تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 123

الموضوع: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    109

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    تابع أخي الكريم ...أثابك الله..
    تسعدنا زيارتكم لموقع الشيخ العلامة أبي أويس محمد بن الأمين بوخبزة الحسني المغربي...
    /http://www.bokhabza.com/

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    403

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم .

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    بارك الله فيكم و أحسن إليكم

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تفسير سورة البيّنة

    و تسمى سورة القيّمة و سورة لم يكن و يقال سورة المنفكين و سورة البرية و هي سورة مدنية عدد آياتها ثمان .

    ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين ) أهل الكتاب هم اليهود و النصارى , و المشركون هم : عبدة الأوثان و النيران من العرب و من العجم .
    فعنوان المشركين لا يتناول أهل الكتاب في عرف القرآن , بل هو خاص بالوثنيين , أعني من يدينون بالإشراك و تعدد الأرباب , فأهل الكتاب لا يتناولهم ذلك العنوان و إن دخل في عقائدهم الشرك , لأنه دخيل لا أصيل , و لذلك ينفرون من وصمة الشرك , و بسببه حل النكاح منهم دون الوثنيين .

    ( منفكين ) منتهين عن كفرهم و ضلالهم الذين هم عليه أي : لا يزالون في غيهم و ضلالهم , لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرا .

    ( حتى تأتيهم البيّنة ) أي الحجة القاطعة و البرهان الساطع و هي هنا النبي صلى الله عليه و سلم .

    و المعنى الإجمالي لهذه الآية ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة ) أن هؤلاء لم يكونوا منفصلين عمّا هم عليه من الديانة تاركين لها إلى غاية مجيء البينة لهم , فلما جاءتهم البينة و هي محمد صلى الله عليه و سلم و كتابه انفكوا أي انقسموا فمنهم من آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم و كتابه و الدين الإسلامي و منهم من كفر فلم يؤمن .

    ( رسول من الله ) أي محمد صلى الله عليه و سلم . أرسله الله يدعو الناس إلى الحق , و أنزل عليه كتابا يتلوه , ليعلم الناس الحكمة و يزكيهم , و يخرجهم من الظلمات إلى النور .

    ( يتلو صحفا مطهرة ) و هي صحف القرآن المطهرة من الخلط و حشو المدلسين , فلهذا تنبعث منها أشعة الحق حتى يعرفه طالبوه و منكروه معا .

    ( فيها كتب قيمة ) قال ابن جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة , ليس فيها خطأ , لأنها من عند الله عز وجل . قال الله تعالى " لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " . و الكتب التي في صحف القرآن و مصاحفه , إما أن تكون هي ما صح من كتب الأولين كموسى و عيسى و غيرهما , مما حكاه الله في كتابه عنهم , فإنه لم يأت منها إلا بما هو قوي سليم , و قد ترك حكاية ما لبّس فيه المتلبسون إلا أن يكون ذكره لبيان بطلانه , و لهذا لم يجد الجاحدون لرسالته عليه السلام من أهل الكتاب سبيلا إلى إنكار الحق , و إنما فضلوا عليه غيره . أو هي سور القرآن , فإن كل سورة من سوره كتاب قويم , فصحف القرآن أو صحائفه و أوراقهمصحفه تحتوي على سور من القرآن هي كتب قيمة .

    ( و ما تفرّق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ماجاءتهم البينة ) أي اليهود و النصارى إلا من بعد ما جاءتهم البينة و هي محمد صلى الله عليه و سلم و كتابه إذ كانوا قبل البعثة المحمدية متفقين على انتظار نبيّ آخر الزمان و أنه النبيّ الخاتم للنبوات فلما جاءهم تفرقوا فآمن بعض و كفر بعض .

    ( و ما أمروا ) أي و الحال أن أهل الكتاب ما أمروا بلسان أنبيائهم و كتبهم , و كذا في القرآن و على لسان نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ( إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) أي قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة و الباطنة وجه الله , و طلب الزلفى لديه .

    ( حنفاء ) مُعرضين مائلين عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد .

    ( و يقيموا الصلاة ) بأن يؤدوها في أوقاتها بشروطها و أركانها و آدابها .

    ( و يؤتوا الزكاة ) أي بصرفها في مصارفها التي عينها الله تعالى .

    و خصّ الصلاة و الزكاة بالذكر مع أنهما داخلان في قوله تعالى " ليعبدوا الله مخلصين " لفضلهما و شرفهما , و كونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين .

    ( و ذلك دين القيمة )
    " و ذلك " أي التوحيد و الإخلاص في الدين , هو " دين القيمة " أي الدين المستقيم , الموصل إلى جنات النعيم , و ما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم .
    و قد استدل كثير من الأئمة , كالزهري و الشافعي , بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان , و لهذا قال " و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حُنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيّمة " .

    ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة ) بعد أن بيّن الدين الحق المنجي من العذاب و الموجب للنعيم و هو الدين الإسلامي أخبر تعالى أن من كفر به من أهل الكتاب و من المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم الله فيهم لكفرهم بالحق و إعراضهم عنه بعد ما جاءتهم البيّنة و عرفوا الطريق و تنكبوه رضا بالباطل و اقتناعا بالكفر و الشرك بدل الإيمان و التوحيد هؤلاء الكفرة الفجرة هم شر الخليقة كلها .

    ( إن الذين ءامنوا ) أي بالله و رسوله محمد صلوات الله عليه ( و عملوا الصالحات ) من بذل النفس في سبيل الجهاد للحق , و بذل المال في أعمال البر , مع القيام بفرائض العبادات , و الإخلاص في سائر ضروب المعاملات , لأن إذعانهم الصحيح ووجدانهم لذة معرفة الحق , ملّكت الحق قيادهم , فعملوا الأعمال الصالحة ( أولئك هم خير البريّة ) أي أفضل الخليقة . لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه , قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها , و بالعمل الصالح , قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنسانيّ , و هَدوا غيرهم بحسن الأسوة إلى مثل ما هُدوا إليه من الخير و السعادة .
    و قد استدل بهذه الآية أبو هريرة رضي الله تعالى عنه و طائفة من العلماء , على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة .

    ( جزاؤهم عند ربهم ) أي يوم القيامة .

    ( جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) أي بساتين إقامة دائما - تجري من تحتها الأنهار - لا يخرجون منها و لا يموتون أبدا .

    ( رضي الله عنهم و رضوا عنه ) رضي الله عنهم بسبب إيمانهم و طاعتهم و رضوا عنه , لأنهم بحسن يقينهم يرتاحون إلى امتثال ما يأمر به في الدنيا , فهم راضون عنه , ثم إذا ذهبوا إلى نعيم الآخرة , وجدوا من فضل الله ما لا محل للسخط معه , فهم راضون عن الله في كل حال .

    ( ذلك لمن خشية ربه ) أي هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله و اتقاه حق تقواه , و عبده كأنه يراه , قد علم أنه إن لم يره فإنه يراه , و إن عصاه يوما تاب و إن أخطأ رجع حتى مات و هو على الطاعة لا على المعصية .
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــ

    فائدة : الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ لا خشية بلا علم قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء " فلذا وجب طلب العلم و هو العلم بالله و محابه و مكارهه ووعده ووعيده إذ ها هو العلم الذي يثمر الخشية .

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تفسير سورة القدر

    مكية و آياتها خمس آيات

    ( إنّا أنزلناه في ليلة القدر ) أي أنزلنا القرآن على قلب خاتم النبيين , بمعنى ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر , و هي الليلة المباركة التي قال الله عز و جل " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " و هي من شهر رمضان , كما قال تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " .
    قال ابن عباس و غيره : أنزل الله القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة من السماء الدنيا , ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث و عشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه و سلم .
    و سميت ليلة القدر لعظم قدرها و فضلها عند الله , و لأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الآجال و الأرزاق و المقادير القدرية .

    ( و ما أدراك ما ليلة القدر ) أي أن شأنها جليل و مقدارها عظيم .

    ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي تعادل من فضلها ألف شهر , فالعمل الذي يقع فيها , خير من العمل في ألف شهر خالية منها , و هذا مما تتحير فيه الألباب , و تندهش له العقول , حيث منّ تبارك و تعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة و القوى , بليلة يكون العمل فيها يقابل و يزيد على ألف شهر , يعني ثلاث و ثمانون سنة و أربعة أشهر .
    و لما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر , ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه " .

    ( تنزّل الملائكة و الروح فيها بإذن ربّهم ) أي يكثر تنزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها , و الملائكة يتنزلون مع تنزل البركة و الرحمة , كما يتنزلون عند تلاوة القرآن و يحيطون بحلق الذكر , و يضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له . و أما الروح فقيل : المراد به هاهنا جبريل عليه السلام , فيكون من باب عطف الخاص على العام , و قيل : هم ضرب من الملائكة . كما تقدم في سورة النبأ , و الله أعلم .

    ( من كل أمر ) قال قتادة و غيره : تقضى فيها الأمور , و تقدر الآجال و الأرزاق , كما قال تعالى " فيها يُفرق كل أمر حكيم " .

    ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) أي سالمة من كل آفة و شر , إذ هي كلها خير من غروب الشمس إلى طلوع فجرها إنها كلها سلام , سلام الملائكة على العابدين من المؤمنين و المؤمنات و سلامة من كل شر . و الحمد لله الذي جعلنا من أهلها .

    و من تحرى ليلة القدر فليتحرها في الوتر من العشر الأواخر , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " رواه البخاري و مسلم , و اللفظ للبخاري .
    و قالت عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل العشر , أحيا الليل , و أيقظ أهله , و شد المئزر " رواه البخاري و مسلم , و لمسلم عنها " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره " .
    و ليجعل دعاءه " اللهم إنّك عفو تحب العفو فاعف عني " لما رواه الإمام أحمد عن عائشة قالت : يا رسول الله , إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال : قولي " اللهم إنّك عفو تحب العفو فاعف عني " صححه الألباني .
    و ليلة القدر هذه باقية في كل سنة إلى قيام الساعة .

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تفسير سورة العلق

    مكية و آياتها تسع عشرة آية

    ( إقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , إقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم , علّم الإنسان ما لم يعلم )

    عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ( كان أوّل ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم , فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح , ثمّ حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه الليالي أولات العدد , قبل أن يرجع إلى أهله , و يتزوّد لذلك , ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها , حتى فَجَئَهُ الحق و هو في غار حراء , فجاءه الملك فقال : إقرأ . قال ما أنا بقارئ , قال فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجَهد . ثم أرسلني فقال : إقرأ . قال قلت : ما أنا بقارئ . قال فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد , ثم أرسلني فقال : إقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطّني الثالثة حتى بلغ منّي الجهد . ثم أرسلني فقال : " إقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , إقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم , علّم الإنسان ما لم يعلم " فرجع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ترجف بوادره ...) رواه البخاري و مسلم و غيرهما و اللفظ لمسلم . فأول شيء نزل من القرآن الكريم هذه الآيات الكريمات المباركات , و هنّ أول رحمة رحم الله بها العباد , و أول نعمة أنعم الله بها عليهم .

    ( إقرأ باسم ربك ) يأمر الله تعالى رسوله أن يقرأ بادئا قراءته بذكر اسم ربّه أي باسم الله الرحمن الرحيم .

    ( الذي خلق ) أي خلق الخلق كله و خلق آدم من طين . قال أبو سعود : ووصف الرب بقوله تعالى " الذي خلق " لتذكير أول النعماء الفائضة عليه الصلاة و السلام منه تعالى , و التنبيه على أن من قدر على خلق الإنسان على ما هو عليه من الحياة و ما يتبعها من الكمالات العلمية و العملية , من مادة لم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات , قادر على تعليم القراءة للحيّ العالم المتكلم .

    ( خلق الإنسان من علق )
    " خلق الإنسان " من أولاد آدم عليه السلام .
    " من علق " و العلق اسم جمع واحدة علقة , و هي قطعة من الدم غليظة , كانت في الأربعين يوما الأولى في الرحم نطفة ثم تطورت إل علقة تعلق بجدار الرحم ثم تتطور في أربعين يوما مضغة لحم , ثم إما أن يؤذن بتخلقها فتخلق و إما لا فيطرحها الرحم قطعة لحم .
    و تخصيص خلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات , لاستقلاله ببدائع الصنع و التدبير و تفخيما لشأنه , إذ هو أشرفها و إليه التنزيل , و هو المأمور بالقراءة , قال الإمام : و من كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا , و هو الحيّ الناطق الذي يسود بعلمه على سائر المخلوقات الأرضية , و يسخرها لخدمته , يقدر أن يجعل من الإنسان الكامل مثل النبي صلى الله عليه و سلم قارئا , و إن لم يسبق له تعلم القراءة , و جاء بهذه الآية بعد سابقتها ليزيد المعنى تأكيدا , كأنه يقول لمن كرر القول أنه ليس بقارئ : أيقن أنك قد صرت قارئا بإذن ربك الذي أوجد الكائنات , و ما القراءة إلا واحدة منها .

    ( إقرأ و ربك الأكرم ) أي كثير الكرم و الإحسان , واسع الجود , الذي من كرمه أن علم بالعلم , قال الإمام : ... أن الله أكرم من كل من يرتجى منه الإعطاء , فيسير عليه أن يفيض عليك هذه النعمة , نعمة القراءة , من بحر كرمه , ثم أراد أن يزيده اطمئنانا بهذه الموهبة الجديدة , فوصف مانحها بأنه " الذي علّم بالقلم " .

    ( الذي علم بالقلم ) أي أفهم الناس بواسطة القلم كما أفهمهم بواسطة اللسان , و القلم آلة جامدة لا حياة فيها , و لا من شأنها في ذاتها الإفهام , فالذي جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم و البيان , ألا يجعل منك قارئا مبيّنا و تاليا معلما و أنت إنسان كامل ؟؟ ثم أراد أن يقطع الشبهة من نفسه , و يبعد عنه استغراب أن يقرأ و لم يكن قارئا , فقال " علم الإنسان ما لم يعلم " .

    ( علم الإنسان ما لم يعلم ) أي إن الذي صدر أمره بأن تكون قارئا و أوجد فيك ملكة القراءة و التلاوة , و سيبلغك فيها مبلغا لم يبلغه سواك , هو الذي علم الإنسان جميع ما هو متمتع به من العلم , و كان في بدء خلقه لا يعلم شيئا , فهل يستغرب من هذا المعلّم الذي ابتدأ العلم للإنسان و لم يكن سبق له علم بالمرة , أن يعلمك القراءة و عندك كثير من العلوم سواها و نفسك مستعدة بها لقبول غيرها .

    ( كلاّ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) أي حقّا إن الإنسان ليتجاوز حدّه و يستكبر على ربه , غذا رأى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه أو بالكلّ و ما أصبح في حاجة إلى غيره , فيتجاوز حدّ الآداب و العدل و الحق و العرف فيتكبر و يظلم و يمنع الحقوق و يحتقر الضعفاء و يسخر بغيره . و أبو جهل كان مضرب المثل في هذا الوصف وصف الطغيان حتى قيل إنه فرعون هذه الأمة .
    كذلك دلالة هذا الكلام فيه ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم بالكفران و الطغيان , أي ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان ينعم عليه ربه بتسوية خلقه و تعليمه ما لم يكن يعلم و إنعامه بما لا كفء له , ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك و يطغى عليه أن رآه استغنى .

    ( إنّ إلى ربك الرّجعى ) أي إلى الله المصير و المرجع في الآخرة , قال أبو سعود : تهديد للطاغي و تحذير له من عاقبة الطغيان .

    ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) نزلت في أبي جهل , لعنه الله , توعد النبي صلى الله عليه و سلم على الصلاة عند البيت . روى البخاري عن ابن عباس : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه , فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم , فقال " لئن فعله لأخذته الملائكة " . و روى مسلم عن أبي هريرة , قال : قال أبو جهل : هل يُعَفِّر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال فقيل : نعم . فقال : و اللاّت و العزّى ! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته , أو لأعفّرنّ وجهه في التراب . قال فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلّي. زعم ليَذأ على رقبته . قال فما فَجِئَهم منه إلاّ و هو ينكص على عقبيه و يتّقي بيديه . قال فقيل له : مالك ؟ فقال : إنّ بيني و بينه لخندقا من نار و هَوْلاً و أجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " .

    ( أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى )
    " أرأيت إن كان " أي المصلي الذي نُهي عن الصلاة و هو الرسول نفسه صلى الله عليه و سلم
    " على الهدى " على الطريق المستقيمة الموصلة إلى سعادة الدنيا و الآخرة و كرامتهما
    " أو أمر بالتقوى " أي أمر غيره بما يتقي به عذاب الدنيا و الآخرة فهل يحسن أن ينهي من هذا وصفه ؟ أليس نهيه من أعظم المحادّة لله و المحاربة للحق ؟ فإن النهي لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى , أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى .

    ( أرأيت إن كذّب و تولى ) أرأيت يا رسولنا إن كذب هذا الذي ينهى عبدا إذا صلى بالحق و الدين , و تولى عن الإيمان و الشرع , كيف يكون حاله يوم يلقى ربه ؟

    ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه و يسمع كلامه , و سيجازيه على فعله أتم الجزاء .

    ( كلاّ لئن لم ينته ) أي : لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق و العناد .

    ( لنسفعا بالناصية ) أي لنأخذنّ بناصيته , أخذا عنيفا و لنسحبنه بها إلى النار . و السفع : القبض على الشيء وجذبه بشدة .

    ( ناصية كاذبة خاطئة ) يعني : ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في فعلها .

    ( فليدع ناديه ) أي قومه و عشيرته و أهل مجلسه و أصحابه ليدعهم يستنصربهم .

    ( سندع الزبانية ) و هم ملائكة العذاب , حتى يعلم من يغلب : أحزبنا أو حزبه .

    ( كلا لاتطعه واسجد و اقترب )
    " كلا لاتطعه " يا محمد , لاتطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة و كثرتها , و صلّ حيث شئت و لا تباله , فإن الله حافظك و ناصرك , و هو يعصمك من الناس .
    " و اسجد واقترب " أي صل لربك و قرب منه بالعبادة و تحبب إليه بالطاعة فإنها تُدني من رضاه و تقرب منه . روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد , فأكثروا الدعاء " .

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تفسير سورة التّين

    مكية و آياتها ثمان

    ( التين و الزيتون و طور سينين و هذا البلد الأمين ) أقسم الله تعالى بالتين و الزيتون , و هو الأرض المقدسة التي ينبت فيها ذلك , و منها بُعث المسيح عيسى بن مريم و أنزل عليه فيها الإنجيل , و أقسم بطور سيناء و هو الجبل الذي كلم الله موسى و ناداه فيه , من واديه الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة , و أقسم بهذا البلد الأمين الذي جعله الله حرما آمنا و يتخطف الناس من حوله و هو مكة الذي أسكن فيها إبراهيم إبنه , و أمه هاجر فيه . و أرسل فيه محمدا صلى الله عليه و سلم .
    قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( " و التين و الزيتون و طور سينين و هذا البلد الأمين " إقساما منه بالأمكنة الشريفة المعظمة الثلاثة , التي ظهر فيها نوره هذا , و أنزل فيها كتبه الثلاثة : التوراة و الإنجيل و القرآن ) .

    ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) تام الخلق , متناسب الأعضاء , منتصب القامة , لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرا أو باطنا شيئا , و مع هذه النعم العظيمة , التي ينبغي منه القيام بشكرها , فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم , مشتغلون باللهو و اللعب , قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمور , و سفاسف الأخلاق , فردهم الله إلى أسفل سافلين .

    ( ثم رددناه إلى أسفل سافلين ) أي جعلناه أسفل من سفل , و هم أصحاب النار , لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين .

    ( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) إلا من منّ الله عليه بالإيمان و العمل الصالح , و الأخلاق الفاضلة العالية , " فلهم " بذلك المنازل العالية و " أجر غير ممنون " أي غير مقطوع , بل لذات متوافرة , و أفراح متواترة , و نعم متكاثرة في أبدٍ لا يزول , ونعيم لا يحول .

    ( فما يكذبك بعد بالدين ) أي شيء يا ابن آدم يحملك على التكذيب بيوم الجزاء على الأعمال , و قد رأيت من آيات الله الكثيرة ما به يحصل لك اليقين , و من نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشيء مما أخبرك به .
    و جُوِّز أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم فيكون ذلك إنكار توبيخي للمكذبين له صلى الله عليه و سلم , بعدما ظهر لهم من دلائل صدقه و صحة مدعاه .

    ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) أي بأحكم من حكم في أحكامه الذي لا يجور و لا يظلم أحدا , و من عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلم في الدنيا ممن ظلمه . قال أبو السعود " أي أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا , حتى يتوهم عدم الإعادة و الجزاء , و حيث استحال عدم كونه أحكم الحاكمين , تعين الإعادة و الجزاء , فالجملة تقرير لما قبلها "

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,154

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    واصل بارك الله فيك !

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    جزاكم الله تعالى كل خير

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة الشرح

    مكية و آياتها ثمان آيات

    ( ألم نشرح لك صدرك ) أي نورناه و جعلناه فسيحا رحيبا واسعا لشرائع الدين و الدعوة إلى الله , و الإتصاف بمكارم الأخلاق , و الإقبال على الآخرة , و تسهيل الخيرات , فلم يكن ضيقا حرجا , لا يكاد ينقاد لخير , و لا تكاد تجده منبسطا .
    و كما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه و لا إصر و لا ضيق .

    ( ووضعنا عنك وزرك ) النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن له وزر حقيقة , لأنه كان محفوظا بحفظ الله تعالى فلم يسجد لصنم و لم يشرب خمرا و لم يقل أو يفعل إثما قط .
    فالأنبياء و الرسل معصومون من الكبائر , و من الصغائر على الراجح , إذا ماهي ذنوب الأنبياء ؟ قال العلماء : ذنوب الأنبياء هي ما كان خلاف الأولى عن اجتهاد يعني يجتهد و لا يصيب الأولى , مثلما اجتهد النبي صلى الله عليه و سلم في أسرى بدر حيث قبل الفدية و أطلق سراحهم , فكان هذا اجتهاد , الله تعالى عاتبه عليه و قال " لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم " قاله الشيخ عبد العظيم بدوي في الدقيقة 53:01 .

    ( الذي أنقض ظهرك ) قال غير واحد من السلف أي أثقلك حمله . و الإنقاض : حصول النقيض و هو صوت فقرات الظهر , و قيل : صوت الجمل أو الرحل أو المركوب إذا ثقل عليه . فالإنقاض التثقيل في الحمل حتى يسمع له نقيض , أي صوت .

    ( و رفعنا لك ذكرك ) أي : أعلينا قدرك , و جعلنا لك الثناء الحسن العالي , الذي لم يصل إليه أحد من الخلق , فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه و سلم , كما في الدخول في الإسلام , و في الأذان و الإقامة و الخطب , و غير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله صلى الله عليه و سلم . و له في قلوب أمته من المحبة و الإجلال و التعظيم ما ليس لأحد غيره , بعد الله تعالى , فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته .

    ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) بشارة عظيمة , أنه كلما وجد عسر و إن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإنه في آخره التيسير الملازم له , حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه , كما قال تعالى " سيجعل الله بعد عسر يسرا " .
    و تعريف " العسر " في الآيتين , يدل على أنه واحد , و تنكير " اليسر " يدل على تكراره , فلن يغلب عسر يسرين .

    ( فإذا فرغت فانصب ) إذا فرغت من أمور الدنيا و أشغالها و قطعت علائقها , فانصب في العبادة , و قم إليها نشيطا فارغ البال , و أخلص لربك النية و الرغبة . و عن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . و قال ابن عباس " فإذا فرغت فانصب " : يعني في الدعاء . و قال زيد بن أسلم و الضحاك " فإذا فرغت " أي : من الجهاد " فانصب " أي في العبادة .

    ( و إلى ربك فارغب ) إرغب بعد كل عمل تقوم به في مثوبة ربك و عطائه و ما عنده من الفضل و الخير إذ هو الذي تعمل له و تنصب من أجله فلاترغب في غيره و لا تطلب سواه .

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة الضحى

    مكية و آياتها إحدى عشر آية

    عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال " اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت يا محمد إنّي لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قد قربك منذ ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله عز وجل ( و الضحى و الليل إذا سجى ماودّعك ربّك و ما قلى ) " رواه البخاري و مسلم . و المرأة هي أم جميل العوراء إمرأة أبي لهب .
    قلت ( عبد الحي ) : و روى مسلم أيضا عن جندب أنه قال : " أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه و سلم , فقال المشركون : قد وُدِّع محمد , فأنزل الله عزّ و جل ( و الضحى و الليل إذا سجى ماودّعك ربّك و ما قلى ) "

    ( و الضحى و الليل إذا سجى )
    " الضحى " هو أول النهار من طلوع الشمس و ارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل .
    " و الليل إذا سجى " أي اشتدّ ظلامه
    و معنى الآية : أن الله تعالى أقسم بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى , و بالليل إذا سجى و ادلهمّت ظلمته , على اعتناء الله برسوله صلى الله عليه و سلم .

    ( ما ودّعك ربك ) أي ما تركك منذ اعتنى بك , و لا أهملك منذ رباك و رعاك , بل لم يزل يربيك أحسن تربية , و يعليك درجة بعد درجة

    ( و ما قلى ) و ما أبغضك , و القالي : المبغض , يعني ما هجرك عن بغض .

    ( و للآخرة خير لك من الأولى ) قال ابن جرير : " أي و للدار الآخرة , و ما أعد الله لك فيها , خير لك من الدار الدنيا و ما فيها " .
    لهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أزهد الناس في الدنيا , و أعظمهم لها إطراحا . و قال القاضي : " أو : لنهاية أمرك خير من بدايته ". فلم يزل صلى الله عليه و سلم في درج المعالي , و يمكن له الله دينه , و ينصره على أعدائه , و يسدد له أحواله , حتى مات , و قد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون و الآخرون , من الفضائل و النعم و قرة العين , و سرور القلب .

    ( و لسوف يعطيك ربك فترضى ) أي يعطيك من فواضل نعمه في العقبى حتى ترضى , و هذه عدّة كريمة شاملة لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من كمال النفس و علوم الأولين و الآخرين , و ظهور الأمر و إعلاء الدين , بالفتوح الواقعة في عصره عليه الصلاة و السلام , و في أيام خلفائه الراشدين و غيرهم من ملوك الإسلام , و فشوّ دعوته في مشارق الأرض و مغاربها , و لما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى , و بالجملة , فهذه الآية جامعة لوجوه الكرامة و أنواع السعادة و شتات الإنعام في الدارين , حيث أجمله ووكله إلى رضاه و هذا غاية الإحسان و الإكرام .

    ثم قال تعالى يعدد نعمه على عبده و رسوله محمد , صلوات الله و سلامه عليه : ( ألم يجدك يتيما فآوى ) و ذلك أن أباه تُوفي و هو حَمل في بطن أمه , و قيل : بعد أن ولد , عليه السلام , ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب و له من العمر ست سنين , ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي و له من العمر ثماني سنين , فكفله عمه أبو طالب , ثم لم يزل يحوطه و ينصره و يَرفع من قدره و يُوقّره , و يكفّ عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره , هذا و أبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان , و كل ذلك بقدر الله و حُسن تدبيره , إلى أن تُوفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل , فأقدم عليه سفهاء قريش و جُهالهم , فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس و الخزرج , كما أجرى الله سُنَّته على الوجه الأتم و الأكمل , فلما وصل إليهم أوَوه و نَصروه و حاطوه و قاتلوا بين يديه , رضي الله عنهم أجمعين , و كل هذا من حفظ الله له و عنايته به .

    ( ووجدك ضالا فهدى ) أي غافلا عما أوحاه إليك من الهدى و الفرقان , فهداك إليه و جعلك إماما له , كما في آية " ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان " قال الشهاب : فالضلال مستعار من " ضل في طريقه " إذا سلك طريقا غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصله للعلوم النافعة , من طريق الإكتساب .

    ( ووجدك عائلا ) أي فقيرا ( فأغنى ) فأغناك بمال خديجة الذي وهبته إياه , أو بما حصل لك من ربح التجارة , ثم بما فتح الله عليك من البلدان , التي جبيت لك أموالها و خراجها , فجمع له بين مقامي , الفقير الصابر و الغني الشاكر , صلوات الله و سلامه عليه .

    ( فأمام اليتيم فلا تقهر ) كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم , و لا تذله و تنهره و تهنه , و لكن أحسن إليه و تلطفه به .

    ( و أما السائل فلا تنهر ) لا يصدر منك إلى السائل كلام يقتضي رده عن مطلوبه , بنهر و شراسة خلق , بل أعطه ما تيسر عندك أو ردّه بمعروف و إحسان , و هذا يدخل فيه السائل للمال , و السائل للعلم , و لهذا كان المعلم مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم , و مباشرته بالإكرام و التحنن عليه , فإن في ذلك معونة له على مقصده , و إكراما لمن كان يسعى في نفع العباد و البلاد .

    ( و أما بنعمة ربك فحدّث ) و النعم هذه تشمل الدينية و الدنيوية , فالدنيوية : كما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله , فحدث بنعمة الله عليك و أوسع في البذل على الفقراء , أما الدينية : فاشكر نعمة الإيمان و الإحسان و الوحي و العلم و الفرقان و ذلك بالتحدث بها إبلاغا و تعليما و تربية و هداية .

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    443

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيك أخ عبدالحي ........... واصل ربي يحفظك
    وووووووووو
    قياس الحياة ليس في طول بقائها و لكن في قوة عطائه

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    جزاكم الله تعالى كل خير و أحسن إليكم

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة الليل

    مكية و آياتها إحدى و عشرون آية

    ( و الليل إذا يغشى ) أي يعم الخلق بظلامه .

    ( و النهار إذا تجلى ) ظهر بزوال ظلمة الليل أو تبين بطلوع الشمس .

    و الليل و النهار هما آيتان من آيات الله الدالتان على ربوبيته تعالى الموجبة لألوهيته .

    ( و ما خلق الذكر و الأنثى ) و هو كقوله تعالى " و خلقناكم أزواجا " و كقوله تعالى " و من كل شيء خلقنا زوجين " .

    ( إن سعيكم لشتى ) أي إن عملكم أيها الناس لمختلف , منه الحسنات الموجبة للسعادة و الكمال في الدارين , و منه السيئات الموجبة للشقاء في الدارين - أي دار الدنيا و الآخرة - .

    ( فأما من أعطى ) أي أعطى ما أمر بإخراجه من العبادات المالية , كالزكوات , و الكفارات و النفقات , و الصدقات , و الإنفاق في وجوه الخير .

    ( و اتقى ) ما نُهي عنه , من المحرمات و المعاصي , على اختلاف أجناسها .

    ( و صدق بالحسنى ) أي صدّق ب " لا إله إلا الله " و ما دلت عليه , من جميع العقائد الدينية , و ما ترتب عليها من الجزاء الأخروي .

    ( فسنيسره لليسرى ) أي فسنهيئه و نوفقه للطريقة اليسرى , التي هي السلوك في طريق الحق , فنيسر له فعل كل خير , و نيسر له ترك كل شر , لأنه أتى بأسباب التيسير , فيسر الله له ذلك .

    ( و أما من بخل ) أي بالنفقة في سبيل الله , و منع ما وهب الله له من فضله من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها. فلم يعط حق الله فيه و لم يتصدق متطوعا في سبيل الله .

    ( و استغنى ) بماله وولده و جاهه فلم يتقرب إلى الله تعالى بطاعته في ترك معاصيه و لا في أداء فرائضه , و لم ير نفسه مفتقرة غاية الإفتقار إلى ربها , الذي لا نجاة و لا فوز و لا فلاح , إلا بأن يكون هو محبوبها و معبودها , الذي تقصده و تتوجه إليه .

    ( و كذّب بالحسنى ) أي بوجود المثوبة للحسنى , لمن آمن الحق , لاسغنائه بالحياة الدنيا و احتجابه بها عن عالم الآخرة .

    ( فسنيسره للعسرى ) أي للطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبدي , و هي العمل بما يكرهه الله تعالى و لا يرضاه من الذنوب و المعاصي و الآثام ليكون ذلك قائده إلى النار , قال الله تعالى " و نُقلّب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرة و نذرهم في طغيانهم يعمهون " .

    ( و ما يغني عنه ماله إذا تردّى ) يخبر تعالى بأن من بخل و استغنى و كذب بالحسنى حفاظا على ماله و شحا به و بخلا أن ينفقه في سبيل ربه هذا المال لا يغني عنه شيئا يوم القيامة إذا ألقي به في نار جهنم فتردى ساقطا فيها على أم رأسه .

    ( إن علينا للهدى ) أي علينا بموجب قضائنا المبني على الحكم البالغة , حيث خلقنا الخلق للإصلاح في الأرض , أن نبين لهم طريق الهدى ليجتنبوا مواقع الردى , و قد فعل سبحانه ذلك بإرسال الرسل , و إنزال الكتب , و التمكين من الإستدلال و الإستبصار , بخلق العقل و هبة الإختيار .

    ( و إنّ لنا للأخرة و الأولى ) أي ملكا و خلقا , ليس له فيهما مشارك فليرغب الراغبون إليه في الطلب , و لينقطع رجاؤهم عن المخلوقين . و الآية أيضا فيها إشارة إلى تناهي عظمته و تكامل قهره و جبروته , و إن من كان كذلك , فجدير أن يبادر لطاعته و يحذر من معصيته .

    ( فأنذرتكم نارا تلظى ) أي تستعر و تتوقد . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه " رواه البخاري . و الأخمص هو المتجافي من الرجل عن الأرض . و في رواية لمسلم " إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان و شراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل , ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا , و إنه لأهونهم عذابا " . و الشراك هو أحد سيور النعل , الذي يكون على وجهها و على ظهر القدم .

    ( لا يصلاها إلا الأشقى ) لا يدخلها و يصطلي بحرها خالدا فيها أبدا إلا الأشقى أي الأكثر شقاوة و هو المشرك , و قد يدخلها الشقي من أهل التوحيد و يخرج منها بتوحيده , حيث لم يكذب و لم يتول , و لكن فجر و عصى , و ما أشرك و ما تولى .

    ( الذي كذب ) بالحق الذي جاءه .

    ( و تولى ) عن آيات ربه و براهينها التي وضح أمرها و بهر نورها , عنادا و كفرا .

    ( و سيجنبها الأتقى ) أي و سيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى , ثم فسره بقوله تعالى ( الذي يؤتي ماله يتزكى ) أي يصرف ماله في طاعة ربه , ليزكي نفسه و ماله و ما وهبه الله من دين و دنيا .

    ( و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) فهو ينفق ما ينفقه في سبيل الله خاصة و ليس ما ينفقه من أجل أن عليه لأحد من الناس فضلا أو يداً فهو يكافئه بها لا لا , و إنما هو ينفق ابتغاء رضا ربه تعالى لا غير .

    ( و لسوف يرضى ) و لسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات .

    و قد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق , حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك . و لا شك أنه داخل فيها , و أولى الأمة بعمومها , فإن لفظها لفظ العموم , و هو قوله تعالى " و سيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى " , و لكنه مقدم الأمة و سابقهم في جميع هذه الأوصاف و سائر الأوصاف الحميدة .

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    749

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بارك الله فيك ياشيخ عبد الحي وأعلى منزلتك
    اللهم اجعل القران شفيعا لنا يوم نلقاك

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    اللهم أمين و لكم بالمثل

    جزاكم الله تعالى كل خير

  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسير سورة الشمس

    مكية و آياتها خمس عشرة آية

    أقسم الله تعالى بهذه الآيات العظيمة , على النفس المفلحة , و غيرها من النفوس الفاجرة , فقال :

    ( و الشمس و ضحاها ) قال ابن جرير : أقسم الله بالشمس و نهارها , لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار . قال الراغب " الضحى " انبساط الشمس و امتداد النهار , و به سمي الوقت . و حقيقته - كما قال الشهاب - تباعد الشمس عن الأفق المرئيّ و بروزها للناظرين . و قال الإمام : يقسم بالشمس نفسها ظهرت أو غابت لأنها خلق عظيم . و يقسم بضوئها لأنه مبعث الحياة و مجلي الهداية في عالمها الفخيم .

    ( و القمر إذا تلاها ) أي تبع الشمس في المنازل و النور . قال الإمام : و ذلك في الليالي البيض , من الليلة الثالثة عشرة من الشهر إلى السادسة عشرة . و هو قسم بالقمر عند امتلائه أو قربه مع الإمتلاء . إذ يضيء الليل كله مع غروب الشمس إلى الفجر . و هو قسم في الحقيقة بالضياء في طور آخر من أطواره , و هو ظهوره و انتشاره الليل كله .

    ( و النهار إذا جلاّها ) أي جلّى ما على وجه الأرض و أوضحه , و ذلك عند انتفاخ النهار و انبساطه , لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الإنجلاء .

    ( و الليل إذا يغشاها ) أي يغشي وجه الأرض , فيكون ما عليها مظلما .
    فتعاقب الظلمة و الضياء , و الشمس و القمر , على هذا العالم , بانتظام و إتقان , و قيام لمصالح العباد , أكبر دليل على أنه الله بكل شيء عليم , و على كل شيء قدير , و أنه المعبود وحده , الذي كل معبود سواه فباطل .

    ( و السماء و ما بناها ) أي و من رفعها , و صيّرها بما فيها من الكواكب كالسقف أو القبة المحكمة المزينة المحيطة بنا .

    ( و الأرض و ما طحاها ) أي بسطها من كل جانب , لافتراشها و ازدراعها و الضرب في أكنافها , فتمكن الخلق حينئذ من الإنتفاع بها , بجميع وجوه الإنتفاع .

    ( و نفس و ما سواها ) أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة , كما قال تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " , و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يُهوّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمَجِّسانه , كما تولد البهيمة بهيمة جَمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " رواه البخاري و مسلم , و قال صلى الله عليه و سلم : " يقول الله عز و جل : إني خلقت عبادي حُنفاء فجاءَتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " رواه مسلم .

    ( فألهمها فجورها و تقواها ) بين لها الخير و الشر , أي ما تعمله من الصالحات و ما تتجنّبه من المفسدات .

    ( قد أفلح من زكَّاها ) أي طهر نفسه من الذنوب , و نقّاها من العيوب , و رقّاها بطاعة الله , و علاّها بالعلم النافع و العمل الصالح .

    ( و قد خاب من دسّاها ) أي أخفى نفسه الكريمة , بالتدنس بالرذائل و الدنو من العيوب و الإقتراف للذنوب , و ترك ما يكملها و ينميها , و استعمال ما يشينها و يدسيها .

    ( كذّبت ثمود بطغواها ) أي بسبب طغيانها و ترفعها عن الحق و مجاوزتها الحدّ في الفجور , و عتوها على رسل الله . و المراد بهذا الإخبار إنذار قريش من خطر استمرارها على التكذيب , و تسلية للرسول صلى الله عليه و سلم و المؤمنين .

    ( إذ انبعث أشقاها ) أي أشقى القبيلة , هو قُدَار بن سالف عاقر الناقة , و هو أحمير ثمود , و هو الذي قال تعالى " فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر " . و كان هذا الرجل عزيزا فيهم شريفا في قومه نسيبا رئيسا مطاعا .

    ( فقال لهم رسول الله ) و هو صالح عليه السلام , محذّرا .

    ( ناقة الله و سقياها ) أي : احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء , و لا تعتدوا عليها في سقياها الذي اختصه الله به في يومها . و كان عليه السلام تقدم إليهم عن أمر الله أن للناقة شرب يوم و لهم شرب آخر , غير يوم الناقة . كما بينته آية الشعراء في قوله " هذه ناقة لها شرب و لكم شرب يوم معلوم و لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم " .

    ( فكذَّبوه ) أي : كذّبوه فيما جاءهم به سواء رسالته و دعوته إلى عبادة الله وحده , أو تحذيره لهم من حلول العذاب عليهم إنهم لمسوا الناقة بسوء .

    ( فعقروها ) أي قتلوها . قال في النهاية : أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف و هو قائم , ثم اتسع حتى استعمل في القتل و الهلاك .
    و ذلك أنهم أجمعوا على منعها الشرب و رضوا بقتلها . و عن رضا جميعهم قتلها قاتلها و عقرها من عقرها . و لذلك نسب التكذيب و العقر إلى جميعهم .

    ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) أهلكهم و أزعجهم بسبب كفرهم به و تكذيبهم رسوله و عقرهم ناقته , استهانة به و استخفاف بما بعث به . فأرسل عليهم الصيحة من فوقهم , و الرجفة من تحتهم , فأصبحوا جاثمين على ركبهم , لا تجد منهم داعيا و لا مجيبا .

    ( فسوّاها ) أي فسوى الدمدمة عليهم جميعا , فلم يفلت منهم أحد . فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء .

    ( و لا يخاف عقباها ) قال ابن عباس : لا يخاف الله من أحد تبعة , و كذا قال مجاهد و الحسن , و بكر بن عبد الله المزني , و غيرهم . فالله تعالى لا يخشى تبعة إهلاكهم لأنه العزيز الذي لا يغالب , و القاهر الذي لا يخرج عن قهره و تصرفه مخلوق , الحكيم في كل ما قضاه و شرعه .

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    443

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكرا لك ... بارك الله فيك ...
    قياس الحياة ليس في طول بقائها و لكن في قوة عطائه

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

    جزاكم الله تعالى كل خير

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    457

    افتراضي رد: سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    تفسر سورة البلد

    مكية و آياتها عشرون آية

    ( لا أقسم بهذا البلد ) يقسم الله تعالى بالبلد الأمين , الذي هو مكة المكرمة , أفضل البلدان على الإطلاق .

    ( و أنت حل بهذا البلد ) قال مجاهد : ما أصبت - يعني الرسول صلى الله عليه و سلم - فيه فهو حلال لك , و قال قتادة : أنت به من غير حرج و لا إثم , و قال الحسن البصري : أحلها الله له ساعة من نهار . و هذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث المتفق على صحته : ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات و الأرض , فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة , لا يُعضَد شجره و لا يختلى خلاه , و إنما أحلت لي ساعة من نهار , و قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس , ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) . و في لفظ آخر ( فإن أحد ترخَّص بقتال رسول الله فقولوا : إن الله أذن لرسوله و لم يأذن لكم ) رواه البخاري و مسلم .

    ( ووالد و ما ولد ) قال مجاهد و قتادة و سعيد بن جبير و الحسن البصري و غيرهم : يعني بالوالد آدم , و ما ولد ولده , قال ابن كثير : و هذا الذي ذهب إليه مجاهد و أصحابه حسن قوي , لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى و هي المساكن أقسم بعده بالساكن , و هو آدم أبو البشر وولده . و اختار ابن جرير أنه عام في كل والد وولده , قال : و غير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل , و لا خبر بخصوص ذلك و لا برهان , يجب التسليم له بخصوصه , فهو على عمومه كما عمه .

    ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) أي في شدة , يكابد الأمور و بعالجها في أطواره كلها , من حمله إلى أن يستقر به القرار , إما في الجنة و إما في النار .
    و فيه تسلية للنّبي صلوات الله عليه , مما كان يكابده من قريش , من جهة أن الإنسان لم يخلق للراحة في الدنيا , و أن كل ما كان أعظم فهو أشد نصبا .

    ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) أي أن لن تقوم قيامة , و لن يقدر على مجازاته و قهره و غلبته , مع أن ما هو فيه من المكابدة يكفي لإيقاظه من غفلته و اعترافه بعجزه .

    ( يقول أهلكت مالا لُّبَدًا ) أي : كثير , بعضه فوق بعض . و سمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات و المعاصي إهلاكا , لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق , و لا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم و الخسار و التعب و القلة , لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير , فإن هذا قد تاجر مع الله , و ربح أضعافا أضعافا ما أنفق .

    ( أيحسب أن لم يره أحد ) أيحسب أن لم يطلع الله تعالى على باطنه و نيته , حين ينفق ماله في السمعة و الرياء و المباهاة لا على ما ينبغي في مراضي الله , بل قد رآه الله , و حفظ عليه أعماله , ووكل به الكرام الكاتبين , لكل ما عمله من خير و شر .

    ( ألم نجعل له عينين و لسانا و شفتين ) للجمال و البصر و النطق , و غير ذلك من المنافع الضرورية فيها . قال السيد المرتضى : هذا تذكير بنعم الله عليهم ... و ما تفضل به عليهم من الآلات التي يتوصلون بها إلى منافعهم , و يدفعون بها المضار عنهم .

    ( و هديناه النجدين ) أي بيّنا له طريق الخير و الشر , و السعادة و الشقاء , بما أودعناه في فطرته و بما أرسلنا به رسلنا و أنزلنا به كتبنا .
    و نظير هذه الآية قوله تعالى " إنّا خلقنا الإنسان من نُطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا . إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا و إما كفورا " .

    ( فلا اقتحم العقبة ) قال ابن زيد : أي : أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة و الخير .

    ( و ما أدراك ما العقبة ) أي أي شيء أعلمك ما اقتحم العقبة ؟ و في الإستفهام زيادة تقريرها و كونها عند الله تعالى بمكانة رفيعة .

    ( فك رقبة ) أي فكها من الرق , بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها , و من باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار. قال رسول لله صلى الله عليه و سلم : " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار , حتى إنه ليعتق باليد اليد , و بالرجل الرجل , و بالفرج الفرج " رواه البخاري و مسلم , و قال صلى الله عليه و سلم : " من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار , عضوا بعضو " صححه الألباني .

    ( أو إطعام في ذي مسغبة ) قال ابن عباس و عكرمة و مجاهد و الضحاك و قتادة و غير واحد : ذي مجاعة , و السَّغب : هو الجوع , قال إبراهيم النخعي : في يوم الطعام فيه عزيز . فيطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة .

    ( يتيما ذا مقربة ) أي أطعم في مثل هذا اليوم يتيما ذا قرابة منك , قال السيد المرتضى : و هذا حض على تقديم ذوي النسب و القربى المحتاجين , على الأجانب في الإفضال . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الصدقة على المسكين صدقة , و على ذي الرحم اثنتان , صدقة و صلة " . صححه الألباني .

    ( أو مسكينا ذا متربة ) أي فقيرا مُدقعا لاصقا بالتراب من الحاجة و الضرورة , قال ابن عباس : " ذا متربة " هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له , و لا شيء يقيه من التراب , و قال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج , و قال سعيد بن جبير : هو الذي لا أحد له . قال ابن كثير : و كل هذه - الأقوال - قريبة المعنى .

    ( ثم كان من الذين آمنوا ) أي : ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة , مؤمن بقلبه , و يعمل الصالحات بجوارحه من كل قول و فعل , واجب أو مستحب , محتسب ثواب ذلك عند الله عز و جل , كما قال تعالى " و من أراد الآخرة و سعى لها سعيها و هو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " , و قال " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن " .

    ( و تواصوا بالصبر ) على طاعة الله و عن معصيته و على أقدار الله المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضا على الإنقياد لذلك , و الإتيان به كاملا منشرحا به الصدر , مطمئنة به النفس .

    ( و تواصوا بالمرحمة ) للخلق , من إعطاء محتاجهم , و تعليم جاهلهم , و القيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه , و مساعدتهم على المصالح الدينية و الدنيوية , و أن يحب لهم ما يحب لنفسه , و يكره لهم ما يكره لنفسه , أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف , الذين وفقهم الله لاقتحام هذه العقبة ( أولئك أصحاب الميمنة ) لأنهم أدوا ما أمر الله به من حقوقه و حقوق عباده , و تركوا ما نهوا عنه و هذا عنوان السعادة و علامتها .

    ( و الذين كفروا بأياتنا ) أي بأدلتنا و أعلامنا من الكتب و الرسل و غير ذلك من آيات الأنفس و الآفاق , التي بكل يرتقي إلى معرفة الصراط التي يجب الإستقامة عليه في الإعتقاد و العمل .

    ( هم أصحاب المشئمة ) أي الشؤم على أنفسهم , أو جهة الشمال التي فيها الأشقياء , قال الإمام : أهل اليمين , في لسان الدين الإسلامي عنوان السعداء , و أهل الشمال عنوان الأشقياء .

    ( عليهم نار مؤصدة ) أي : مطبقة عليهم , فلا محيد لهم عنها و لا خروج لهم منها , و هي كناية عن حبسهم المخلد فيها و سد سبل الخلاص منها . أجارنا الله و إياكم بفضله و كرمه منها .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •