السؤال:
ما حكم اشتراط وليِّ المرأة على الراغب في الزواج بابنته أن يُجْرِيَ تحليل دمٍ قصْدَ معرفة سلامته من الأمراض التي قد تُعرِّض حياتَها للخطر؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فكلُّ شرطٍ لم يَرِدْ ما يمنعه في الشرع ولم يخالف النصوصَ والمقاصد الشرعية فإنَّ لأحد العاقدين أو لكليهما اشتراطَه بما يحقِّق مصلحةَ أحدهما أو كليهما أو مصلحةَ من ينوب عنه إذا كان نفعُه معلومًا، ذلك لأنَّ الأصل في العقود والشروط الإباحةُ والجواز، وتحريمُ شيءٍ من الشروط التي يتعامل بها الناس تحقيقًا لمصالحهم بغير دليلٍ شرعيٍّ تحريمٌ لِما لم يحرِّمْه الله تعالى، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: «... وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(١).
وشرطُ معرفة وليِّ المرأة سلامةَ الراغب في الزواج وخلوَّه من الأمراض وسلامتَه من العدوى وسائرِ الأسقام والعيوب -كنقص المناعة ومرضِ الجذام أو عدمِ قدرته على الإنجاب أو نحو ذلك من الأمراض والأعراض، التي تعرِّض صاحبَها إمَّا إلى ضررٍ حسِّيٍّ أو معنويٍّ- شرطٌ صحيحٌ، ذلك لأنَّ «الأَصْلَ دَفْعُ الضَّرَرِ مَتَى أَمْكَنَ» و«الدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ» كما تقرِّره القواعد العامَّة.
بل الواجب على الراغب في الزواج أنْ يُفْصِحَ هو نفسُه عما يعانيه من الأمراض والعيوب، ويصرِّحَ بها لوليِّ المرأة، فقد رُوي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعَثَ رَجُلاً عَلَى بَعْضِ السِّعَايَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَكَانَ عَقِيمًا، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَلْ أَعْلَمْتَهَا أَنَّكَ عَقِيمٌ؟»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَأَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا»(٢).
وشرط الوليِّ بما يعود بالمصلحة ودفعِ الضرر عن مُوَلِّيَته شرطٌ صحيحٌ يدخل في مقصود الشارع من حفظ الأبدان لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 20]، وقولِه: ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ»(٣).
فللزوجة كاملُ الحقِّ في فسخ عقد النكاح إذا ثبت أنَّ الزوج مصابٌ بمرضٍ مُعْدٍ ينتقل بتقدير الله إليها ويؤدِّي إلى الإضرار بها؛ ولو قدَّم تحليلاً سليمًا من الأمراض أو شهادةً مثبتةً لذلك، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ»(٤).
كما لها مطلق الخيار في فسخ العقد فيما إذا كان الزوج مصابًا بمرضٍ عضالٍ غيرِ مُعْدٍ: فإن شاءتْ أمضت الزواجَ، وإن شاءت فسخته..
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 28 شعبان 1432ﻫ
المـوافق ﻟ: 29 جويلية 2011م
١- أخرجه بتمامه الترمذي في «الأحكام» باب ما ذُكر عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصلح بين الناس (1352) وقال: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، والطبراني في «الكبير» (30)، والبيهقي في «الصغير» (2106)، من حديث عمرو بن عوف المزني رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (1303).

٢- أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2021)، وعبد الرزاق في «المصنف» (10346) من رواية ابن سيرين رحمه الله، واستشهد به ابن حزمٍ في «المحلَّى» (10/ 61) من طريق سعيد بن منصور من رواية ابن سيرين عن أنس رضي الله عنه.

٣- أخرجه البخاري في «الشروط» باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح (2721) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

٤- أخرجه البخاري معلَّقًا في «الطبِّ» باب الجذام (5707) بلفظ: «...وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»، وأخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» (24543)، وأحمد (9722)، والبيهقي في «الصغير» (2514)، و«الكبرى» (13772)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما.





http://www.ferkous.net/rep/Bl25.php