ذكر التفريع
"
ما العود إن فاح نشرا أو شدا طربا ... يوما بأطرب من تفريع وصفهم "
هذا النوع أعن التفريع وهو ضد التأصيل هو أن يصدر الشاعر أو المتكلم كلامه باسم منفي
بما خاصة ثم يصف ذلك الاسم المنفي بأحسن أوصافه المناسبة للمقام إما في الحس
وإما في القبح ثم يجعله أصلا يفرع منه جملة من جار ومجرور متعلقة به تعلق مدح أو
هجاء أو فخر أو نسيب أو غير ذلك ثم يخبر عن ذلك الاسم بأفعل التفضيل ثم يدخل من
على المقصود بالمدح أو الذم أو غيرهما ويعلق المجرور بأفعل التفضيل فتحصل المساواة
خزانة الأدب وغاية الأربتقي
الدين أبي بكر علي بن عبد الله الحموي الأزراري
554
بين الاسم المجرور بمن وبين الاسم الداخل عليه ما النافية لأن حرف النفي قد نفى
الأفضلية فتبقى المساواة بين ذلك أن تقول ما الزهر إذا بكى الغمام فضحك بأحسن من
أخلاق زيد فالمساواة بين الزهر والأخلاق ههنا ثابتة بالشروط المذكورة ومن الأمثلة
الشعرية قول الأعشى
"
ما روضة من رياض الحسن معشبة ... غناء جاد عليها مسبل هطل "
" يضاحك الزهر منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل "
" يوما بأطيب منها طيب رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل "
وقد يجيء الفرع والأصل في بيت واحد كقول أبي تمام
"
ما ربع مية معمورا يطيف به ... غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب "
" ولا الخدود وإن أدمين من خجل ... أشهى إلى ناظري من خدها الترب "
فذكر في البيت الأول الأصل والفرع وكذلك في البيت الثاني فالأصل هو الاسم المنفي مع
ما ذكر من أوصافه والفرع هو أفعل التفضيل مع ما يتعلق به
ويعجبني في هذا الباب قول إبراهيم بن سهل الاشبيلي نم قصيدة وهو
"
وما وجد أعرابية بان دارها ... وحنت إلى بان الحجاز ورنده "
إذا انست ركبا تكفل شوقها
... بنار قراه والدموع بورده " " وإن أوقدوا المصباح ظنوه "
" بارقا ... يحيي فهشت للسلام ورده
"
بأعظم من وجدي بموسى وإنما ... يرى أنني أذنبت ذنبا لوده "
ومن إنشاء القاضي شهاب الدين محمود في هذا الباب قوله وما أم طفل قذفها الزمن
العنيد في بعض البيد في أرض موحشة المسالك قليلة السالك قد لمع صوابها وتوقدت
هضابها وصرخ بومها ونفر ظليمها وحضر سمومها وغاب نسيمها فلما خافت على ولدها من
الظمأ الهلاك أجلسته إلى جنب كثيب هناك ثم ذهبت في طلب الماء للغلام لئلا يقضي
عليه الأوام فانتهى بها المسير إلى روضة وغدير وآثار مطي بوارك تدل على أن الطريق
هنالك فعادت إلى ولدها مسرعه وكل أعضائها إليه عيون متطلعه فلما شارفت جنب
الكثيب رأت ولدها في فم الذيب
"
بأكثر مني حسرة وتلهفا ... وأعظم مني حرقة وتأسفا "
" وأغزر دمعا عندما قيل لي الذي ... كلفت به أضحى على البعد مزمعا "
وذكر صاحب الإيضاح للتفريع قسما ثانيا لم يذكره غيره ولا نسج على منواله أصحاب
البديعيات فألغيته أيضا والشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع اخترع قسما ثالثا
ولكن وجدت هذا النوع الذي نحن بصدده أحلى في الأذواق وأوقع في القلوب وعلى سنن ه
مشى أصحاب البديعيات فألغيت أيضا ما اخترعه ابن أبي الأصبع رحمه الله
خزانة الأدب وغاية الأربتقي
الدين أبي بكر علي بن عبد الله الحموي الأزراري
555
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي على هذا النوع في وصف الصحابة رضي الله عنهم
أجمعين
ما روضة وشع الوسمي بردتها
... يوما بأحسن من اثار سعيهم " والعميان ما نظموا هذا "
النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته قوله
ما الدوح تفريعه بالزهر متسق
... نظما بأطيب من تعريف ذكرهم " وبيت بديعيتي أقول "
فيه عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
"
ما العود إن فاح نشرا أو شدا طربا ... يوما بأطيب من تفريع وصفهم "
هذا البيت فيه نوع التفريع الذي هو القصد هنا والتورية بتسميته والاستخدام ومرعاة النظير
وفيه الانسجام والتمكين والله أعلم
أخي هذا النص تجده في خزانة الأدب للحموي
وفقك الله