصه الفيل أنه كان في زمانها حملا في بطن أمه بمكة ولأنه ولد بعد خمسين يوما من الفيل... فكانت آتيه في ذلك من وجهين :
أحدهما: أنهم لو ظفروا لسبوا واسترقوا فأهلكهم الله تعالى لصيانة رسوله أن يجري عليه السبي حملاً وليدا.
والثاني: أنه لم يكن لقريش من التأله ما يستحقون به دفع أصحاب الفيل عنهم ’ وما هم أهل كتاب لأنهم كانوا بين عابد صنم أو متدين وثن أو قائل بالزندقة أو مانع من الرجعة لكن ما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيساً للنبوة وتعظيماً للكعبة وأن يجعلها قبلة للصلاة ومنسكا للحج ).
قال شيخ الإسلام في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص22 ( وكان جيران البيت مشركين يعبدون الأوثان ودين النصارى خير منهم فعلم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ بل كانت لأجل البيت أو لأجل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ولد في ذلك العام عند البيت أو لمجموعها وأي ذلك كان فهو من دلائل نبوته ).
قال ابن كثير في تفسيره " هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وَرَدهم بشر خيبة. وكانوا قوما نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان. ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي ".
2 – بيان شرف الكعبة التي كانت تعظم حتى من قبل المشركين ولذلك حسدهم أبرهة عليها وأراد هدمها وكان يريد صرف الشرف الحاصل للعرب بسبب الكعبة منهم ومن بلدهم إلى بلدته.
3 – أن القوة لله جميعا وأن قوى البشر مهما عظمت وبلغت تتضاءل أمام قوة الله وأن البشر مهما تجبروا ومهما أوتوا من قوة مهم ضعاف أمام سلطان وقوته فأبرهة أرعد وأزبد ليهدمنّ الكعبة ولم تقف أمام مقصده القبائل العربية حتى من قاتله انتصر عليهم بل حتى قريش تخلت فانتهت الحماية البشرية ولم تبق إلا حماية الله وعندها جاءت جنود الله من السماء تحمل العذاب الأليم لأولئك المستكبرين وكانت النهاية بهلاكهم وإبادة خضرائهم قال تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }الفيل(1-5)
4 – قصة أصحاب الفيل قصة واحدة من قصص الظالمين المهلكين فالظلم عاقبته وخيمة قال تعالى{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} { فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
5- أن العرب لا شيء بغير الإسلام فقبل الإسلام لم يكن لهم شأن يذكر ولا كيان يرهب بل لم يستطيعوا حماية البيت ولم يشأ الله أن يحمي بيته المشركون بل حماه بنفسه مما جعل العرب قاطبة تعظم هذا البيت المحمي من قبل الله ولما جاء الإسلام صار للعرب دور عالمي يؤيدونه ورسالة خالدة يبلغونها وينشرونها وأصبحت لهم دولة قوية يحسب لها ألف حساب وخرجوا بعد ذلك غزاة فاتحين مجاهدين في سبيل الله ينشرون نوره في الأرض وأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فكان لهم وجود وقوة وقيمة وقيادة ترهب وسلطان يمتد حتى دخل الناس في دين الله أفواجا.
ونحن نقول اليوم إنّ العرب بغير الإسلام لاشيء أبدا وإنّ العقيدة الصحيحة التي جعلت للعرب بالأمس شانا هي التي يمكن أن تعيد لهم سلطانهم ودورهم في الأرض اليوم فحين يصدق المسلمون في عقيدتهم وتوجههم لخالقهم فسيرد الله تعالى حينها كيد الكائدين في نحورهم ويدفع عنهم جميع قوى الأرض مهما كان حجمها وقوتها فالذي دفع كيد أصحاب الفيل وردهم خائبين خاسئين قادر علي دفع غيرهم من أمم الكفر الظالمة ’ وأصحاب الفيل لم يكونوا هم القوة الأولى ولا الأخيرة في هذا العالم ممن دمرهم الله وأهلكهم بظلمهم قال تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} فالله يمهل ولا يهمل وأخذه اليم شديد { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وهو الذي يهب القوة وهو القادر علي نزعها متى أراد جل شأنه.
فحادثة الفيل تؤكد لنا نحن المسلمين أنه يجب علينا ألا نستسلم للباطل مهما انتفش أصحابه وأن لا نيأس من نصر الله حين نرى المسلمين يستضعفون هنا وهناك وتؤكد لنا الحادثة عدم الإحباط ونحن نرى القوى الكبرى تبطش وتقهر وتظلم وتفجر وتحل وتربط في قضايا العالم فربنا للظالمين بالمرصاد وكلما زاد الظلم تسارع السقوط فأين عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ وأين ثمود الذين جابوا الصخر بالواد؟ وأين فرعون ذي الأوتاد؟ فقد صب عليهم ربك سوط عذاب؟ أين جحافل التتار الذين عاثوا في الأرض الفساد؟ وأين أصحاب الحملات الصليبية على مدى قرنين من الزمان؟ وأين أصحاب الحربين العالمية الأولى والثانية وما خلفتاه من دمار؟ فلا تيأسوا أيها المسلمون وثقوا بربكم واصدقوا في تمسككم بدينكم وابذلوا غاية جهدكم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .