من بلاغة القرآن الكريم
قال الله تعالى : " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ " سورة هود 69.
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ هو لماذا جاءت كلمة السلام في المرة الأولى منصوبة ، بينما جاءت في المرة الثانية مرفوعة ؟
إنَّ المتأمل في الآية الكريمة يجد أنَّ كلمة السلام في المرة الأولى هي من كلام رسل الله – عز وجل – الذين زاروا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
فجاءت هذه الكلمة منصوبة ، فالتقدير ( نسلم عليك سلامًا ) ، ومن المقرر أنَّ الجملة الفعلية تختلف في دلالتها عن الجملة الاسمية ، فالجملة الفعلية تدل على التجدد والتغيير ، بينما الجملة الاسمية فدلالتها ثابتة لا تغيير ، لذا جاء كلمة السلام في المرة الثانية مرفوعة ؛ لإنها مبتدأ خبره محذوف ، فالتقدير : ( عليكم سلام ) .
ويلحظ المرء أنَّ هذه الجملة الاسمية قد تقدم الخبر وجوبًا على المبتدأ ؛ إذ إنَّّ الخبر شبه جملة والمبتدأ نكرة لا مسوغ لها ، فالمبتدأ النكرة يدل على العموم والشمول والإحاطة ، يؤكد ذلك ما قرره ابن عادل في كتابه اللباب بقوله : " فالتَّنكير هُنا يدلُّ على الكمال والتَّمام ، فكأنه سلام كامل تام عليك ، ونظيره قوله تعالى : { سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي } [ مريم : 47 ] وقوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] وقوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 ، 24 ] ".اهـ .

وثمة فائدة أخرى وهي تقدم الخبر على المبتدأ ، والتقديم يفيد الحصر والقصر ، فمن المعلوم أنَّ تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والقصر ، فالمقصور عليه هو الخبر ، والمقصور المبتدأ وهو السلام .

فهذا يدل على أنَّ سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة و السلام – قد حيا رسل ربه – عز وجل – بتحية أجمل من تحيتهم ، يؤكد ذلك الألوسي في تفسيره روح المعاني بقوله : "لأنها بجملة اسمية دالة على الدوام والثبات فهي أبلغ ، وأصل معنى السلام السلامة مما يضر " اهـ .