نصرانيــة علمتنــى ..!
باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قد تستغربون العنوان إلا إنه حق لا مرية فيه ، ولابد من مقدمة للقصة :
** تمر بنا في كل يوم أحداث كثيرة ، ولكننا لم نعتد التوقف عند ما يستحق منها التوقف ، ولا ننتبه لنعمة الله علينا عندما يتفضل بسوق مثل تلك المواقف إلينا ؛ لينبهنا بحكمته إلى أن هناك خللاً قد يكون جللاً في معتقدنا ...
ولكننا - وبكل أسف - قليلا ما ننتبه إلى الاستفادة من تلكم المواقف ....!
ومن المواقف التي حدثت معي ، ولم أنسها قط ، رغم بعد العهد بها : قول لنصرانية أطلقته ببساطة شديدة ، فإذا هو سهام صائبات ، أخذت بجماع نفسي ، وزلزلت عميق قلبي .... !!
* ولنبدأ من البداية :
أصيبت إحدى عيني صغيري في حادثة ، واستوجب علاجه إقامتي معه في المشفى القريب لعدة أيام ، وكنت وصغيري في مكان فيه العديد من المرضى ، إلى أن أتت إلى قسم العيون - ذات صباح - عجوز :
نصرانية متواضعة المظهر جدا جدا ، وكانت في رفقتها كنّة لها على نفس السمت المتواضع ، فلما رأيتهما وكانتا الوحيدتين غير المسلمتين استخففت - في نفسي - بأمرهما ؛ فأنت تقابل أحيانا أشخاصا هم فى نظرك لا يستحقون إلقاء نظرة ثانية عليهم ، ليس هذا من باب الكبر - حاشا لله - لا بل من باب : إنه ما من داعٍ يدعوك لتكرار النظر ؛ فكما سبق وأشرت إلى تواضعهما في المظهر والهيئة ؛ مما يدل على فقر شديد ، ومستوى علمي متدنٍ إضافةً إلى اختلاف الديانة - ولعله السبب الرئيس في نفور النفس منهما .
نعود لأحداث قصتنا :
كانت العجوز إضافة إلى مرض عينيها المتسبب في دخولها هذا القسم الطبي معنا عندها ضعف شديد جدا في سمعها ، فكلما أرادت أم فلان الكنّة من العجوز شيئا صرخت به تكرره لها ...!!
واستمر الحال فترة ؛ فقلت لها ؛ مشفقة على نفسي وعليها وعلى الجميع من الصراخ المتكرر :
لمَ لا تصنعون لها سماعة تجبر ذاك العجز أو ماشابه ؟!!
فنظرت إليّ بدهشة و قالت - طبعا أعني أم فلان الكنّة - :
قد رحمها الرب من خَطِيَّة تسمعها بأذنها ؛ فلـــــمَ نفعــــل ؟!!
- فسكتُّ ، ولم أُحر جوابا ؛ فقد ألقمتني حجرا ، لا لا
بل سددت سهاما أصابت أعماق قلبي !!!
يالله ! من أين لمثلها مثل تلك العقيدة ؟!!
وأخذت أتأمل عميق معاني كلماتها التي أخرجتها
من بين شفتيها ببساطة أدهشتني ، لا بل صعقتني !!
فكلماتها تعني :
إن كل أقدار الله خير ، حتى البلاء هو - بلا شك- عين الرحمة إذا تدبرنا فوائده ، ورزقنا الله بصيرة لمسنا بها بعض الحكم من تقديره علينا .
وكنت -بالطبع - أعلم تلك المعلومة كما تعلمونها جميعا بلا شك ، ولكن فرق بين العلم والتطبيق العملي .
وشردت مع كلماتها حتى كدت أبكي حسرة ؛ لأني لم أنتبه لما نبهتنى هي إليه بكل بساطة و بصورة عملية محضة ...!!
وحدثتُ نفسي آسفة : من أولى بهذا المعتقد ؟
هي مع شركها وبساطتها الشديدة ، أم أنــا ؟!
وهنا قلتُ لنفسي : أنــا ! وما أنــا ؟ !!
هي علمتني تطبيق المعتقد على مواقف الحياة ،
دون أن تدري : أن الله أهدى إليّ هدية عظيمة الفائدة على يديها.
والحق أني وعيت الدرس جيدا : فمازلت - من يومها -
أبحث في كل موقف أمر به عن تلكم الحكم اللطيفة فى خلق الله لأفعالنا وابتلائه لنـا..
فأستشعر بذلك واسع رحماته ، وجميل ألطافه ، في كل أقداره الكونية منها والشرعية .
* ومن باب : من صنع إليكم معروفا فكافؤه :
أدعو الله أن يهديها - بفضله - إلى الإسلام .
وأحمده تعالى ؛ على هديته إليّ أحوج ما أكون إليها ، وأنا أهديها لكم عسى الله أن ينفعكم بها .
نسأل الله تعالى : البصيرة فى الأمر ، والعزيمة على الرشد ؛ إنه بكل جميل كفيل ...