بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
قال ابن القيم –رحمه الله-((زاد المعاد)) (2/96) بعد أن ذكر عُمَرَ النبي و عدَدَها و أوقاتها , قال : (( والمقصود , أن عُمَرَهُ كلَّها كانت في أشهر الحج , مخالفةً لهدي المشركين , فإنهم كانوا يكرهون العُمرة في أشهر الحج , ويقولون : هي من أفجر الفجور , وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك .
وأما المفاضلة بينه وبين الاعتمار في رمضان , فموضع نظر , فقد صح عنه أنه أمر أم معقل لمّا فاتها الحج معه , أن تعتمر في رمضان , وأخبرها أنَّ عُمرةً في رمضان تعدل حَجَّة .
وأيضاً فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضلُ الزمان و أفضل البقاع , ولكن الله لم يكن ليختار لنبيه في عُمَرِه إلا أولى الأوقات وأحقَّها بها , فكانت العمرة في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره , وهذه الأشهر قد خصَّها الله تعالى بهذه العبادة , وجعلها وقتاً لها , والعمرةُ حجٌّ أصغر , فأولى الأزمنة بها أشهر الحج , و ذو القعدة أوسطها , وهذا مما نستخير الله فيه , فمن كان عنده فضل علم , فليرشد إليه.....انتهى المراد كلامه رحمه الله .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
قوله (مما نستخير الله فيه )
الذي يظهر لي أنه لم يجزم و لم يختر قولاً , فقوله (نستخير) هو مثل صنيع الشافعي في كثير من المسائل الفقهية , والتي تقرب من عشرين مسألة , علّق الحكم فيها على الاستخارة , - ولم أرَ أحداً أكثر منه –رحمه الله- تعليقاً للأحكام على الاستخارة في المسائل الفقهية- , وكذا مثل صنيع ابن حبان في حكمه على الرجال , فقد علّق الحكم على بعض التراجم على الاستخارة , بل أحياناً يضع الترجمة في (( المجروحين )) و ((والثقات )) من باب الاستخارة .
نعودُ للمسألة :
نجد أن المتأخرين من الأصوليين ينصّون على أن قول العالم : أستخير أو نستخير ونحوه , هو من ترجيح العالِم , بل هو اختياره .
وهذا ليس على الإطلاق , فنجد الشافعي وابن حبان ينصّان على أنهما متوقفان في المسألة ويعقّبان ذلك بذكر الاستخارة , وابن القيم هنا كذلك , يدل عليه قوله : المفاضلة موضع نظر ,, ويدل عليه قوله : من كان عنده فضل علم فليرشد إليه .
إذاً هل العُمرة في أشهر الحج أفضل أو في رمضان ؟ , هل الوقت الذي اختاره الله -جل وعلا- لنبيه أو الوقت الذي أرشد إليه ؟ .
الذي يظهر لي -والله أعلم- هو ترجيح القول الثاني , وذلك بمرجحات .
روى الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما , أن رسول قال لامرأة من الأنصار : (( ما منعك أن تحجي معنا ؟ قالت : كان لنا ناضحٌ فركبه أبو فلان و ابنه , لزوجها و ابنها , وترك لنا ناضحاً ننضح عليه , قال : فإذا كان رمضان اعتمري فيه , فإن عمرة في رمضان تعدل حجة )) وفي رواية ((أو حجة معي )) .
وقد ورد من طريق جابر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم .
ونستفيد من هذا الدليل فوائد جمّة منها :
أولاً : أنه أمر بالعمرة في رمضان .
ثانياً : أنه أخبر بفضيلة عظيمة في العمرة في رمضان .
ثالثاً : أنه يأمر أصحابه بالأفضل , فليس بعد الحج أفضل من عمرة في رمضان .
رابعاً : لم يأمر المرأة أن تعتمر في أشهر الحج .
خامساً : أن قوله وأمره مقدّم على فعله .
سادساً : أن هناك من الصحابة والتابعين من لا يرى العمرة في أشهر الحج , فلم يروا أن وقت عُمَره أفضل من غيرها .
أمّا اعتماره في هذا الوقت -والله أعلم- فكما قال ابن القيم –رحمه الله- ليبطل ما كان يعتقده المشركون من أنها أفجر الفجور .
وأيضا ليذهب وحشة الناس من ذلك
والله أعلم