وردت بعض الأفعال مرة واحدة فقط في القرآن الكريم. ومن خلال تتبعها و دراستها يمكن أن نعتبر هذه الظاهرة اللغوية القرآنية ذات صلة ببعض السنن الكونية وبعض السنن الاجتماعية والتاريخية. فالصيغة الفريدة التي وردت بها هذه الأفعال تدل كلها على الموقف الفريد الذي لا يتكرر، أو السنة التي لا تتخلف ، و كلها هذه الآيات لا تخرج عن هذا الإطار. و من ثمَّ يمكن أن نصنف هذه الأفعال ذات الصيغة الفريدة إلى قسمين اثنين :

1. ما لَه علاقة بالسنن الكونيية :
و نمثل له ببعض الآيات ( و غيرُها كثير لا مجال لتعداده ) منها قوله تعالى : ( و الليل و ما وسق ) الانشقاق / 17 ، فالليل سنة كونية إلهية تُظلِم على كل الكائنات ، وظلمتُه تَسِقُ و تَضُم الجبال و الأشجار و البحار و الأرض . ومنها قوله عز و جل : (مرج البحرين يلتقيان )الرحمن / 19 ، فالله أرسل البحرين : البحر المِلْح و البحر العَذْب بحيث يصب أحدهما في الآخر دون أن يغير أحدهما طعم الآخر بجواره . ومنها قوله جل جلاله : ( و بث فيها من كل دابة ) البقرة / 164 ، كناية عن خلقه العَجيب المتكاثر لجميع أنواع الدواب على هذه الأرض .


2 ـــ ما لَه صلة بالسنن الاجتماعية والتاريخية:
و يندرج ضمن هذا آياتٌ عديدة ، نكتفي بذكر بعضها كـقوله جل و علا : ( فما بكت عليهم السماء و الأرض و ما كانوا منظرين ) الدخان / 29 ، حيث وردت الآية في معرض الحديث عن هلاك فرعون وجنوده غرقا، بعد أن شق الله لبحر لموسى ومن معه من المؤمنين، فبين الله وقيعتهم المأساوية حيث أغرقوا جميعا فتركوا ديارهم ، وما تزخر به من أسباب الرفاهية والسعادة، ليرثها من كانوا يستضعفونهم. واستخفافا بهم يبين الله تعالى أنه بعد أن أنزل بهم عقابه، وحقق فيهم سنته، فإن أحدا من العالمين لم يعبأ بمصيرهم ، فجاء قوله مَسوقا لتحقيرهم: (فما بكت عليهم السماء و الأرض ) . وجاءت صيغته فريدة في القرآن الكريم للدلالة على أن سنة الله في الخلق لا تتبدل ولا تتخلف .
فالتاريخ ليس أحداثا تتعاقب زمنيا، بقدر ما هو أسباب تترتب عنها نتائج، ومن ثم فإن التاريخ تحكُمُه سنن، ولا يفقه التاريخ من لم يفقه السنن التاريخية. فترشيدُ المسيرة البشرية، والتقدمُ خطوة إلى الأمام كمًّا وكيفًا، لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستفادة من تجارب الأمم وتعلم الدروس وأخذ العبر. فالعاقل من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ الناس به . وذلك هو الركن المتين الذي تقوم عليه فلسفة التاريخ، وعلى أساسه يتم تفسـير التاريخ. و كقوله سبحانه و تعالى : (فوسطن به جمعا ) العاديات / 5 ، وهذه أيضا صيغة وحيدة وردَ بها هذا الفعل في القرآن الكريم، وإذا ربطنا ذلك بالسياق القرآني الذي وردت فيه الآية ـــ إن أُريد بالعاديات خيل الغزاة و ليس رواحل الحجيج و هو تفسير علي بن أبي طالب لها ــــ يتبين لنا أن سنة مدافَعة الباطل بالحق سنة ثابتة، وأن النصر للحق وأصحابه في آخر المطاف ، كما حدث في هذه الغزوة ـــ غزوة بدر ــ ومن ثم لا بد من الإصرار على مواجهة الباطل والصمود في وجه الطغاة مهما كانت الأحوال والظروف، وعدم الاستسلام أو التفريط في الحق .
وكقولــــــــــ ه عز و جل أيضا : ( و من أهل المدينة مردوا على النفــــــاق ) لتوبة / 101 ، والمعنى السياقي لـ(مردوا) : " أقاموا عليه ولم يتوبوا " كما قال البغوي في معالم التنزيل , ج 2 / 323 . و قد جاء فعل (مرد) في القرآن الكريم بهذه الصيغة مرة واحدة كذلك في القرآن الكريم، للدلالة على أن النفاق خاصية متأصلة في هذا الصنف من البشر الذي يُبدي خلاف ما يُبْطنه . ومن ثم فإنه تحذير للمؤمنين بعدم الثقة في المنافقين وعدم موالاتهم .