تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الصوفية نشأتهم ومصادر تلقيهم وأنكار أئمة الإسلام عليهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    129

    افتراضي الصوفية نشأتهم ومصادر تلقيهم وأنكار أئمة الإسلام عليهم

    المجتمع الإسلاميُ وظهُور طبقة العُبَّاد

    "نشأ المجتمع الإسلامي الأول نشأة طبيعية متكاملة غير متكلفة, جمعت بين بقايا من الفطرة السليمة والوحي المنزل من عند الله سبحانه وتعالى, كان العرب يومها وخاصة أهل المدن كقريش و الأوس والخزرج أقرب إلى الفطرة من الأمم الأخرى, فلا ريب أن الله اختار لنبيه أفضل الأجيال, رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنفه ورعايته فكانوا: " كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ... " . وعندما يبدر من أحدهم أي اجتهاد يخالف الحنيفية السمحة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحح لهم الطريق ويعود بهم إلى الجادة المستقيمة, وعندما همّ ثلاثة من الصحابة بترك الدنيا من نساء وأموال بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردهم إلى الطريق الوسط قائلاً لهم: " أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني " .

    فالتوسط هو الأصل " وإذا نظرت في عمومات الشريعة, فتأملها تجدها حاملة على الوسط, فطرف التشديد يؤتي به في المقابلة من غلب عليه الانحلال, وطرف التخفيف في مقابلة من غلب عليه الحرج الشديد فإذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التوسط لائحاً وهو الأصل الذي يرجع إليه " .

    كان الصحابة رضوان الله عليهم فيهم الفقير والغني, وفيهم التاجر والمزارع والعامل وكان بعضهم يتناوب الحضور للتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ويبلغه للآخرين, وأما أهل الصفة فإنهم لم ينقطعوا للعبادة أو العلم باختيارهم وإنما كان أحدهم إذا وجد عملاً ترك حاله الأولى, هكذا كانت حياة الصحابة حياة طبيعية تجمع بين العلم والعمل والجهاد في سبيل الله, وبينما هو متعلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو بين أهله وولده وضيعة يمارس حياته اليومية المعتادة. والتزام أحدهم بعبادة معينة أكثر من الآخرين كفعل عبد الله بن عمرو بن العاص لا يغير من الصورة شيئاً, فهو شخصية متكاملة ولا تزال الفوارق الفردية تمايز بين الناس في جانب دون آخر. فهم كما وصفهم الإمام الجويني: " ولم يرهق وجوههم الكريمة وهج البدع والأهواء ولم يقتحموا جراثيم اختلاف الآراء كالبيضة التي لا تتشظى" .

    وكان التابعون وكثير من تابعي التابعين على مثل ذلك, يجمعون بين العلم والعمل, بين العبادة والبعد عن الناس مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة, ولأسباب معينة قد يغلب على أحدهم الخوف الشديد والبكاء المستمر, فهؤلاء وإن كانت أحوالهم عالية جداً, ولكن أحوال الصحابة ومن اقتفى أثرهم من التابعين أفضل, ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه: " أنتم أكثر صوماً وصلاة من أصحاب محمد وهم كانوا خيراً منكم قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة" .

    ويبدو أن من أسباب ظهور طبقة العباد والزهاد في القرن الثاني الهجري هو إقبال الناس على الدنيا يجمعون منها ويتفاخرون , فكانت ردة الفعل عند البعض هي الابتعاد الكلي عنها, ولا بد أن هناك أسباباً أخرى قد تكون شخصية, وقد تكون من أثر إقليم معين أو مدينة معينة, فإن من الخطأ تفسير ظاهرة ما بسبب واحد.

    ثم حدثت مرحلة انتقالية بين هذا الزهد المشروع وبين التصوف حين أصبح له تآليف خاصة, ويمثل هذه النقلة مالك دينار فنراه يدعو إلى أمور ليست عند الزهاد السابقين, منها التجرد أي ترك الزواج, وهو نفسه امتنع عن الزواج وكان يقول: " لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة ويأوي إلى مزابل الكلاب" . ويقول: " إنه لتأتي عَلَيّ السنة لا آكل فيها لحماً إلا في يوم الأضحى, فإني آكل من أضحيتي" . وكثيراً ما يقول: قرأت في بعض الكتب, قرأت في التوراة,ويروى عن عيسى عليه السلام: " بحق أقول لكم, إن أكل الشعير والنوم على المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس " أو قوله: " أوحى الله إلى نبي من الأنبياء " أو " قرأت في الزبور ... " .

    فمن الواضح ومن خلال قراءة ترجمته في كتب الطبقات أنه متأثر بما ترويه الكتب القديمة عن الزهاد والرهبان .. ومن الواضح أن هذه الكتب قد حرفت ولسنا مأمورين بقراءتها بل منهيون عن الأخذ منهم وتقليدهم.

    وربما يكون عبد الواحد بن زيد ورابعة العدوية من أقطاب هذه المرحلة الانتقالية, واستحدثت كلمة العشق للتعبير عن المحبة بين العبد والرب ويرددون أحاديث باطلة في ذلك مثل: " إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت نعيمه ولذته في ذكري عشقني وعشقته " وبدأ الكلام حول العبادة لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار, وإنما قصد الحب الإلهي, وهذا مخالف للآية الكريمة: " يدعوننا رغبا ورهباً " . ومثل قول رابعة لرجل رأته يضم صبياً من أهله ويقبله : " ما كنت أحسب أن في قلبك موضعاً فارغً لمحبة غيره تبارك اسمه " . وهذا تعمق وتكلف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل أولاد ابنته ويحبهم .

    يقول ابن تيمية : ملاحظاً : هذا التطور : " في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء : الرأي , والكلام, والتصوف, فكان جمهور الرأي في الكوفة, وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة, فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي وبنى دويرة للصوفية وهي أول ما بني في الإسلام ( أي دار خاصة للالتقاء على ذكر أو سماع ) وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به, مع تمسكهم بغالب التعبد المشروع, وصار لهم حال من السماع والصوت, وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل, وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين ". الفتاوى : 10/359

    كما لخص هذا التطور الإمام ابن الجوزي فقال : " في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلمة مؤمن ومسلم, ثم نشأت كلمة زاهد وعابد, ثم نشأ أقوام وتعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها, هكذا كان أوائل القوم ولبَّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن ". تلبيس إبليس /161

    هؤلاء الذين اتخذوا طريقة تفردوا بها ويسميهم ابن الجوزي ( أوائل القوم ) الذين جمعوا بين الزهد وبين التعمق والتشدد والتفتيش على الوساوس والخطرات مما لم يكن على عهد السلف الأول". من كتاب الصوفية نشأتها وتطورها تأليف : محمد العبده وطارق عبد الحليم.
    "فالتصوف كفكرة لم تظهر في صورة مذهب، له حملته، وله أصوله وأفكاره، إلا في نهاية القرن الثاني، وبداية الثالث؛ أي بعد انتهاء القرون الثلاثة المفضلة، فليس من أئمته إذن من هو من التابعين، دع من فوقهم، وفي هذا دلالة على أنه مذهب بدعي حادث، وهذا ما قرره الأئمة الذين أنكروا على ما جاء به المتصوفة
    وبدراسة تراجم أئمة التصوف، منذ بدايته حتى القرون اللاحقة: نجد فيها حقائق خطيرة. فإن كثيرا منهم تعرض للإنكار من العلماء والأئمة، فمنهم من سجن، ومنهم من هرب، واختفى، وتخفى بمذهب آخر.. (انظر: اللمع للطوسي). فهذه الأحوال التي تعرضوا لها حَرِّية بدراسة أسبابها، فإن الخط العام الذي كان عليه الناس اتباع السنة، فمن خالفها تعرض للإنكار، فهؤلاء إذن خالفوا الأمة؛ أي أنهم أتوا ببدعة استوجبت هذا النكير، ليس من إمام واحد، بل من كثير من الأئمة السنة، ولا في بلد واحد، بل في كثير من البلاد، وكان هذا منذ ابتداء أمرهم في نهاية الثاني وبداية الثالث الهجري، أي لما كانت السنة مهيمنة.

    ومما يزيد النتيجة الأمر تأكيدا: التقرير الذي ذهب إليه عامة الباحثين في التصوف، من المتصوفة وغيرهم:

    فإنهم يذكرون أن التصوف مذهب قديم قبل الإسلام، في الثقافات: الفارسية، والهندية، واليونانية.

    ويذكرون كذلك أن المتصوفة المسلمين أخذوا أفكار وتعاليم المتصوفة القدماء وتأثروا بهم.

    وإذا أردنا التحقق مما ورد في هذا التقرير، فما علينا إلا المقارنة بين أصول وأفكار التصوف في القديم، والأصول والأفكار المقررة للتصوف في الإسلام، كالفناء، والمحبة، والمعرفة، والتشبه بالإله، والحلول، والاتحاد، والوحدة، كما قررت في كتب أئمة التصوف، لنقف على التوافق التام بين الطرفين..!!.

    وقد عني بمثل هذه المقارنة كثير من الباحثين، مثل: البيروني في كتابه عن الهند، وعمر فروخ في كتابه: "التصوف في الإسلام"، وإحسان إلهي ظهر في كتابه: "التصوف: المنشأ والمصادر".

    فكل هذه الأدلة تبين أن نسبة الصوفية إلى الفلسفة أقرب منها إلى السنة، بل لا وجه لنسبتها إلى السنة:

    لا في لفظها فلا علاقة لها بالصوف، الذي هو شعار الزهد.

    ولا في معناها، فلا علاقة لها بالزهد.

    ولا في نشأتها، فإنها نشأت بانحرافها.

    ولا من جهة أئمتها، الذين تعرضوا للإنكار، بسبب ما أتوا به، مما هو مخالف لما هو سائد في مجتمع تهيمن عليه السنة والشريعة؛ فالإنكار إذن لما تضمنته دعوتهم ومذهبهم من مخالفات واضحة للسنة.

    ولا من جهة المقارنة بين أفكار الصوفية في الإسلام، والصوفية ما قبل الإسلام، حيث ظهر التشابه.
    وأما من يرى أصل التصوف سنيا محمودا، فالبرهان الذي يقدمه:

    أن أئمة التصوف الأوائل ذكروا أن طريقتهم مقيدة بالكتاب والسنة، وعليه: فأسّ التصوف محمود في أصله؛ إذ هو المتقيد بالشريعة، والمذموم هو ما أحدثه من بعدهم ؟.

    وهذا التقرير مبني على: أن هناك طريقة صوفية، أسسها الأوائل، متقيدة بالشريعة، واضحة المعالم، مفصلة المسائل، تضاهي الطرق الصوفية الفلسفية والبدعية المنتشرة، في تفصيلها، وترتبيها ( يلاحظ: أن هذا التقسيم بحسب الحال، وأما إنكار التقسيم فبحسب الأصل )

    والشأن في وجود هذه الطريقة المتقيدة بالشريعة، فلو وجدت، وكانت على شرطها، فبها ونعمت.

    لكن كيف لو أنها معدومة، لا وجود لها ؟!.

    حينئذ تنتفي دعوى تقسيم التصوف إلى: محمود، ومذموم. كما ينتفي قول من زعم أن أصل التصوف محمود. فإنه قول في شيء لا وجود له إلا في الأذهان، والمعركة القائمة إنما في الخارج، فكيف لنا أن نقارن بين ما في الذهن وما في الخارج ؟!.

    ومن كان في شك من هذا، فليخرج لنا طريقة واحدة متقيدة بالكتاب والسنة.

    وإذا كان الجنيد، أو التستري، أو الداراني، وغيرهم قد أعلنوا هذا التقيد، فأين هي طريقتهم، ومذهبهم ؟.

    أين هي الطرق الصوفية القائمة على التقيد بالكتاب والسنة ؟!.
    ولو فرضنا جدلا: أن التصوف مصطلح دال على الزهد الشرعي في أصله. ثم إنه تلبس به ما فيه معارضة للشريعة، حتى صار هو الأشهر: لكان من الحكمة تركه والإعراض عنه، حتى لا يختلط الحق بالباطل؛ إذ لا موجب شرعيا ولا عقليا للتمسك به، وثمة مصطلح يغني عنه، ليس فيه لبس ولا تضليل هو: الزهد.

    و الإمام ابن تيمية الذي أثنى على طائفة من أئمة التصوف: لم يترك للتصوف فكرة صوفية إلا ونقضها، وأبطلها، وحكم ببدعية التصوف، ولو كانت من السنة لما تعرض لها بالإبطال، ولما وصفها بالبدعة. (انظر: الاستقامة، والفتاوى 2/10/11)؛ ولأجله نفهم لم لا يقبله المتصوفة.

    وموقف ابن تيمية من التصوف يمكن إيجازه في أربع كلمات:

    الكلمة الأولى: أنه يقرر بدعية التصوف، كما يقرر بدعية الكلام، سواء بسواء. ( الفتاوى [10/358،366،592]، [11/508،555]، [2/13،41،54]، الاستقامة 1/90،220-221])

    الكلمة الثانية: لا يحكم بضلال عموم المتصوفة:

    بل من أصاب منهم شيئا من الحق ( كالجنيد ): أثنى عليه، وأمر بالاقتداء به، فيما أصاب فيه.

    ومن أخطأ ( كالشبلي ): اعتذر له. وذم خطأه، ونهى عن متابعته.

    ومن كان منهم رأسا في الكفر والزندقة ( كابن عربي )، لم يتردد في بيان ضلاله.

    الكلمة الثالثة: ثناؤه على المصيب من أئمة التصوف، ليس شهادة أنه على السنة في كل أموره، بل ثناء نسبي، ودليل ذلك: أنه لا يعدل بأهل القرون الثلاثة المفضلة أحدا، ويقرر أن أئمة التصوف دونهم في المنزلة واتباع السنة (الاستقامة [1/89،163]، الفتاوى [2/13]، [10/362] ) وعندما يذكر موافقتهم للسلف، فإنما بحسب سياق المسألة التي بصددها، كما هو الحال حين كلامه على موقفهم من الصفات ( الاستقامة 1/82-91، 94،102،111). ولا يمتنع من بيان ما أخطؤوا فيه.

    هذه الأمور ينبغي أن تلاحظ في تقريرات الإمام ابن تيمية لفكرة التصوف والمنتسبين إليها، فإن بعض الناس لما لم يفطن إليها: ظن أن الإمام يصحح بعض مذاهب التصوف، ويجعل منه: ما هو فلسفي، وما هو سني. وليس الأمر كذلك، بل هو عنده: بدعي، يتضمن حقا وباطلا، فيعرف حقه، وينكر باطله. و المهم في الأمر هنا: أن المتبع لابن تيمية في نظرته إلى التصوف ينساق إلى العدل، وذلك بالتفريق في الحكم بين الفكرة والمنتسبين إليها.
    فأما الفكرة فإنها بدعة، هذا ما يقرره ابن تيمية" (منقول من ملتقى أهل الحديث).
    والخلاصة :
    "أن التصوف كمصطلح صار له عموم وخصوص , أما من حيث العموم فهو يُطلق على كل من كان زاهداً أو عابداً أو متنسكاً متواضعاً , وهذا الإطلاق حصل على أزمنة متأخرة عن زمن الزهاد والعبّاد الأوائل وممن أطلق ذلك الإمام النووي فهو عندما يقول عن شخص معتبر عنده إنه من الصوفيّة فهو من كان وصفه كما في كتابه ( كتاب المقاصد ) قائلاً : أصول طريق التصوّف خمسةُ :
    1_ تقوى الله في السِّرِّ والعلانية .
    2_ واتّباع السُّنَّة في الأقوال والأفعال .
    3_ والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار .
    4_ والرِّضا عن الله تعالى في القليل والكثير .
    5_ والرّجوع إلى الله في السَّرَّاءِ والضرَّاء . انتهى .كتاب المقاصد في بيان العقائد وأصول الأحكام للإمام النووي ( ص92).
    ولا أعلم أحداً اعترض على هذا الكلام وإنمّا الاعتراض كان وما يزال على المخالفين لهذه الأصول من الصوفيّة , والانتقاد الذي يوجّه للصوفيّة إنما هو لانحرافاتهم ومخالفتهم للشرع الحنيف , وليس لأنّهم زهاد أو عبّاد أو أهل ذكر وصلاح !
    وحاشا للإمام النووي أن يثني على رجل عرف عنه أنّه يخالف الشرع في مسأله ما . وقد قال النووي : (( أصول الدِّين أربعة : الكتابُ والسنُّة والإجماع والقياس المعتبران . وما خالف هذه الأربعة فهو بدعةُ ومرتكبُه مُبتدع , يتَعَيَّنُ اجتنابه وزجرهُ . ومن المطلوب اعتقاد من علم وعمل ولازم أدب الشريعة , وصحب الصّالحين . وأمّا من كان مسلوباً عقلهُ أو مغلوباً عليه , كالمجاذيب , فنسلّم لهم ونفوّض إلى الله شأنهم , مع وجوب إنكار ما يقع منهم مخالفا لظاهر الأمر , حفظاً لقوانين الشَّرع )) انتهى .المرجع نفسه ( ص 34 , 35 ).. ومن المعلوم أن الصوفية يخالفون ذلك ويتخذون مصادر أخرى غير مصادر الدين التي ذكرها الإمام النووي بل وقد يقدمونها على الكتاب والسنة فمن مصادر هؤلاء الصوفية الكشف والإلهام والرؤى والأحلام .. ، ولم يذكر أحد من أئمة العلم كالأئمة الأربعة الرُؤى المنامية الكشف والإلهام ضمن هذه الأدلة.
    يقول الجرجاني عن الكشف: «في اللغة: رفع الحجاب، وفي الاصطلاح: هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً أو شهوداً» التعريفات (ص:184).

    ويقول الجرجاني عن الإلهام: «وهو ليس بحجة عند العلماء إلا عند الصوفيين» التعريفات (ص:34).
    قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله "لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ من الْأَئِمَّةِ مُجْمِعُونَ على أَنَّ الْإِلْهَامَاتِ من غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُعْمَلُ بها في الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ هِيَ لَا تُبْنَى على الْخَوَاطِرِ وَالْإِلْهَامَا تِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ حتى شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ في أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ.." الفتاوى الفقهية 4 / 184
    والكشف و الإلهام توصل إلى معرفة الحقائق - كما تزعم الصوفية - بدون الطرق التي جعلها الله سبلاً لمعرفتها، ولم يكن الالتفات والاهتمام بهما معروفاً عند السلف الصالح ولا عند العلماء المقتدى بهم في كل الأعصار والأمصار.
    ولا يمكن إقامة حجة ولا برهان على صحة دعوى من يدعي الكشف والإلهام إلا مجرد قوله، ولهذا رده العلماء، ورفضوا الاستدلال به، ولو انفتح باب الاحتجاج به في الشريعة سهلت للمتاجرين بالدين الذريعة واتسع الخرق على الراقع

    قال العز بن عبد السلام "والعجبُ أنَّ من الناس من يثبت ذلك بالمنامات , وليست المنامات من الحجج الشرعية التي تثبت بها الأحكام . ولعل المرئْيَّ في ذلك من تخبيط الشيطان وتزيينه . ولا يجوز إهداءُ شيء من القرآن , ولا من العبادات , إذ ليس لنا أن نتصرّف في ثواب الأعمال بالهبات كما نتصرف في الأموال بالَّتبرعات )). انتهى (الفتاوى الموصليّة للعز بن عبد السلام (ص 98 _100) بتحقيق الأستاذ إياد خالد الطباع).
    وقال الإمام الشاطبي: ( وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون رأينا فلانا الرجل الصالح فقال لنا اتركوا كذا واعملوا كذا ويتفق مثل هذا كثيرا للمتمرسين برسم التصوف وربما قال بعضهم رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا فيعمل بها ويترك بها معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا )(الإعتصام)
    وقال الحافظ أبو زرعة العراقي "لو أخبر صادق عن النبي  في النوم بحكم شرعي مخالف لما تقرر في الشريعة لم نعتمده". طرح التثريب 8/215 شرح حديث رؤيا الرجل الصالح
    وقال السخاوي "لم يصل إلينا ذلك – أي وقع الرؤية يقظة عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه  حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم ينقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه" وذكر السخاوي أن دعوى ذلك إنما تنقل عن المتصوفة وأن من مصنفاتها المحتوية على عباراتها في ذلك (توثيق عرى الإسلام للبارزي) و(بهجة النفوس) لأبي محمد عبد الله بن أبي جمرة و(روض الرياحين) لليافعي. و(رسالة الشيخ صفي الدين بن أبي منصور) نقله القسطلاني عن السخاوي في المواهب اللدنية (5/295).
    وقال الإمام ابن كثير في "‏البداية والنهاية"‏ (1/94) تعليقاً على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير أنه رأى النبي r وأبابكر وعمر وهابيل واستحلف هابيل أن هذا - أي الدم الموجود بالمكان الذي يقال - بأنه هو الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل المسمى بمغارة الدم بدمشق - دمه - أي هابيل - فحلف له وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء فأجابه إلى ذلك وصدقه في ذلك رسول الله r وقال إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس) قال ابن كثير تعليقاً على ذلك ما نصه: (هذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا لم يترتب عليه حكم شرعي) اهـ)( 1 ).

    وقال ابن الحاج في "المدخل" (4/302–304):(ليحذر مما يقع لبعض الناس في هذا الزمان وهو أن من يرى النبي rفي منامه فيأمره بشيء أو ينهاه عن شيء ينتبه من نومه فيقدم على فعله أو تركه بمجرد المنام دون أن يعرضه على كتاب الله وسنة رسول الله r وعلى قواعد السلف رضي الله عنهم قال تعالى في كتابه العزيز:فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ]النساء:59[.
    ومعنى قوله:فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ أي إلى كتاب الله تعالى، ومعنى قوله: وَالرَّسُول أي إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته على ما قاله العلماء رحمة الله عليهم وإن كانت رؤيا النبي r حقا لا شك فيها لقوله r: ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي  على اختلاف الروايات، لكن لم يكلف الله تعالى عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم؛ قال r: رفع القلم عن ثلاثة  وعد منهم  النائم حتى يستيقظ  لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف فلا يعمل بشيء يراه في نومه.
    هذا وجه؛ ووجه ثان وهو أن العلم والرواية لا يوخذان إلا من متيقظ حاضر العقل والنائم ليس كذلك.
    ووجه ثالث: وهو أن العمل بالمنام مخالف لقول صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه حيث قال:  تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله و سنتي  فجعل r النجاة من الضلالة في التمسك بهذين الثقلين فقط لا ثالث لهما.ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالث فعلى هذا من رأى النبي rفي منامه وأمره بشيء أو نهاه عن شيء
    فيتعين عليه عرض ذلك على الكتاب والسنة إذ إنه rإنما كلف أمته باتباعهما وقد قال
    r: فيبلغ الشاهد الغائب  إلى ان قال:(فإذا عرضها على شريعته r فإن وافقتها علم أن الرؤيا حق وأن الكلام حق وتبقى الرؤيا تأنيساً له وإن خالفتها علم ان الرؤيا حق وأن الكلام الذي وقع له فيها ألقاه الشيطان له في ذهنه والنفس الأمارة لأنهما يوسوسان له في حال يقظته فكيف في حال نومه … الخ).


    "وأما من حيث الخصوص فالتصوف يُطلق على طائفة وضعت لنفسها قواعد فلسفية عالجت انطلاقا منها نصوص الشريعة الإسلامية , فخرجت بمفاهيم جديدة تعارض الأصول الشرعية , وانحرفت عن الإسلام انحرافاً كبيراً , ومن بين أهل العموم والخصوص برزت طائفة من الصوفية يشتركون مع القاسم الأول في العبادة والزهد , ولكنهم متلبّسون ببدع كثيرة ويكثر فيهم الجهل , وفي الوقت نفسه يحسنون الظن برجال القسم الثاني المنحرف , ولذا لا يقبلون أي نقد لهم.
    كما برزت طائفة أخرى لا تعرف الزهد ولا العبادة ولا الأخلاق الحميدة , وضاعت عندهم جميع المبادئ الإسلامية . وإنما تستروا بالتصوف ليضمنوا وجودهم في مجتمعات المسلمين التي تتقبل التصوف بوجهٍ عام" . د.خلدون مكي الحسني
    وقد رد ابن الجوزي على أبي نعيم الأصبهاني عندما خلط بين زهاد السلف والصوفية قال ابن الجوزي في نقد الحلية لأبي نعيم :« والسابع: إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشريح وسفيان وشعبة ومالك والشافعي وأحمد وليس عند هؤلاء القوم خبر من التصوف.
    فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا وهؤلاء زهاد، قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد، بل له صفات وأخلاق يعرفها أربابه، ولولا أنه أمر زيد على الزهد ما نقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمه، فإنه قد روى أبو نعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال:"التصوف مبني على الكسل، ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق"» صفة الصفوة جـ1/ 9-10 .، وقد ذكر ابن الجوزي النبي  والزهاد من أصحابه والتابعين، وكأنه ألف كتابه للزهاد وليس للصوفية، ولذا قال:« وقد تجوزت بذكر جماعة من المتصوفة، وردت عنهم كلمات منكرة»( ).
    والسلف كالإمام أحمد وابن المبارك وغيرهم يميزون زهد السلف عن التصوف، وقد ذكر الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في كتابه المشهور "الزهد"، زهد الأنبياء والصحابة والتابعين، وكذلك عبدالله بن المبارك في "الزهد" وهناد بن السري، والصحابة والتابعون لايصح نسبتهم للصوفية، فإن اسم التصوف حدث بعد زمنهم بقرون.
    قال صاحب كتاب الصوفية نشأتها وتطورها :"عندما نتكلم عن الصوفية فإنما نقصد المعنى الاصطلاحي, أي الصوفية التي جاءت بكتب ومصطلحات خاصة, فيها إشكالات وبعد عن المنهج الإسلامي الصحيح أدت فيما بعد إلى أمور خطيرة مثل الإتحاد والحلول, فهذا لا شك أنه تفرق وبعد عن خط أهل السنة والجماعة, وأما الذين يقولون: إنما نعني بالصوفية السلوك الإسلامي وترقيق القلوب والزهد في الدنيا فيقال لهم: لماذا تسمون هذه الأشياء صوفية وقد أصبحت علماً على رموز وأشكال تخالف الإسلام فهلاّ ابتعدتم عن الشبهات وتركتم هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان " والزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف". ابن الجوزي: تلبيس إبليس/165
    وقال زكي مبارك "والذين اكتفوا بحسن الخلق والزهد في الدنيا والتأدب بآداب الشرع لقبوا بالنساك والقراء والزهاد والعباد, والذين أقبلوا على دراسة النفوس وآفاتها وما يرد على القلب من خواطر وحرصوا على الصيغة المذهبية لقبوا بالصوفية". زكي مبارك: التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق 2/21

    فالقضية ليست قضية سلوك وإنما هي أساليب مستحدثة مخترعة أعجمية في الرياضات الروحية أدت إلى الشطح والقول على الله بغير على فغاية الصوفية الاتصال بالله ـ بزعمهم ـ والبعد عن الناس, وهذا مضاد لمنهج الأنبياء الذين لم يبعثوا إلا ليهزوا أركان العالم ويوقظوا الناس من سباتهم, ولذلك فنحن لا نعتبر أعلام الزهاد والعباد كإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأمثالهم داخلين في الصوفية بهذا المعنى الذي نقرره , فضلاً عن أن نعتبر أمثال الحسن البصري ومن قبله كما يحاول الصوفية أن يقرروا وبدون حياء كما يصفهم ابن الجوزي, وكل فرقة تحاول التمويه على الناس وتنسب إليها أعلام أهل السنة, فكل الأحاديث الباطلة والمضحكة عند الشيعة الإمامية تنسب إلى جعفر الصادق وهو بريء منها وهو من أئمة أهل السنة". كتاب الصوفية نشأتها وتطورها تأليف : محمد العبده وطارق عبد الحليم.

    والصوفية بالمعنى الاصطلاحي ليسوا من أهل السنة والجماعة لكونهم يعتقدون أن طريق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بالكشف والذوق والرياضيات الروحية التي ما أنزل الله بها من سلطان, فلا شك أن هذا تفرق مذموم فكيف بمن يتكلم بالحلول والإتحاد, فهذا كفر صريح. وإذا كان علماء السلف قد ذموا علم الكلام وما جرَّ وراءه من بدع وتفرق, وإن كان بعض العلماء الذين خاضوا فيه قصدوا الدفاع عن الإسلام بنوايا حسنة, فكيف لا يذم من ابتدع طريق التصوف الأعجمي في الفناء والرهبانية وذكر الله بالرقص والدف.
    قال الإمام البقاعي: تنبيه الغبي /21 " ومن يعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان".
    ثم إن هناك من العلماء الذين كتبوا في موضوع (الفرق) من اعتبرها كذلك, كالرازي في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ) قال: " اعلم أن أكثر من قص فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ .. ", ثم ذكر طبقاتهم وفرقهم. وقد جعل ابن النديم في كتابه (الفهرست) المقالة الخامسة ( في السياح والزهاد والعباد والمتصوفة المتكلمين على الخطرات والوساوس ) . فخر الدين الرازي: اعتقادات فرق المسلمين /72.

    وعقد ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل ) فصلاً لذكر ( شنع قوم لا تعرف فرقهم ) ثم قال: " وادعت طائف من الصوفية أن في أولياء الله من هو أفضل من جميع الأنبياء, وأن من عرف الله فقد سقطت عنه الأعمال". ابن حزم: الفصل في الملل والنحل 4/226.

    وجاء في كتاب ( البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ) لعباس بن منصور الحنبلي: " ولم يشذ أحد منهم ـ أي عن أهل السنة والجماعة ـ سوى فرقة واحدة تسمت بالصوفية يتقربون لأهل السنة وليسوا منهم وقد خالفوهم في الاعتقاد والأفعال " ص11 والظاهر أن المؤلف يتكلم عن غلاة الصوفية.

    والقصد أننا لا نعني بكلمة فرقة إلا التفرق المذموم في الشرع وهو الابتعاد عن أصالة الإسلام الذي يمثله جيل الصحابة ومن تبع أثرهم. "

    فأهل السنة والجماعة تميزوا عن سائر الفرق بالتمسك بالسنة والآثار ، فمن كان منهجه في التلقي والاستدلال السنة والأثر فهو من أهل السنة ،ومن تلقى من غيرها كمن جعل مصدر التلقي والاستدلال عنده العقل أو الفلسفة أو الكشف أو الذوق فقد أخطأ وإن وافق في النتيجة.
    وقد نص الإمام أحمد على أن "من خاض في علم الكلام لايعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص" فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها .
    قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - "فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه ، لا يكون صاحبه و إن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار ." رسالة أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
    فمن تلقى من السنة فهو من أهلها وإن أخطأ ومن تلقى من غيرها فقد أخطأ وإن وافقها في النتيجة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    129

    افتراضي رد: الصوفية نشأتهم ومصادر تلقيهم وأنكار أئمة الإسلام عليهم

    وبعد هذه المقدمة عن التصوف نقف مع صور من إنكار الأئمة على الصوفية ، وبيان مخالفتهم لطريقة أهل الزهد والتنسك من المتقدمين .

    الإمام الشافعي
    الإمام الشافعي أدرك بدايات التصوف وكان من أكثر العلماء والأئمة إنكاراً على الصوفية ، ورويت عنه أقوال كثيرة منها:
    روى البيهقي في مناقب الشافعي (2 ـ208) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الله الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق .
    أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الرَّبيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص.
    وروى ابن الجوزي (تلبيس إبليس صفحة: 371) عن الشافعي قوله: "ما لزم أحد الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً.
    وقال رحمه الله: ((تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير) ، أحدثه الزنادقة، ويصدُّون الناس عن القرآن" روى ذلك الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((36))، وأبو نعيم في الحلية ((9ـ146)) وابن الجوزي ((244-249))
    وروى أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : " التغبير محـدث " ـ ومنه قوم يغبرون بذكر الله ، أي يهـللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها ـ .
    وقال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت: إنه ترق عليه القلوب. فقال: " هو بدعــة " وروى غيره أنه كرهه ، ونهى عن إسماعه .
    وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبــير ؟ " .
    وقال عبد الله بن داود : " أرى أن يضرب صاحب التغبير "
    الإمام أحمد بن حنبل
    وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد كان لهم بالمرصاد فقد قال عندما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم في هذه الخطرات: ((ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون". وحذر من مجالسة الحارث المحاسبي وقال لصاحب له: "لا أرى لك أن تجالسهم)).
    وذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: ((حذروا من الحارث أشد التحذير!! الحارث أصل البلبلة ـ يعني في حوادث كلام جهم ـ ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام. حارث بمنـزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس!!" (تلبيس إبليس 166-167).
    وهذا الكلام من الإمام أحمد يكشف فيه القناع أيضاً عن أن الحارث المحاسبي الذي تسربل ظاهراً بالزهد والورع والكلام في محاسبة النفس على الخطرات والوساوس كان هو المأوى والملاذ لأتباع جهم بن صفوان المنحرفين في مسائل الأسماء والصفات والنافين لها، وهكذا كان التصوف دائماً هو الظاهر الخادع للحركات والأفكار الباطنية.
    ولذلك وقف الإمام أحمد لهؤلاء الأشرار الظاهرين منهم والمتخفين بالزهد والورع وأمر بهجر الحارث المحاسبي وشدد النكير عليه فاختفى الحارث إلى أن مات. (تلبيس إبليس 167).
    وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فسّـاق أهل السنــة أوليـاء الله ، وزهــاد أهل البدع أعداء الله)).اهـ طبقات الحنابلة (1/184) الفروع (2/149)
    أبو زرعة الرازي
    قال البرذعي : سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه ، فقال للسائل : إياك وهذه الكتب ، هذه كتب بدع وضلالات ، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغ************ عن هذه الكتب. قيل له : في هذه الكتب عبرة ، فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة ، بلغكم أن مالك بن أنس أو سفيان الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتباً في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء ، هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم ....... ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
    "تهذيب التهذيب" (2ـ135)
    قال الذهبي مُعلقاً على كلام أبي زرعة في ميزان الاعتدال (1ـ431):
    (( وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت! كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم ، وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
    كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!! (يعني كتاب أبو حامد الغزالي الطوسي الإحياء)
    كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر!كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!
    بلى لما كان لسان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه، ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس، وابن حانه كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان. نسأل الله العفو والمسامحة آمين.))

    القاضي عياض
    يقول : (( الشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة ، والتصانيف الفظيعة غلا في طريق التصوف وتجرد لنصر مذهبهم وصار داعية في ذلك وألّف فيه تواليفه المشهورة . أُخذ عليه فيها مواضع وساءت به ظنون أمّه ، والله أعلم بسره . ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتثل ذلك )) .
    (سير أعلام النبلاء: 19ـ327)
    وقد روى القاضي عياض في الشفا (2/246) قال : (( وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية ، وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي ، على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول ؛ وقوله : أنا الحق ، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ولم يقبلوا توبته . وكذلك حكموا في ابن أبي الغراقيد وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي )) . انتهى
    _ وقال القاضي المالكي عياض ( 544هـ) في كتابه ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) : (( وكذلك ـجمع المسلمون على تكفير من قال قول بعض المتصوفة : إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفَّت نُفُوسهم أَفضت بهم إلى إسقاطها وإباحة كل شيء لهم , ورفع عهد الشرائع عنهم ....... وكذلك من أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو القيامة فهو كافر بإجماعٍ للنصّ عليه , وإجماع الأمة على صحة نقله مُتواتراً , وكذلك من اعترف بذلك ولكنه قال : إن المُراد بالجنة والنار والحشر والنَّشر والثواب والعقاب معنى غير ظاهره وإنها لذَّاتُ روُحانية , ومعان باطنةُ , كقول النصارى والفلاسفة والباطنية وبعض المتصوفة وزعمهم أن معنى القيامة الموت أو فناءُ محضُ , وانتقاض هيئة الأفلاك , وتحليل العلم كقول بعض الفلاسفة )). انتهى . الشفا (2/236-240).
    وقال ابن خلدون: ((هذا العِلم - السِّحْر - حَدث في المِلَّة بعد صدر منها ، وَعنْد ظُهور الغُلاَة من المتصوفة ، الحلاَّج ، ابن عربي ، العَفيف التِّلِمْساني ، ابْن سَبعين ، ابن الفارض
    وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس ، وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر ، وتدوين الكتب والاصطلاحات ومزاعمهم في تنـزل الوجود عن الواحد وترتيبه. وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهر أرواح والأفلاك والكواكب وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان )). (المقدمة لابن خلدون صفحة:930)
    يقول الإمام الأشعري : (( وكان في الصوفية رجلٌ يُعرف بـأبي شعيب: يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه، ويغتمُّ، ويحزن إذا عصَوْه )) يعني: كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم.
    يقول: ((وفي النُّساك قومٌ يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى منـزلةٍ تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا، وغيره مباحات لهم.
    وفيهم من يزعم: أنَّ العبادة تبلغُ بهم إلى أنْ يروا الله سُبْحَانَهُ، ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة، ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا، ويحارِبوا الشياطين.
    ومنهم مَن يزعم: أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضلَ مِن النَّبيِّين، والملائكة المقرَّبين )).
    وكلام الإمام الأشعري ، هذا يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش ، ويذكر عنهم قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات، وأنَّ الإنسان يترقَّى، كما تقول الصوفية أنَّ الله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة: سقطتْ عنك الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.
    هذا قول الإمام الأشعري -وهو المتوفى سنة (324 هـ)- وهو ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفية.
    العز بن عبد السلام
    جاء في كتاب المعيار المُعَرّب (11/29):
    سُئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عن جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشدُ لهم مُنشد:
    فأجاب: ((الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص عقل، ولا يصلح إلا للنساء ..))
    وهي كذلك في فتاويه صفحة (163) وقد نقلها وأثبتها الحافظ التونسي الزبيدي رحمه الله ، في كتابِه (المرآة إظهار الضلالات).
    يدّعي بعض الصوفيّة أن الإمام العز ابن عبد السلام كان يتواجد ويرقص في مجالس السماع ، ويتّخِذُون من ذلك حجّة على إباحة الرقص في مجالس الذكر عندهم . والحقيقة أن الذي ادّعوه غير صحيح ، وكل من يعرف سيرة الإمام العز ابن عبد السلام ، يدرك تماماً أن هذا الكلام كذب عليه ، وأن إلصاق هذه التهمة بهذا الإمام إنما هو للتغرير بالعامّة من الناس.
    وأكبر دليل على كذب الصوفية ، أن العز رحمه الله ، قد نصَّ في أهم كتبه على تحريم ذلك فقال: ((وأما الرقص و التصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة ، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب ، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء ، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خير الناس قرني ، ثمّ الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم". متفق عليه، ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلدونهم يفعل شيئاً من ذلك)). انتهى
    (قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 2ـ 186).
    القرطبي أبو عبد الله ، صاحب التفسير
    يقول الإمام القرطبي رحمه الله: فأما طريقة الصوفيّة أن يكون الشيخ منهم يوماً وليلة، وشهراً، مفكّراً، لا يفتر، فطريقةٌ بعيدة عن الصواب، غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن.
    الجامع لأحكام القرآن: (4/315).
    ويقول رحمه الله: وهذا السجود المنهيّ عنه، قد اتخذه جُهَّالُ المتصوّفة، عادةً في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أَخذه الحال بزعمه، يسجد للأقدام لجهله، سواء أكان للقبلة أم غيرها، جهالة منه، ضَلَّ سَعْيُهم، وخاب عملهم.
    الجامع لأحكام القرآن: (1/293-294).
    قال ابن عطيّة: استدلَّ العُبَّادُ في تأديب أَنفسهم بالبأساء في تفريق الأَموال، والضراء في الحمل على الأَبدان بالجوع والعُري بقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)} .
    قُلتُ- أي الإمام القُرطبي -:
    هذه جهالة ممن فعلها، وجعل هذه الآية أصلاً لها، هذه عقوبة من الله لمن شاء من عباده أن يمتحنهم بها، ولا يجوز لنا أن نمتحن أَنفسنا ونكافئها قياساً عليها، فإنها المطية التي نبلغ عليها دار الكرامة، ونفوز بها من أَهوالِ يومِ القيامة، وفي التنزيل: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} .
    وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (267) .
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
    فأمرَ المؤمنين بما خاطب بهِ سيد المرسلين، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأَصحابه يأكلون الطيبات، ويلبسون أحسنَ الثياب، ويتجمّلونَ بها، وكذلك التابعون بعدهم إلى هلمّ جراً.
    ولو كان كما زعموا واستدلوا، لما كان في امتنان الله تعالى بالزّروع والجنّات وجميع الثمار والنبات والأنعام التي سخرها، وأَباح لنا أكلها وشرب ألبانها والدفء بأصوافها،إلى غير ذلك مما امتنّ به، كبير فائدة، فلو كان ما ذهبوا إليه فيه الفضل لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ومن بعدهم من التابعين والعلماء.
    الجامع لأحكام القرآن: (6/424-425) .
    الحافظ ابن حجر
    يقول الحافظ رحمه الله نقلاً عن القرطبي رحمه الله: ((وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه ، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير ، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان ، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة ، وانتهى التواقح بقوم منهم ، إلى أن جعلوها من باب القرب ، وصالح الأعمال ، وأن ذلك يثمر سني الأحوال ، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة ، وقول أهل المخرفة ، والله المستعان)) . اهـ
    قال الحافظ ابن حجر: وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ سيء الأحوال.
    فتح الباري (جزء2صفحة442).

    أبو بكر الطرطوشي
    سئل الإمام أبو بكر الطُّرْطوشي رحمه الله:
    ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟
    وأعلم-حرس الله مدته- أنه اجتمع جماعة من رجال،فيكثرون من ذكر الله تعالى،وذكر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيءٍ من الأَديم،ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد،حتى يقع مغشيّاً عليه،ويحضرون شيئاً يأكلونه.
    هل الحضور معهم جائز أم لا؟
    أفتونا مأجورين،يرحمكم الله.
    الجـــــــــواب :
    يرحمك الله، مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله، وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد، فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار, قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون, فهو دين الكفار, وعبّاد العجل.
    وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة، ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.
    وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها، ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين،وبالله التوفيق.
    المرجع:
    كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: (11/237-238
    الإمام الذهبي
    صور من إنكار الإمام الذهبي على الصوفية ، وبيان مخالفتهم لطريقة أهل الزهد والتنسك من المتقدمين ، وتمحيص ما عند المتقدمين من خلل:
    قال رحمه الله في ترجمة "حاتم الأصم" من كتابه سير أعلام النبلاء: (11ـ487) بعد أن ذكر قول حاتم الأصم: ((لو أن صاحب خبر جلي إليك لكنت تتحرز منه وكلامك يعرض على الله لا تحترز. فقال الذهبي: قلت: هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم لا كما أحدث المتأخرون من الفناء والمحو والجمع الذي آل بجهلتهم إلى الاتحاد وعدم السوى)).
    وقال الذهبي رحمه الله في السير (22ـ368): ((قال ابن هلال: جلست عنده ـ يعني: أبا الجناب أحمد بن عمر الخوارزمي ـ في الخلوة مراراً, وشاهدت أموراً عجيبة, وسمعت من يخاطبني بأشياء حسنة.
    فقال الذهبي معلقاً: قلت: لا وجود لمن خاطبك في خلوتك مع جوعك المفرط, بل هو سماع كلام في الدماغ الذي قد طاش وفاش وبقي قرعة كما يتم للمبرسم والمغمور بالحمى والجنون, فاجزم بهذا, واعبد الله بالسنن الثابتة تفلح)).
    وذكر الذهبي في ترجمة "أبي حامد الغزالي" من السير: (19ـ322): قول الغزالي: (وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فيجلس فارغ القلب مجموع الهم يقول: الله .... الله.... الله... على الدوام ، فليفرغ قلبه ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث !! ، قال: فإذا بلغ هذا الحد التزم الخلوة في بيت مظلم وتدثر بكسائه فحينئذ يسمع نداء الحق !!!: (يا أيها المدثر) و (يا أيها المزمل) !!!)).
    قال الذهبي معقباً: ((قلت: سيد الخلق إنما سمع: {يَا أيُّهَا المُدَّثِرِ} (المدثر: 1) من جبريل عن الله ، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدا !! ، بل سمع شيطاناً أو سمع شيئا لا حقيقة من طيش دماغه ، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع) انتهى كلامه رحمه الله .
    ونقل كلاما "للطرطوشي" قال فيه: ((وقال محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم واجتمع فيه العقل والفهم ومارس العلوم طول عمره وكان على ذلك معظم زمانه ثم بدا له عن طريق العلماء ودخل في غمار العمال ثم تصوف وهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ولقد كاد أن ينسلخ من الدين فلما عمل " الإحياء " عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية أنيس بها ولا خبير بمعرفتها فسقط على أم رأسه وشحن كتابه بالموضوعات)).
    قال الذهبي: ((قلت أما " الإحياء " ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء و منحرفي الصوفية نسأل الله علما نافعا تدري ما العلم النافع هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ولم يأت نهي عنه قال عليه السلام من رغب عن سنتي فليس مني فعليك يا أخي بتدبر " كتاب الله " و بإدمان النظر في " الصحيحين " و " سنن النسائي " و " رياض " النواوي و " أذكاره " تفلح وتنجح ، وإياك وآراء عباد الفلاسفة ، ووظائف أهل الرياضات ، وجوع الرهبان ، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة ، فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم)).
    وقال في ترجمة "سعيد بن عبد العزيز الحيري" (14ـ62) لما ذكر قول أبي نعيم الحافظ فيه من قوله: ((تخرج به جماعة من الأعلام كإبراهيم بن المولد وكان ملازماً للشرع متبعاً له.
    قال الذهبي: قلت: يعني أنه كان سليماً من تخبيطات الصوفية وبدعهم)).
    وقال الذهبي في ترجمة "ابن الأعرابي" (15ـ407ـ412) في التمييز بين التصوف المحدث ، والتنسك والتعبد الشرعي: ((قلت: إي والله دققوا وعمقوا وخاضوا في أسرار عظيمة ما معهم على دعواهم فيها سوى ظن وخيال ولا وجود لتلك الأحوال من الفناء والمحو والصحو والسكر إلا مجرد خطرات ووساوس ما تفوه بعباراتهم صديق ، ولا صاحب ، ولا إمام من التابعين ، فان طالبتهم بدعاويهم مقتوك ، وقالوا: محجوب ، وإن سلمت لهم قيادك تخبط ما معك من الإيمان ، وهبط بك الحال على الحيرة والمحال ، ورمقت العباد بعين المقت ، وأهل القرآن والحديث بعين البعد ، رجاء مساكين محجوبون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الرضا عن الله ولزوم تقوى الله والجهاد في سبيل الله والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر والقيام بخشية وخشوع وصوم وقت وإفطار وقت وبذل المعروف وكثرة الإيثار وتعليم العوام والتواضع للمؤمنين والتعزز على الكافرين ومع هذا فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، والعالم إذا عري من التصوف والتأله فهو فارغ كما أن الصوفي إذا عري من علم السنة زل عن سواء السبيل) .
    قال الذهبي رحمه الله عن سيد الصوفية "ابن عربي الطائي" (23 ـ 48): ((وكان ذكياً كثير العلم كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد واهتم وأنجد وعمل الخلوات ، وعلِق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ، ومن أردإ تواليفه كتاب ((الفصوص)) فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر!!! نسأل الله العفو والنجاة . فواغوثاه بالله ، وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات)). انتهى .
    وقال الذهبي في ترجمة"الحكيم الترمذي" (13ـ442): ((كذا تُكلم في السُلمي من أجل تأليفه كتاب حقائق التفسير فياليته لم يؤلفه ، فنعوذ بالله من الإشارات الحلاجية ، والشطحات البسطامية ، وتصوف الاتحادية ، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة)).
    وإننا إذا تأمّلنا في ترجمة الإمام الذهبي للكثير من أشياخه أو أصحابه أو من يُجِلُّهم , لا نجده يقول عنهم الصوفي !! بل على العكس نجده كثيراً ما يذمّ تراجم المتصوفّة وينكر عليهم بشدّة انحرافاتهم وبدعهم , وهذا كتابه بين أيديكم , وإليكم مثالاً على ذلك : جاء في ترجمة " سعيد بن عبدالعزيز بن مروان"
    قال أبو نُعيم الحافظ : (( تخرَّج به جماعة من الأعلام كإبراهيم بن المولد وكان ملازماً للشرع متبعاً له )).
    قال الذهبي : قلتُ : يعني أنه كان سليماً من تخبيطات الصوفية وبِدَعِهم . ( السِّيَر 11/455).

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    129

    افتراضي رد: الصوفية نشأتهم ومصادر تلقيهم وأنكار أئمة الإسلام عليهم

    ابن الحاج
    الإمام ابن الحاج المالكي ، أحد العلماء الذين أكثر النقل عنهم الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري ، من أشهر كتبه كتاب المدخل ، والذي رد فيه كثير من بدع الصوفية.

    قال رحمه الله في كتابه (المدخل: 3ـ99) وهو يتكلم عن الصوفية وبدعة الغناء والرقص.
    ((وقد ذكر أن بعض الناس عمل فتوى في سنة إحدى وستين وستمائة ومشى بها على الأربع مذاهب و لفظها: " ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين و علماء المسلمين وفقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلد فقصدوا إلى المسجد وشرعوا يصفقون ويغنون ويرقصون تارة بالكف وتارة بالدفوف والشبابة فهل يجوز ذلك في المساجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى"
    فقالت الشافعية: السماع لهو مكروه يشبه الباطل من قال به ترد شهادته و الله اعلم .
    وقال المالكية: يجب على ولاة الأمور زجرهم و إخراجهم من المساجد حتى يتوبوا و يرجعوا والله أعلم .
    وقالت الحنابلة: فاعل ذلك لا يصلى خلفه ولا تقبل شهادته ولا يقبل حكمة وإن كان حاكما وإن عقد النكاح على يده فهو فاسد والله أعلم .
    وقالت الحنفية: الحصر التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى تغسل والأرض التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى يحفر ترابها ويرمى ، والله اعلم)).
    الإمام المفسر أبو حيان الأندلسي
    قال الإمام أبو حيّان الأندلسي في كتابه (التفسير الكبير المسمّى بالبحر المحيط) وفي ذيله أيضاً المسمّى (النهر المادّ) الجزء: 3 صـفحة: 448 ، في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }: ((و مِنْ بعضِ اعتقادِ النصارى استنبطَ مَنْ تستّر بالإسلام ظاهراً وانتمى إلى الصوفية حُلولَ الله تعالى في الصور الجميلة ، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة ، كالحلاج والشوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض ، وأتباع هؤلاء كابن سبعين وتلميذه التستري وابن المطرّف المقيم بمرسية والصفّار المقتول بغرناطة وابن لباج وابن الحسن المقيم بلوزقة ، وممن رأيناه يُرمى بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك أشعار كثيرة ، وابن عيّاش المالقي الأسود القطيع المقيم بدمشق ، وعبد الواحد بن المؤخر المقيم بصعيد مصر والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة من ديار مصر وأبو يعقوب بن مبشّر تلميذ التستري المقيم بحارة زويلة بالقاهرة ، والشريف عبد العزيز المنوني وتلميذه عبد الغفّار القوصي ؛ وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله ، يعلم الله ذلك ، وشفقة على ضعفاء المسلمين ليحذروهم فهم شرٌّ من الفلاسفة الذين يكذّبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم ، وينكرون البعث ؛ وقد أُولِعَ جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء ، وادّعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والردّ على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين)). ا.هـ
    وقال أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط: 4ـ145) عند تفسير قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} : ((ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى الصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات و الاطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم معهم في الجنة يخبرون على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد هذا مع خلوهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمن الغيب. !!!!!)).
    وقال في (2ـ93): ((فلو عاش قتادة إلى هذا العصر وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى والكلام المبهرج الذي لا يرجع إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و التجري على الإخبار الكاذب عن المغيبات لقضي من ذلك العجب)).
    وقال رحمه الله تعالى في تفسير سورة "الأعراف": ((وقد ظهر في هذا الزمان العجيب ناس يتسمون بالمشايخ ، يلبسون ثياب شهرة عند العامة بالصلاح ، ويتركون الاكتساب ، ويرتبون أذكاراً لم ترد في الشريعة ، يجهرون بها في المساجد ، ويجمعون لهم خدّاماً يجلبون الناس إليهم لاستخدامهم ، ونتش أموالهم ، ويذيعون عنهم كرامات ، ويرون الوصول إلى الله تعالى بأمور يقررونها في خلوات ، وأذكارٍ لم يأت بها كتاب منـزل ، ولا نبي مرسل ، ويتعاظمون على الناس بالانفراد على سجادة ، ونصب أيديهم للتقبيل ، وقلة الكلام ، وإطراق الرؤوس ، وتعيين خادم يقول: الشيخ مشغول في الخلوة . ورسم الشيخ. قال الشيخ . الشيخ له نظر إليك . الشيخ كان البارحة يذكرك . إلى نحو هذه الألفاظ التي يحشدون العامة ، ويجلبون بها عقول الجهلة ، هذا إن سلم الشيخ من الاعتقاد الذي غلب على متصوفة هذا الزمان: من الحلول ، والقول بوحدة الوجود ، فإذ ذاك: يكون منسلخاً عن شريعة الإسلام بالكلية ، والعجب لمثل هؤلاء كيف ترتب لهم الرواتب ، وتبنى لهم الرُّبط ، وتوقف عليهم الأوقاف ، وتخدمهم الناس مع عدولهم عن سائر الفضائل)).
    القاضي ابن العربي
    قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله:
    (( وكذلك نقطع بتكفير كل من كَذّب ، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع ... ثم قال: وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من الماليكة وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاّج وصلبه لدعواه الإلهية ، والقول بالحلول ، وقوله: أنا مع الحق. مع تمسّكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته )) . انتهى.
    وقال رحمه الله: ((شيخُنا أبو حامد ـ يعني الغزالي ـ: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع))
    (سير أعلام النبلاء: 19/327).
    _ ويقول القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي (543هـ) : (( فأما طريقة الصوفيّة أن يكون الشيخ منهم يوماً وليلة , وشهراً , مفكّراً , لا يفتر , فطريقةُ بعيدة عن الصواب , غير لائقة بالبشر , ولا مستمرة على السنن )) انتهى . أحكام القرآن (4/57).

    العلامة محمود شكري الألوسي
    العلامة محمود الألوسي مفتي بغداد الذي كشف أن الصوفية أصحاب كذب وتدجيل، عندهم تقية كتقية الروافض، فيقول كم في تفسيره 11/72-73 في تفسير آية {لهو الحديث} :
    (( وأشنع من ذلك ما يفعله أبالسة المتصوفة ومردتهم، ثم إنهم -قبحهم الله تعالى- إذا اعترض علهم بما اشتمل عليه نشيدهم من الباطل يقولون: نعني بالخمر: المحبة الإلهية، أو بالسكر: غلبتها، أو بميّة وليل وسعدى مثلاً: المحبوب الأعظم وهو الله عز وجل!
    وفي ذلك من سوء الأدب ما فيه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } .
    وفي صفحة ((75)) قال: (( ومن السماع المحرم سماع متصوفة زماننا؛ وإن خلا عن رقص، فإنَّ مفاسده أكثر من أن تحصى، وكثير ما ينشدون من الأشعار من أشنعِ ما يتلى، ومع هذا يعتقدونه قُربة، ويزعمون أنَّ أكثرهم رغبة فيه أشدهم رغبة أو رهبة، قاتلهم الله أنى يؤفكون )) .
    برهان الدين البقاعي المتوفي سنة 885هـ:
    ألف هذا الإمام كتاباً فذاً فريداً سماه (تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي) قال في خطبة هذا الكتاب عن ابن عربي:
    "وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره، أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهراً، حتى يعلم حاله، فيهجر مقاله، ويعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآله ومآبه، امتثالاً لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). "
    الإمام أبو الفرج ابن الجوزي
    وأما الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البغدادي المتوفي سنة 597هـ فقد كتب كتاباً فريداً سماه (تلبيس إبليس) خص الصوفية بمعظم فصوله وبين تلبيس الشيطان عليه وكان مما ذكره هذه الصفحات:
    "وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات. فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم. وشبهوا المال بالعقارب، ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع. وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة. وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري. ثم جاء أقوام يتكلمون لهم في الجوع والفقر الوساوس والحظوات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي. وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيف وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة. ثم مازال الأمر ينمى والأشياخ يضعون لهم أوضاعاً ويتكلمون بواقعاتهم. ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر.
    ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه كأنهم تخايلوا شخصاً مستحسن الصورة فهاموا به، وهؤلاء بين الكفر والبدعة، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق، ففسدت عقائدهم، فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد. وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سنناً، وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن، وجمع لهم حقائق التفسير، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم. وإنما حملوه على مذاهبهم. والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن. وقد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري، قال: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئاً يسيراً فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه. وكان يضع للصوفية الأحاديث.
    قال المصنف: وصنف لهم أبو نصر السراج كتاباً سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ما سنذكر منه جملة إن شاء الله تعالى. وصنف لهم أبو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة ومالا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد. وردد فيه قول - قال بعض المكاشفين- وهذا كلام فارغ وذكر فيه عن بعض الصوفية أن الله عز وجل يتجلى في الدنيا لأوليائه. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال أبو طاهر محمد بن العلاف. قال: دخل أبو طالب المكي إلى البصرة بعد وفاة أبي الحسين بن سالم فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعاظ فخلط كلامه فحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوق أضر من الخالق. فبدعة الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك، قال الخطيب: وصنف أبو طالب المكي كتاباً سماه قوت القلوب على لسان الصوفية وذكر فيه أشياء منكرة مستشبعة في الصفات.
    قال المصنف: وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية. وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة رضي الله عنهم. فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحاً القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وكذلك ذكر السلمي في طبقات الصوفية وإبراهيم بن أدهم ومعروفاً الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد.
    فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما سيأتي ذكره وصنف لهم عبد الكريم بن هوازن القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء، والقبض، والبسط، والوقت، والحال والوجد والوجود، والجمع، والتفرقة، والصحو، والسكر، والذوق، والشرب، والمحو، والإثبات، والتجلي، والمحاضرة، والمكاشفة، واللوائح، والطوالع، واللوامع، والتكوين، والتمكين والشريعة، والحقيقة، إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه، وجاء محمد بن طاهر المقدسي فصنف لهم صفة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها سنذكر منها ما يصلح ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
    وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر الحافظ يقول: كان ابن طاهر يذهب مذهب الإباحة، قال: وصنف كتاباً في جواز النظر إلى المراد أورد فيه حكاية عن يحيى بن معين، قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها. فقيل له تصلي عليها، فقال صلى الله عليها وعلى كل مليح، قال شيخنا ابن ناصر: وليس ابن طاهر بمن يحتج به، وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الإحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه. وقال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات. وهذا من جنس كلام الباطنية. وقال في كتابه المفصح بالأحوال: إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق.
    قال المصنف: وكان السبب في تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء قلة علمهم بالسنن والإسلام والآثار وإقبالهم على ما استحسنوه من طريقة القوم. وإنما استحسنوها لأنه قد ثبت في النفوس مدح الزهد وما رأوا حالة أحسن من حالة هؤلاء القوم في الصورة ولا كلاما أرق من كلامهم. وفي سير السلف نوع خشونة، ثم إن ميل الناس إلى هؤلاء القوم شديد لما ذكرنا من أنها طريقة ظاهرها النظافة والتعبد وفي ضمنها الراحة والسماع والطباع تميل إليها. وقد كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين والأمراء فصاروا أصدقاء (أي بعد أن صار التصوف حرفة وتكسباً صاحبوا الأمراء والسلاطين).
    وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إلى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عن بعض ودونوها وقد سموها بالعلم الباطن. والحديث بإسناد إلى أبي يعقوب إسحق بن حية قال سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات. فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.
    قال المصنف: وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا، وروينا عن أحمد بن حنبل أن سمع كلام الحارث المحاسبي. فقال لصاحب له. لا أرى لك أن تجالسهم. وعن سعيد بن عمرو البردعي، قال شهدت أبا زرعة، وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب. هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغ************ عن هذه الكتب. وقيل له. في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة. بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والأئمة المتقدمة، صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
    أخبرنا محمد بن عبد الباقي ثنا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري فأنكر عليه ذلك عبد الله بن عبد الحكم وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة. قال السلمي: وأخرج أبو سليمان الداراني من دمشق. وقالوا إنه يزعم أنه يرى الملائكة وأنهم يكلمونه، وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري: إنه يفضل الأولياء على الأنبياء فهرب من دمشق إلى مكة، وأنكر أهل بسطام على أبي يزيد البسطامي ما كان يقول حتى إنه ذكر للحسين بن عيسى أنه يقول: لي معراج كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم معراج فأخرجوه من بسطام، وأقام بمكة سنتين ثم رجع إلى جرجان فأقام بها إلى أن مات الحسين بن عيسى ثم رجع إلى بسطام، قال السلمي: وحكى رجل عن سهلي بن عبد الله التستري أنه يقول: إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه وإنه يتكلم عليهم فأنكر ذلك عليه العوام حتى نسبوه إلى القبائح فخرج إلى البصرة فمات بها، قال السلمي: وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات فهجره أحمد بن حنبل فاختفى إلى أن مات.
    قال المصنف: وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام، حارث بمنزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس" (تلبيس إبليس 167/163).
    وقال في كتابه تلبيس إبليس، بعد أن ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في السماع والرقص والوجد: (( قال الفقهاء من أصحابنا لا تقبل شهادة المغني والرقاص والله الموفق)) .

    _ وقال الفقية الصالح أبو عبدالله الحفار المالكي (811هـ) :
    (( .. إن هذه الطائفة المنتمية للتصوف في هذا الزمان وفي هذه الأقطار , قد عظُم الضرر بهم في الدين , وفشت مفسدتهم في بلاد المسلمين ولاسيما في الحصون والقرى البعيدة عن الحضرة هنالك , يُظهرون ما انطوى عليه باطنهم من الضلال , من تحليل ما حرم الله والافتراء عليه وعلى رسوله . وبالجملة فهم قوم استخلفهم الشيطان على حَلِّ عُرى الإسلام وإبطاله , وهدم قواعده )). انتهى المعيار للونشر يسي (11/42).
    _ وقال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار (1/159) وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي , وفي كتاب الزكاة , عند بيان الأصناف التي تُدفع إليهم الزكاة:
    (( ... الأراذل من المتصوّفة الذين قد اشتهر عنهم أنهم من أهل الصلاح المنقطعين لعبادة ربّهم , قد اتخذ كل منهم زاوية أو مكاناً يظهر فيه نوعاً من الذكر , وقد لفَّ عليهم من له زي القوم وربّما انتمى أحدهم إلى أحد رجال القوم كالأحمدية والقادرية , وقد كذبوا في الانتماء , فهؤلاء لا يستحقّون شيئاً من الزكوات , ولا يحلُّ دفع الزكاة إليهم , ومن دفعها إليهم لم يقع الموقع وهي باقية في ذمّته,....
    ويجب على كل من يقدر على الإنكار أن يُنكر عليهم , وإثمهم متعلّق بالحكام الذين جعلهم الله تعالى في مناصبهم لإظهار الحق , وقمع الباطل وإماته ما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإماتته والله أعلم )). انتهى
    _ وقال الشيخ الحصني أيصاً في كفاية الأخيار (2/225) كتاب الأقضية عند ذكر من لا تُقبل شهادتهم :
    (( ... فلا تُقبل شهادة القمّام , وهو الذي يجمع القمّامة أي الكناسة ويحملها , وكذا القيّم في الحمّام , ومن يلعب بالحمام يعني يُطّيرها لينظر تلّبها في الجو , وكذا المغنّي سواء أتى الناس أو أتوه , وكذا الرّقاص كهذه الصوفيّة الذين يسعون إلى ولائم الظلمة والمكسة , ويظهرون التواجد عند رقصهم , وتحريك رؤوسهم , وتلويح لحاهم الخسيسة كصنع المجانين , وإذا قُرئ القرآن لا يستمعون له , ولا يُنصتون , وإذا نعق مزمار الشيطان صاح بعضهم على بعض بالوسواس قاتلهم الله ما أفسقهم وأزهدهم في كتاب الله , وأرغبهم في مزمار السيطان وقرن الشيطان , عافانا الله من ذلك )) . انتهى
    _ وقال في ( شرح الكنز ) للنسفي الحنفي بعد ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( كلُّ لعب ابن آدم حرامُ إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله , وتاديبه لفرسه , ومناضلته لقوسه )) : (( وهذا نصُ صريح في تحريم الرقص الذي يسمّيه المتصوفة الوقت وسماع الطيب , وإنّما هو سماعُ فيه أنواعُ الفسق وأنواعُ العذاب في الآخرة )).
    _ وقال في ( اليتيمة ) : سٌئل الحلواني ( الحنفي ) عمَّن سمّوا أنفسهم الصوفيّة , واختصّوا بنوع لبسة , واشتغلوا باللهو والرقص , وادّعوا لأنفسهم المنزلة , فقال : أَفَْتَرَوا على الله كذباً أم بهم جِنَّةُ ؟! ." انتهىانظر الصفحة 36 من كتاب ( الرّهص والوقص لمستحل الرّقص ) للعلامة إبراهيم الحلبي الحنفي ( 956هـ) صاحب كتاب ( ملتقى البحر ) بتحقيق الأستاذ حسن السماحي سويدان. منقول من كتاب إلي أين أيها الجفري للدكتور خلدون بن مكي الحسني
    الإمام الصنعاني
    قال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني - رحمه الله - في كتابه الشهير "تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد" يبين حال التصوف والصوفية:
    أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين، ومن أعظم حمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين، فإن إطلاق الجلالة منفرداً عن إخبار عنها بقولهم ( الله الله) ليس بكلام ولا توحيد، وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني ولو أن رجلاً عظيماً صالحاً يسمى بزيد وصار جماعة يقولون (زيد زيد) لعُد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية، ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ.
    ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل، وهذه أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية عن هذا الشهيق والنهيق والنعيق الذي اعتاده الذي من هو عن الله وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ودله في مكان سحيق. ثم قد يضيفون إلى الجلالة الشريفة أسماء جماعة من الموتى، مثل (ابن علوان) و (أحمد بن الحسين) و(عبد القادر) و(العيدروس) بل قد انتهى الحال إلى أنهم يفرون إلى أهل القبور من الظلم والجور كعلي رومان وعلي الأحمر وأشباههما وقد صان الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل الكساء وأعيان الصحابة عن إدخالهم في أفواه هؤلاء الجهلة الضلال، فيجمعون أنواعاً من الجهل والشرك والكفر.
    فإن قلت : إنه قد يتفق من هؤلاء الذين يلوكون الجلالة ويضيفون عليها عمل أهل الخلاعة والبطالة خوارق عادات وأموراً تظن كرامات ، كطعن أنفسهم بالآلات الحادة وحملهم لمثل الحنش والحية والعقرب وأكلهم النار ومسهم غياها بالأيدي وتقلبهم فيها بالأجسام .

    قلت : هذه أحوال شيطانيه وإنك لملبس عليك أن ظننتها كرامات للأموات أو حسنات للأحياء لما هتف هذا الضال بأسماءهم وجعلهم أنداداً وشركاء لله تعالى في الخلق والأمر فهؤلاء الموتى أنت تفرض أنهم أولياء الله تعالى فهل يرضى ولي الله أن يجعله المجذوب أو السالك شريكاً له تعالى وندا؟ أن زعمت ذلك فقد جئت شيئا إدا، وصيرت هؤلاء الأموات مشركين وأخرجتهم وحاشاهم ذلك عن دائرة الإسلام والدين، حيث جعلتهم أندادا لله راضين فرحين، وزعمت أن هذه كرامات لهؤلاء المجاذيب الضلال المشركين التابعين لكل باطل، المنغمسين في بحار الرذائل الذين لا يسجدون لله سجدة ولا يذكرون الله وحده. فإن زعمت هذا فقد أثبت الكرامات للمشركين الكافرين وللمجانين وهدمت بذلك ضوابط الإسلام وقواعد الدين المبين والشرع المتين.

    وإذا عرفت بطلان هذين الأمرين علمت أن هذه أحوال شيطانية وأفعال طاغوتية وأعمال إبليسية يبعلها الشياطين لإخوانهم من هؤلاء الضالين، معاونة من الفريقين على إغواء العباد، وقد ثبت في الأحاديث أن الشياطين والجان يتشكلون بأشكال الحية والثعبان وهذا أمر مقطوع بوقوعه فهم الثعابين التي يشاهدها الإنسان في أيدي المجاذيب. وقد يكون ذلك من باب السحر وهو أنواع، وتعلمه ليس بالعسير، بل بابه الأعظم الكفر بالله وإهانة ما عظمه الله من جعل مصحف في كنيف ونحوه.
    فلا يغتر من يشاهد ما يعظم في عينية من أحوال المجاذيب من الأمور التي يراها خوارق، فإن للسحر تأثيرا عظيما في الأفعال. وهكذا الذين يقلبون الأعيان بالأسحار وغيرها".

  4. #4

    افتراضي رد: الصوفية نشأتهم ومصادر تلقيهم وأنكار أئمة الإسلام عليهم

    سئل الإمام أبو بكر الطُّرْطوشي

    رحمه الله تعالى :


    ما يقول سيدنا الفقيه

    في مذهب
    الصوفية ؟

    وأعلم - حرس الله مدته -

    أنه اجتمع جماعة من رجال،

    فيكثرون من ذكر الله تعالى،

    وذكر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم،

    ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيءٍ من الأَديم،

    ويقوم بعضهم
    يرقص ويتواجد،

    حتى يقع
    مغشيّاً عليه،

    ويحضرون شيئاً يأكلونه.

    هل الحضور معهم جائز أم لا
    ؟

    أفتونا مأجورين،
    يرحمكم الله.

    الجـــــــــواب :

    يرحمك الله،

    مذهب
    الصوفية بطالة

    وجهالة

    وضلالة
    ،

    وما الإسلام إلا كتاب الله،

    وسنة رسوله،

    وأما
    الرقص والتواجد،

    فأَوّل مَنْ أَحثه
    أصحاب السامريّ،

    لما اتخذ لهم
    عجلاً جسداً له خوار,

    قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون,

    فهو دين الكفار,

    وعبّاد العجل.

    وأما القضيب

    فأوّل مَن اتخذه
    الزَّنادقة،

    ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.

    وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

    مع أصحابه،

    كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار،


    فينبغي للسلطان ونوّابه

    أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها،

    ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر

    أن يحضر معهم،

    ولا يعينهم على باطلهم،

    هذا مذهب

    مالك

    وأبي حنيفة

    والشافعي

    وأحمد بن حنبل


    وغيرهم من أئمة المسلمين،

    وبالله التوفيق.



    المرجع:

    كتاب الجامع لأحكام القرآن

    للإمام القرطبي:

    (11/237-238
    )


    ==========
    بورك فيكم

    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •