تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الخشوع في الصلاة وطرق تحصيله

  1. #1

    افتراضي الخشوع في الصلاة وطرق تحصيله



    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اقتدى بهداه .

    أما بعد،،،
    " فاعلم أن للصلاة أركاناً وواجبات وسنناً، وروحها النية ةالإخلاص والخشوع وحضور القلب؛ فإن الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال، ومع دعم حضورالقلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة؛ لأن الناطق إذا لم يعرب عما في الضمير كان منزلة الهذيان، وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال؛ لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، من الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً؛ لم يحصل المقصود؛ فإن الفعل متى خرج عن مقصوده بقي صورة لا اعتبار بها، قال الله –تعالى- : {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }[ الحج : 37 ]، والمقصود : أن الواصل إلى الله -سبحانه وتعالى- هو الوصف الذي استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلابد من حضور القلب في الصلاة، ولكن سامح الشارع في غفلة تطرأ؛ لأن حضور القلب في أولها ينسحب على باقيها "(1) .

    وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " من صلى سجدتين لا يسهو فيهما؛ غفر له ما تقدم من ذنبه "(2) .

    وقال -عليه الصلاة والسلام- : " ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله "(3) .

    وقال أبوهريرة : " الصلاة قربان، إنما مثل الصلاة كمثل رجل أراد من إمام حاجة، فأهدى له هدية، إذا قام الرجل إلى الصلاة فإنه في مقام عظيم واقف فيه على الله يناجيه ويرضاه قائماً بين يدي الرحمن، يسمع لقيله، ويرى عمله، ويعلم ما يوسوس به نفسه، فليقبل على الله بقلبه وجسده، ثم ليرم ببصره قصد وجهه خاشعاً، أو ليخفضه؛ فهو أقل لسهوه، ولا يلتفت ولا يحرك شيئاً بيده ولا برجليه ولا شيئاً من جوارحه حتى يفرغ من صلاته، وليبشر من فعل هذا، ولا قوة إلا بالله "(4) .

    * * * * *

    وهكذا كان هدي السلف، ودونك بعض أحوالهم :

    - قال سهل بن سعد الساعدي : " كان أبوبكر لا يلتفت في صلاته "(5) .

    - وقال الأعمش : " كان عبد الله -يعني : ابن مسعود- إذا صلى كأنه ثوب ملقى "(6) .

    - وقال مجاهد : " كان عبد الله بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وكان يقول : ذلك من الخشوع في الصلاة "(8) .

    - وقال عمرو بن دينار : " كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصب تُوبُه(8) فما يلتفت -يعني : لما حاصروه- "(9) .

    - وعن عمر بن قيس، عن أمه : " أنها دخلت على ابن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا : الحية الحية ! ثم رموها، فما قطع صلاته "(10) .

    - وقال ثابت البناني : " كنت أمر بابن الزبير وهو يصلي خلف المقام كأنه خشبة منصوبة، لا يتحرك "(11) .

    - وعن يحيى بن وثاب : " أن ابن الزبير كان إذا سجد وقعت العصافير على ظهره تصعد وتنزل لا تراه إلا جذْم حائط "(12) .

    - وقال أبونوح الأنصاري : " وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون له : يا ابن رسول الله ! النار، يا ابن رسول الله ! النار .
    فما رفع رأسه حتى طفئت، فقيل له : ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : " ألهاني عنها النار الأخرى "(13) .

    - وقال عبد الله بن أبي سليمان، : " كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له : ما لك ؟ فقال : " تدرون بين يدي من أقوم، ومن أناجي ؟ "(14) .

    - وقال الحسن البصري : سمعهم عامر بن عبد قيس وما يذكرونه من أمر الضيعة في الصلاة، فقال : اتجدونه ؟
    قالوا : نعم .
    قال : " والله ! لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن يكون هذا مني في صلاتي "(15) .

    - وقال يحيى بن معين : " كان المعلى بن منصور الرازي يوماً يصلي، فوقع على رأسه كور الزنابير، فما التفت ولا انفتل حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا؛ من شدة الانتفاخ "(16) .

    - وقال الأعمش : " كان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذْم حائط، ينزل على ظهره العصافير "(17) .

    - وقال أحمد بن سنان الواسطي : " رأيت وكيعاً إذا قام في الصلاة ليس يتحرك منه شيء، لا يزول ولا يميل على رجل دون الأخرى، لا يتحرك كأنه صخرة قائمة " (18) .

    - وقال ابن عون : " رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد "(19) .

    - وقال غيلان بن جرير : " كان مسلم بن يسار إذا رؤي وهو يصلي كأنه ثوب ملقى "(20) .

    - وقال أبوالقاسم الهذلي في (( كامله )) : " ومنهم : يعقوب الحضرمي، لم ير في زمنه مثله، بلغ من زهده : أنه سرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة، ولم يشعر، ورد اليه فلم يشعر؛ لشغله بعبادة ربه "(21) .

    * * * * *

    - قال بشر بن الحارث : " بحسبك أن قوماً موتى تحيا القلب بذكرهم، وأن قوماً أحياء تقسو القلوب القلوب برؤيتهم "(22) .

    * * * * *

    والخشوع محله القلب، فإذا خشع القلب؛ خشعت الجوارح كلها لخشوعه؛ إذ هو ملكها، قال النبي : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب "(23) .
    فالقلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملك صالحاً؛ كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسداً؛ كانت جنوده بهذه المشابهة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم(24) .

    وقال ابن جرير الطبري : " أصل الخشوع : التواضع والتذلل والاستكانة "(25) .

    وقال ابن تيمية : " والخشوع يتضمن معنيين : أحدهما : التواضع والذل، والثانى : السكون والطمأنينة .
    وذلك مستلزم للين القلب المنافى للقسوة، فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته أيضاً، ولهذا كان الخشوع فى الصلاة يتضمن هذا وهذا، و خشوع الجسد تبع لخشوع القلب إذا لم يكن الرجل مرائياً يُظهر ما ليس فى قلبه، كما روي : " تعوذوا بالله من خشوع النفاق " ، وهو أن يُرى الجسد خاشعاً والقلب خالياً لاهياً، فهو –سبحانه- استبطأ المؤمنين بقوله : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}[الحديد : 16]، وهؤلاء هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، واذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وكذلك قال فى الآية الأخرى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر : 23]، والذين يخشون ربهم هم الذين إذا ذكر الله –تعالى- ؛ وجلت قلوبهم .
    فإن قيل : فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب ؟
    قيل : نعم، لكن الناس فيه على قسمين : مقتصد وسابق، فالسابقون : يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار : هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة .
    ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه، وفى الحديث الصحيح عن النبى -صلى الله عليه وسلم- : " اللهم ! إنى أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع " .
    وقد ذم الله قسوة القلوب المنافية للخشوع فى غير موضع فقال –تعالى- {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة : 74] "(26) .

    وقال القرطبي : " اختلف الناس في الخشوع، هل هو من الفرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها ؟ على قولين، والصحيح : الأول، ومحله القلب "(27) .

    وقال ابن تيمية : " الذم أو السخط لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم، وإذا كان غير الخاشعين مذمومين؛ دل ذلك على وجوب الخشوع فمن المعلوم أن الخشوع المذكور فى قوله –تعالى- {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة : 45]، لابد أن يتضمن الخشوع فى الصلاة؛ فإنه لو كان المراد الخشوع خارج الصلاة؛ لفسد المعنى؛ إذ لو قيل إن الصلاة لكبيرة إلا على من خشع خارجها ولم يخشع فيها؛ كان يقتضى أنها لا تكبر على من لم يخشع فيها وتكبر على من خشع فيها، وقد انتفى مدلول الآية؛ فثبت أن الخشوع واجب فى الصلاة .
    ويدل على وجوب الخشوع فيها –أيضا- قوله –تعالى- {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون : 1-11]، أخبر -سبحانه وتعالى- أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضى أنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب؛ لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات، ولهذا لم يذكر فى هذه الخصال إلا ما هو واجب "(28) .

    وقال -أيضاً- : " ويدل على وجوب الخشوع فى الصلاة أن النبى -صلى الله عليه وسلم- توعد تاركيه، كالذى يرفع بصره إلى السماء، فإنه حركته ورفعه، وهو ضد حال الخاشع، فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم فى صلاتهم " ، فافشتد قوله فى ذلك، فقال : " لينتهن عن ذلك؛ أو لتخطفن أبصارهم " ، وعن جابر بن سمرة قال : دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد، وفيه ناس يصلون رافعي أبصارهم إلى السماء، فقال : " لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء؛ أو لا ترجع إليهم أبصارهم " .
    الأول فى (( البخارى )) ، والثانى فى (( مسلم )) ، وكلاهما فى (( سنن أبى داود )) و (( النسائى )) و (( ابن ماجه )) .
    وقال محمد بن سيرين : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع بصره فى الصلاة، فلما نزلت هذه الآية : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون : 1-2] لم يكن يجاوز بصره موضع سجوده .
    رواه الإمام أحمد فى (( كتاب الناسخ والمنسوخ )) .
    فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع؛ حرمه النبى -صلى الله عليه وسلم- وتوعد عليه "(29) .

    * * * * *

    والخشوع في الصلاة يُتحصل بالإتيان بأشياء كثيرة، منها(30) :

    - حضور القلب، ومعناه أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له، وسبب ذلك الهمة، فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة، فلا علاك لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة .
    وانصراف الهمة يقوى ويعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا، فمتى رأيت قلبك لا يحضر في الصلاة؛ فاعلم أن سببه ضعف الإيمان، فاجتهد في تقيته .

    - التفهم لمعنى الكلام، فإنه أمر وراء حضور القلب؛ لأنه ربما كان القلب حاضراً مع اللفظ دون المعنى ، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فإن المواد إذا لم تنقطع؛ لم تنصرف الخواطر .
    والمواد إما ظاهرة، وهي ما يشغل السمع والبصر، وإما باطنة، وهي أشد، كمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا، فإنه لا ينحصر فكره في فن واحد، ولم يغنه غض بصره؛ لأن ما وقع في القلب كاف بالاشتغال به، وعلاج ذلك :
    إن كان من المواد الظاهرة بقطع ما يشغل السمع والبصر، وهو القرب من القبلة، والنظر إلى موضع السجود، والاحتراز من المواضع المنقوشة، وألا يترك عندم ما يشغل حسه .
    وإن كان من المواد الباطنة، فطريق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقرأ، ويشغلها به عن غيره، ويستعد لذلك قبل الدخول إلى الصلاة، بأن يقضي أشغاله، ويجتهد في تفريغ قلبه، ويجدد على نفسه ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله -عز وجل- وهول المطلع، فإن لم تسكن الأفكار بذلك؛ فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه، فليترك تلك الشهوات وليقطع تلك العلائق .
    قال ابن قدامة : " اعلم أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوي، والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة في المجاذبة .
    ومثل ذلك، كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، وكانت أصوت العصافير تشوش عليه، وفي يده شبة يطير بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له : هذا شيء لا ينقطع، فإن أردت الخلاص؛ فاقطع الشجرة .
    فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها، انجذبت إليها الأفكار، كنجذاب العصافير إلى الأشجار، والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع .
    وسبب هذه الشهوة التي توجب هذه الفكار حب الدنيا .
    واعلم أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب، وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد في الممكن منه، والله الموفق المعين "(31) .

    - التعظيم لله والهيبة، وذلك يتولد من شيئين : معرفة جلال الله -تعالى- وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة؛ فيتولد من المعرفتين : الاستكانة والخشوع .
    ومن ذلك : الرجاء، فإنه زائد على الخوف، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته، كما يرجو بره .
    والمصلي ينبغي أن يكون راجياً بصلاتهالثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب .


    قال الحسن البصري : " إذا قمت إلى الصلاة، فقم قانتاً كما أمرك الله، وإياك والسهو والالتفات؛ أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، تسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وقلبك ساه، ولا تدري ما تقول بلسانك "(32) .

    وقال يوسف بن الحسين : سُئل ذو النون عن الخشوع في الصلاة ؟
    فقال : " إجماع الهمم في الصلاة للصلاة، حتى لا يكون له شغل سواه " (33) .

    وقال أبوالحسين المجاشعي : قيل لعامر بن عبد قيس : أتحدث نفسك في الصلاة ؟ قال : " أحدثها بالوقوف بين يدي الله ومنصرفي "(34) .

    * * * * *

    قال ابن قدامة : " ينبعي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة .
    فإذا سمع نداء المؤذن؛ فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر بماذا يجيب، وبأي بدن يحضر .
    وإذا ستر عورته؛ فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق؛ فليذكرعورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم والحياء والتوبة .
    وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله -تعالى- ، فصرف قلبه إلى الله -تعالى- أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها؛ كذلك القلب لا ينصرف إلى الله -تعالى- إلا بالانصراف عما سواه .
    وإذا كبرت أيها المصلي ! فلا يكذبن قلبك لسانك؛ لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله -تعالى- فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوىعندك أكبر، بدليل إيثارك موافقة طاعة الله -تعالى- .
    فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك؛ كان كلاك لغواً .
    وتفهم معنى ما تتلو، وأحر التفهم بقلبك، عند قولك : {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة : 2]، واستحضر لطفه عند قولك : {الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة : 3]، وعظمته عند قولك : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 4]، وكذلك في جميع ما تتلو .
    واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل؛ لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه، وتفهم معن الأذكار بالذوق .
    واعلم أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلوب من الصدأ، وحصول ألنوار فيه، التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره، وما يعقلها إلا العالمون .
    فأما من هو قائم بصور ةالصلاة دون معانيها؛ فإنه لا يطلع على شيء من ذلك، بل ينكر وجوده "(35) .

    * * * * *

    قال أحمد : " رحم الله من غنم بصلاته، وأقبل فيها إلى ربه خاشعاً خاضعاً ذليلاً لله -عز وجل- "(36) .

    * * * * *

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    وكتبه : محمد بن عبده آل محمد الأبيضي
    ليلة الجمعة 11 / رمضان / 1426 هـ

    * * * * *

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــ
    (1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ( ص 29 ) .
    (2) أخرجه أحمد ( 10 / 63 / 21587 ) بإسناد حسن .
    (3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة بعده، ( 1 / 215 / 228 ) .
    (4) أخرجه ابن المبارك في الزهد ( 250-251 / 1076 )، ومن طريقه : ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة ( 1 / 185 / 133 ) .
    (5) أخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة ( 1 / 207 / 229 ) .
    (6) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 2 / 125 / 7249 ) .
    (7) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 2 / 125 / 7245 )، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة ( 1 / 207 / 230 )، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة ( 1 / 191 / 144 )، وأبونعيم في حلية الأولياء ( 1 / 335 ) - ومن طريقه : ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 28 / 169-170 )، والفاكهي في أخبار مكة ( 2 / 317 و318 / 1578 و1579 )، وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 28 / 169 و170 ) .
    (8) التوب : حجر المنجنيق .
    (9) انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ( 3 / 369 ) .
    (10) انظر : سير أعلام النبلاء ( 3 / 370 ) .
    (11) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 28 / 170 ) .
    (12) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 28 / 170 ) .
    (13) أخرجه ابن أبي الدنيا في التخويف بالنار ( 23 )، ومن طريقه : ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 41 / 377 ) .
    (14) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ( 5 / 216 )، ومن طريقه : ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 41 / 378 ) .
    (15) أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء ( 2 / 92 ) .
    (16) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ( 13 / 188 ) .
    (17) انظر : سير أعلام النبلاء ( 5/ 61 ) .
    (18) أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 1 / 222 ) .
    (19) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 2 / 125 / 7248 ) .
    (20) أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء ( 2 / 291 )، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ( 2 / 52 ) .
    (21) انظر : سير أعلام النبلاء ( 10 / 173 ) .
    (22) أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية ( ص 46 ) .
    (23) أخرجه الستة من حديث النعمان بن بشير .
    (24) انظر : جامع العلوم والحكم لابن رجب ( 1 / 216 ) .
    (25) جامع البيان ( 1 / 261 ) .
    (26) مجموع الفتاوى ( 7 / 27-30 ) .
    (27) الجامع لأحكام القرآن ( 12 / 104 ) .
    (28) مجموع الفتاوى ( 22 / 553-554 ) .
    (29) مجموع الفتاوى ( 22 / 558-559 ) .
    (30) انظر : مختصر منهاج القاصدين ( ص 30-31 ) .
    (31) مختصر منهاج القاصدين ( ص 30-31 ) .
    (32) أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة ( 1 / 189 / 140 ) .
    (33) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ( 3 / 151 / 3168 ) .
    (34) انظر : سير أعلام النبلاء ( 4 / 17 ) .
    (35) مختصر منهاج القاصدين ( ص 31-32 ) .
    (36) رسالة الصلاة ( ص 61 ) .


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي


    وفقك الله أخي أبا المنهال، ومرحباً بك في مجلس الألوكة العلمي


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: الخشوع في الصلاة وطرق تحصيله

    جزاكم الله خيرا.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •