خلاصة الدين الأشعري هو أن تعتقد أن الله تعالى لا طول له ولا عرض ولا سمك وأنه لا داخل العالم ولا خارجه .
وأنى للإنسان بدين كهذا وقد فطره الله تعالى على الدين الحنيف وأعطاه قلباً يعقل به !! فكيف إذا كان يقرأُ القرآن آناء الليل وأطراف النهار !! وهذه أقوال شيوخ الأشاعرة تشهد بذلك :
1- أبو حامد الغزالي : (فإن قيل فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل [الرسول صلى الله عليه وسلم] أنه موجود ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا هو في مكان ولا هو في جهة بل الجهات كلها خالية عنه فهذا هو الحق عند قوم والإفصاح عنه كذلك كما فصح عنه المتكلمون ممكن ولم يكن في عبارته قصور ولا في رغبته في كشف الحق فتور ولا في معرفته نقصان
قلنا: من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بأن هذا لو ذكره لنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالإنكار وقالوا هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل ولا خير في المبالغة في تنزيه ينتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً للخلق إلى سعادة الآخرة رحمة للعالمين ، كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين...وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جداً بل لا يقبله واحد من الألف لا سيما الأمة الأمية)) إلجام العوام عن علم الكلام ص 56-57
2- ابن عساكر : "فإن قيل: إن الجم الغفير في سائر الأزمان وأكثر العامة في جميع البلدان لا يقتدون بالأشعري ولا يقلدونه، ولا يرون مذهبه، وهم السواد الأعظم، وسبيلهم السبيل الأقوم قيل : لا عبرة بكثرة العوام ولا الالتفات إلى الجهّال ، وإنّما الاعتبار بأرباب العلم ، والاقتداء بأصحاب البصيرة والفهم" تبيين كذب المفتري ص331
3- الفخر الرازي : (واعلم أن العلماء المحققين ذكروا أنواعا من الفوائد في إنزال المتشابهات) ثم قال : (الخامس: وهو السبب الأقوى: أن القرآن مشتمل على دعوة الخواصوالعوام ، والعوام تنبوا في أكثر الأمور عن إدراك الحقائق العقلية المحضة، فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه!!، ظن أن هذا عدم محض فوقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب مما تخيلوه وتوهموه، ويكون مخلوطاً بما يدل على الحق الصريح)
أساس التقديس ص192
4- العز بن عبد السلام : ((وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأً معفواً عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العامي ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا ممن أسلم على البحث عن ذلك بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لا انفكاك لهم عنه , وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه , وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات والتوارث والصلاة عليهم إذا ماتوا وتغسيلهم وتكفينهم وحملهم ودفنهم في مقابر المسلمين , ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين , ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه )) قواعد الأحكام( 1/202 )
5- التفتازاني : «فإن قيل: إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة فما بال الكتب السماوية والأحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك من غير أن يقع في موضع واحد منها تصريح بنفي ذلك وتحقيق (؟) كما كررت الدلالة على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحقيقة المعاد وحشر الأجساد في عدة مواضع وأكدت غاية التأكيد، مع أن هذا أيضاً حقيق بغاية التأكيد والتحقيق لما تقرر في فطرة العقلاء مع اختلاف الأديان والآراء من التوجه إلى العلو عند الدعاء ومد الأيدي إلى السماء؟
أجيب: بأنه لما كان التنزيه عن الجهة مما تقصر عنه عقول العامة حتى تكاد تجزم بنفي ما ليس في الجهة كان الأنسبُ في خطاباتهم والأقربُ إلى إصلاحهم والأليقُ بدعوتهم إلى الحق ما يكون ظاهراً في التشبيه وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة على التنزيه المطلق عما هو من سمة الحدوث» [شرح المقاصد 2/50]
وختاما فإن الإيمان بالجهة والصفات ، أمرٌ فطريٌ وعقليٌ فضلاً عما جاء الشرع به ، فمن أنكره فلا حظ له في الإسلام .