الباطنية وامتداداتها الخفية المدسوسة في الفكر الصوفيأ.د. أمل العلمي
في المبحث المعنون "الباطنية" بالموسوعة الإسلامية العامة[1] نجد تعريف المصطلح الباطنية على هذا النحو: "الباطنية لقب شامل لفرق كثيرة، حقيقة اتجاهاتها واحدة، وأزياؤها وأسماؤها مختلفة. وقد اتفق كثير من كتاب الملل والنحل على أن ألقابهم خمسة عشر أشهرها الباطنية والقرامطة والإسماعلية والمباركية والسبعية والتعليمية والرافضة والإباحية والملاحدة والزنادقة والمزدكية والبابكية والخرمية والمحمرة والخرمندينية وفي زماننا نجد البابية والبهائية.[2]
هذا، وتزخر المكتبة التراثية الإسلامية بعدة مراجع تدرس بصفة عامة الملل والأهواء والنحل نجد فيها الكثير من حقائق عقائد الباطنية بوجه عام، ولعل من أهم المراجع التي كتبت فيما يخص الباطنية بوجه خاص: فضائح الباطنية للغزالي، وقواعد آل محمد الباطنية لمحمد بن الحسن الديلمي اليماني، وكشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة لمحمد بن مالك بن الفاضل الحمادي اليماني...
وهذه الرسالة الأخيرة يقول عنها الأستاذ الدكتور عبد القادر محمود: "لكن هناك رسالة صغيرة[3]. لا تزيد عن أربع وأربعين ورقة، كتبها واحد من أصدق فقهاء وعلماء السنة الذين عاشروا الباطنية فترة طويلة، وهو العالم الفقيه محمد بن مالك بن الفاضل الحمادي اليماني، أحد فقهاء السنة في اليمن، في أواسط المائة الخامسة للهجرة، هذه الرسالة لها خطورتها وقيمتها العلمية حقاً وصدقاً... وهو يؤكد لنا في مقدمة رسالته: إني رأيت أن أدخل في مذاهبهم لأتيقن من صدق ما قيل عنها من كذبه، ولأطلع على سرائرهم وكتبهم ليعلم المسلمون حقيقتهم وهو يرى. أن أشهر ألقابهم الباطنية لزعمهم أن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً...[4]
ويقول عبد القادر محمود في مبحثه ما ملخصه: « والذي لا شك فيه أنه لم يكد يصبح النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، حتى كانت هذه الدعوة قد انداحت في العالم الإسلامي وسلكت سبيلها المتمرد على الشريعة وعلى الإسلام، وكان الدعاة يحتالون في جذب الجماهير العامة، بإظهار الشعوذات والتخريفات أحياناً، وأحياناً بالاستغراقات والشطحات الصوفية... وكانت أعلامهم بيضاء، في الأغلب الأعم لزعمهم أن دينهم هو النور الخالص الذي تعرج النفوس إليه بعد طوافها وصدق مطافها – كما يزعمون – مع طاعة الأئمة، حتى نهاية الحياة على الأرض. وقد وضع الدعاة وأئمتهم الكبار مخططا موافقا لجميع عوام الناس، وكان لهذا المخطط بلاغات سبعة أو مراحل سبع، وهي على وجه الإجمال » : ... ويذكر المصدر المراحل السبع بشيء من التفصيل لا مجال لاستعراضها كلها في هذا المقام. أما المراحل فهي: 1) مرحلة التدرج 2) مرحلة السرية 3) مرحلة التفلسف 4) إعداد الدعاة 5) زعزعة العقائد في نفوس العامة 6) التأويل بما يتفق والدعوة السرية 7) التطلع الدائم ليل نهار للإمام المنتظر رجوعه.
ونستأثر هنا بالذكر المراحل 3، 4، 5، 6، و7 التي توضح بعض العلاقات المشبوهة مع الفكر الصوفي وعقائد المتصوفة.
- مرحلة التفلسف: على أساس استغلال الأفكار وتطبيقها حرفيا. وفي هذا المقام نجد نظرية العقل الكلي، والنفس الكلية وحلولها في الناطق والنبي والأساس والإمام، وهي مقتبسة من الفلسفة الهللينية.
- إعداد الدعاة: في زي التجار والوعاظ والمتصوفة وأرباب الحرف المختلفة حسب بيئة كل بلد، ومناخه الزراعي والثقافي والفكري، ومع كل داع مساعدون كثيرون، ورسالتهم في بدايتها الأولى تقمص كل دعوة والتلون معها. ثم غرس البذور الجديدة لرسالتهم بعد ذلك على نهج ما يسمونه (بالتفرس والتأنيس والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والخلع والانخلاع ثم التأويل).
- زعزعة العقائد في نفوس العامة، وإثارة التساؤلات العقلية حول أمثال الطواف حول الكعبة، أو تقبيل الحجر الأسود، أو رمي الجمار مثلاً.
- التأويل بما يتفق والدعوة السرية: على أساس أن التأويل لخواص الخواص منهم، والراسخون في العلم، أما الشريعة الإسلامية المعروفة فهي للعوام ضعاف العقول كما يقولون.
- التطلع الدائم ليل نهار للإمام المنتظر رجوعه، وعلى بساط الانتظار الطويل للإمام المخلص، تنفجر القلاقل وتدور المذابح ضد الحكام والولاة طاعة للأمر المنتظر وإفساحاً للمهدي المنتظر.
ويشرح الكاتب موقف الحركات الباطنية من القرآن والسنة بقوله: وقد وقفت الحركات الباطنية أمام القرآن والحديث بالذات موقفاً غُنوصياً واضحاً يعتمد فيما يعتمد على أسلحة التأويل المذهبي والتحريف بما يدعم التأويل ووضع الأحاديث النبوية الكثيرة... ولا شك أن اليهودية من البداية قد تعاونت تعاوناً ضخماً مع الباطنية في كل حركاتها وسكناتها وفي كل ما نسميه بالإسرائيليات حول كل المدخولات والتحريفات والتأويلات. والذي لا شك فيه أن من ثمرات الباطنية ظهرت رسائل إخوان الصفا...[5]
[1] - الباطنية (من ص 257-259) – عبد القادر محمود – الموسوعة الإسلامية العامة بإشراف محمود حمدي زقزوق – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية (التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية) 2003
[2] - الفكر الإسلامي والفلسفات المعارضة في القديم والحديث – د. عبد القادر محمود – ط2 الهيئة العامة للكتاب 1984م (من 23-66)
[3] - رسالة كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة لمحمد بن مالك بن الفاضل الحمادي اليماني طبعت هذه الرسالة لأول مرة سنة 1357هـ-1939م بمطبعة الأنوار بالقاهرة عن مخطوطة يرجع تاريخها إلى سنة 700هـ تحت رقم ب 21364 متداخلة مع رسالة أخرى لمؤلف آخر وانظر بالذات صفحات 8، 11، 19، 20 منها.
[4] - المرجع السابق
[5] - الفكر الإسلامي والفلسفات المعارضة في القديم والحديث – د. عبد القادر محمود