التشاكل والتباين في أسلوب الحديث النبوي الشريف /بقلم محفوظ فرج إبراهيم

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ



قال الرسول صلى الله عليه وسلم

( إن شرّ الرعاء الحطمة ، فإياك أن تكونَ منهم ) صحيح أخرجه مسلم 1830 رياض الصالحين 193


ـــــــــــــــ ـــــــــــــ

منهاج تربوي يسنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو القصد الذي تنفتح عليهالشريعة السمحاء بيسر ، واعتدال لتنطلق منه الفرادة الناجحة في مساراتهامن خلال طريقة التعامل مع الحياة ( كل راع مسؤول عن رعيته )، وهذهالمسؤولية يجب أن تكون خالية من بوادر العنف، والقوة تجاه من نرعاه .
والحديث الشريف في تركيبه قائم على التباين إذ استوعب علم المعاني فيجملتين هما الخبر ( إن شر الرعاء الحطمة )، والإنشاء ( فإياك أن تكون منهم ) وكأن جملة الخبر قيلت جوابا على سؤال سائل يسأل الرسول صلى الله عليهوسلم ( إن شر الرعاء الحطمة ) حيث جاء الخبر مؤكدا بان ّإزالة الشك من نفسالسائل ( إن ) حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد ( شر) اسم إن منصوب مضاف (الرعاء ) مضاف إليه مجرور
( الحطمة ) خبر إن مرفوع .:
الرعاء / جمع راع بكسر المشددة آخره ألف ممدودة
الحطمة / هو العنيف برعاية الإبل ضربها صلى الله عليه وسلم مثلا لوالي السوء : أي القاسي الذي يظلم الرعية
ولا يرق لهم، ولا يرحمهم.
وإذا كان الحديث الشريف يقول إن شر راع في رعيته هو الظالم القاسي ؛ فانتركيب الجملة في مفرداتها وحروفها قد تشاكل( 33) مع المدلول مع إن الخبر قدتباين (34) مع الإنشاء ( إياك أن تكون منهم ).
فبؤرة الحديث الشريف هي ذم الشدة،والعنف، والقوة،وأي متلق يستطيع ببساطة أن يتبين المدلولات في كل حرف، وكلمة.
(إن شر الرعاء الحطمة ) و ( الهمزة ) المتكررة مرتين في ( إن ) و (الرعاء ) والعين في ( الرعاء ) والحاء في ( الحطمة ) حرفا حلق يوضحان عمقعدم رضاه صلى الله عليه وسلم على كل ظالم، وقاس في تعامله مع رعيته فتتابعالهمزة مثلا يدل على التألم والرثاء(35)، وهذا ما يشير إلى حزنه، وأساه صلى اللهعليه، وسلم ثم إن صوت النون في ( إن ) يعني الغنة والغمة والأنة والأنيننتيجة القسوة(36) .
وحين نعود إلى التشاكل في ( شرّّ ) و ( الرّّعاء ) في تشديد( الراء) فان ذلك يفضي إلى الشدة، والعنف
وحين ننتقل إلى الخبر ( الحطمة )، وهي كما قلنا الراعي العنيف القاسي علىإبله ،وتبينا اشتقاقها فهي من ( حطم ) وهي تدمير الشيء، والقسوة ،ولا شك أنالقسوة، والعنف تحط من قيمة الراعي في دنياه، وآخرته، وأول حرفين من الحطمةهما ( حط ).
و (الحطمة ) الخبر تحمل بين ثناياها معنى جهنم قال تعالى ( كلا لينبذن في الحطمة ) وهي سابقة للتباين الذي يليها في التحذير ( إياكأن تكون منهم ) هذه هي أصوات الحروف، والمفردات صورة فنية نفسية تجلتخطوطها وألوانها من خلال الجرس، والصوت .
(إياك أن تكون منهم ) جملةفعلية هي إنشاء قائم على أسلوب الطلب ( إياك أن تكون منهم ) مفعولان لفعلوفاعل محذوفان وجوبا ( أحذر أنا ) فليس عنايته صلى الله عليه وسلم فيإيصال القصد من الفعل والفاعل ، وإنما إيصال الخطاب للمفعول به المقصود به،ولكن التباين في هذه الجملة هي مما يضيف المعنى إلى التشاكل في الجملةالأولى فالتعدي في الفعل المحذوف يضيف إلى البؤرة أن الظلم، والقسوة فيالراعي هو تعد على الرعية، وإياك المضافة إلى كاف الخطاب بحد ذاتها لا تخلومن تهويل، وترهيب في تشديد الياء، وألف المد المترامية .

محفوظ فرج /سامراء 1429هـ
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ

( 33) التشاكل / هو تنمية لنواة معنوية سلبا، أو إيجابا باركام قسري، أو اختياري لعناصر صوتية، ومعجمية، وتركيبية وتداولية ضمانا لانسجام الرسالة / تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص / د. محمد مفتاح الطبعة الأولى 1985 مدار التنوير للطباعة والنشر بيروت لبنان ص 25

( 34) التباين / وهوحينما يكون هناك صراع، وتوتر بين طرفين، أو أطراف متعددة كالخبر، والإنشاء،والجملة الفعلية والاسمية تحليل الخطاب الشعري ص 7
(35) تحليل الخطاب الشعري ص175
(36)المرجع نفسه ص184