فإذا دنا من الصفا قرأ قول الله تعالى "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم" ثم يقول: نبدأ بما بدأ الله به.
ولا يقرأها في غير هذا الموضع في غير هذه المرة.
ثم يرقى على الصفا ـ ولا يتكلف صعودها حتى يلصق بطنه بالجدار بل يرقى عليها ـ حتى يرى الكعبة ـ إن تيسر له ذلك ـ فيستقبلها ـ وإن لم يرها يستقبل جهتها ـ ويرفع يديه، فيحمد الله ويدعو بما شاء، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا المكان "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". يكرر ذلك ثلاث مرات، ويدعو بينها.
ثم ينزل من على الصفا إلى المروة ماشيا حتى يصل إلى العمود الأخضر، فإذا وصله أسرع إسراعا شديدا بقدر ما يستطيع، لما جاء عند أحمد وغيره أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأصحابه:"اسعوا ـ يعني بين الصفا والمروة ـ فإن الله كتب عليكم السعي".
وجاء عند أحمد أيضا وابن ماجه أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"لا يقطع الأبطح إلا شدا" ـ والأبطح هو الوادي ما بين العلمين بين الصفا والمروة ـ ومعنى شدا أي جريا.
يفعل ذلك إن تيسر له بلا أذية، حتى يصل إلى العمود الأخضر الثاني، ثم يمشي بعد ذلك على عادته، حتى يصل المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، لما جاء عند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خرج من المسجد يريد الصفا يكبر ثلاثا، ويقول:"لا إله إلا الله وحد لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو عل كل شيء قدير ـ زاد في بعض الروايات: لا إله الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ـ قال: يصنع ذلك ثلاث مرات، ويدعو، ويصنع على المروة مثل ذلك، وقال: كان إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه.
والمرأة لا ترمل بين العلمين في سعيها بين الصفا والمروة، لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة. رواه الدارقطني. وقد تقدم نقل الإجماع على ذلك عن ابن المنذر رحمه الله.
وليس من السنة الإيماء بالأيدي مع التكبير ثلاثا عند صعود الصفا أو المروة، وكذلك قراءة آية"إن الصفا والمروة .." كلما أقبل على الصفا أو المروة، وإنما السنة أن يقرأها إذا أقبل على الصفا أول مرة فقط كما تقدم التنبيه على ذلك.
ومن الخطأ تخصيص كل شوط بدعاء معين، وهذا عمل لا أصل له فهو بدعة منكرة.
ثم ينزل من على المروة إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه، ويسرع في موضع إسراعه، حتى يرقى عل الصفا، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه في الدعاء، ويقول مثل ما سبق في أول مرة، غير أنه لا يقرأ الآية كما سبق التنبيه عليه.
ويقول في سعيه ما أحب من ذكر وقراءة ودعاء، ومن ذلك قول: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم، كما ثبت عن جمع من السلف منهم ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، إلا الشوط الأخير فليس فيه وقوف على المروة ولا ذكر ولا دعاء.
ولا يشترط للسعي بين الصفا والمروة طهارة من الحدث ولا من الخبث فلو سعى محدث أو امرأة حائض فالسعي صحيح ولا شيء عليه، لكن لو تيسرت له الطهارة فذلك هو الأفضل.
والصعود على الصفا، والرمل بين العلمين، كلها سنة وليس بواجب، إن تيسر له جاء بها، وإن لم يتيسر له فلا يزاحم من أجل أن يأتي بها.
ومن كان في الطواف أو السعي فأقيمت الصلاة المكتوبة، أو نودي بصلاة الجنازة، أو عرض له بول ونحوه، فليصلّ، أو ليخرج لحاجته، وذلك لما جاء عند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". والطواف بالبيت صلاة، وإذا كان الطواف وهو صلاة يقطع لذلك فالسعي من باب أولى.
فإذا انتهى من حاجته بنى على طوافه وسعيه وأتم ما بقي عليه منه، ويستأنف الطواف أو السعي من شوطه الذي وقف فيه من مكانه فحسب ولا يعيده من جديد.
(العمدة في مسائل العمرة)