رُوي هذا الأثر عن هشام بن عروة مِن طريقين:
1- أبو معاوية الضرير (أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، وسعيد بن منصور في تفسيره، والفراء في تفسيره، والطبري في تفسيره، وابن أبي داود في المصاحف)
2- علي بن مسهر (أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة)
وكلتاهما لا تصح.
أما الطريق الأولى: فأبو معاوية ضعيف في هشام. قال ابن نمير: ((كان أبو معاوية لا يضبط شيئاً مِن حديثه ضبطه لحديث الأعمش، كان يضطرب في غيره اضطراباً شديداً)). وقال الإمام أحمد: ((أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطربٌ لا يحفظها حفظاً جيداً)). وقال الأثرم: قلتُ لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: أبو معاوية صحيح الحديث عن هشام؟ قال: ((ما هو بصحيح الحديث عنه)). وقال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة؟ قال: ((فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم)). وقال أبو داود: ((أبو معاوية إذا جاز حديث الأعمش كثر خطؤه، يخطئ على هشام بن عروة وعلي بن إسماعيل وعلى عبد الله بن عمر)).
وأما الطريق الثانية: فعلي بن مسهر قال فيه الإمام أحمد في رواية الأثرم لما سئل عنه ضمن أصحاب هشام بن عروة: ((كان ذهب بصره، فكان يحدثهم من حفظه)). قال ابن رجب: وأَنكر - يعني أحمد - عليه حديثه عن هشام عن أبيه عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال: وأنا". وقال: ((إنما هو عن هشام عن أبيه مرسل)). وذكر الأثرم أيضاً عن أحمد أنه أنكر حديثاً، فقيل له: رواه علي بن مسهر! فقال: ((إن علي بن مسهر كانت كتبه قد ذهبت، فكتب بعد. فإن كان روى هذا غيرُه، وإلا فليس بشيء يُعتمد)).
وقد رَوى عن علي بن مسهر هذا الحديثَ: أحمد بن إبراهيم الموصلي، وهو فضلاً عن أنه لم يوثقه إلا يحيى بن معين، فإننا لا نعلم له رواية عن علي بن مسهر! فلا هذا من شيوخه ولا ذاك من تلاميذه!
قلتُ: فظهر أن هذا الحديث لم يَروِه أحد مِن أصحاب هشام إلا أبو معاوية وعلي بن مسهر إن صحّت الطريق إليه، وفي روايتهما عن هشام مقال كما نصّ الإمام أحمد. ويتأكد ذلك مع ثبوت نكارة المتن ومخالفته الصريحة للمقطوع به في كتاب الله في قوله سبحانه {لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا مِن خلفه} وقوله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. فالقولُ بأن كُتَّاب المصحف ارتكبوا أخطاء في كتابتهم وغيَّروا الأصلَ المُنزَل وصارت الأمة جمعاء تقرأ القرآن بعدها بهذه الأخطاء إلى يوم القيامة: قولٌ التصديقُ به تكذيبٌ لحِفظ الله لكتابه!
ملحوظة هامة: هذا الحديث لم يخرجه الأئمة في كتب الحديث! بل هو مرويّ في كتب التفسير، وليس له ذِكر لا في الصحيحين ولا في الكتب الأربعة ولا في مسند الإمام أحمد ولا باقي المسانيد والمعاجم! وهذا دليل قوي على أنه باطل لا أصل له.
والله أعلم