لا يجوز للمحرم بحج أو عمرة حلق شعر رأسه ولا نتفه ولا إزالته بأي مادة، لقول الله تعالى "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يـبلغ الهدي محله". وفي الصحيحين عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له:"لعلك تؤذيك هوام رأسك؟". قال: نعم يارسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أحلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة". وهذا يدل على أنه ممنوع من الحلق قبل ذلك، ولذا أوجب عليه الكفارة.
وقص الأظافر ليس من محظورات الإحرام، ولكن الأولى والأحوط اجتنابه.
ولا يجوز له لبس ما مسه ورس أو زعفران، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المحرم "ولا يلبس ما مسه ورس أو زعفران".
ولا يجوز له استعمال الطيب ـ لا في بدنه ولا في ملابسه ـ بعد إحرامه وإهلاله بالعمرة،
وأما قبل أن يحرم فلا بأس به بل ذلك من السنة كما سيأتي,
وإنما قلنا بالتحريم بعده لقوله عليه الصلاة والسلام في المحرم الذي وقصته دابته "ولا تقربوه طيـبا" فدل على انه لا يجوز له التطيب ولا استعمال ما فيه شيء منه حال إحرامه، فإن تطيب جاهلا فليغسل ما عليه من طيب ولا شيء عليه، وذلك لما جاء في الصحيحين عن يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلا قال: يارسول الله: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب، وعليه جبة؟. فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم "اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك". فلما لم يأمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء دل على أنه لا شيء عليه.
ولا يجوز له عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "لا يَنكِح المحرم، ولا يُنكِح، ولا يخطب". رواه مسلم.
فلا يجوز له أن يتزوج امرأة، أو يعقد نكاحها بولاية أو وكالة، ولا يخطب حتى يحل من إحرامه.
كما أنه لا يجوز له أن يـباشر امرأته لشهوة بتقبيل أو لمس أو ضم ونحوه، لقول الله تعالى "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".
ويدخل في الرفث مقدمات الجماع كالغمز والمداعبة والنظر بشهوة.
ولا يحل للمرأة أن تمكنه من ذلك وهي محرمة.
والجماع أشد من ذلك كله، فلا يجوز بحال من الأحوال حال الإحرام، ومن جامع في عمرته فقد أفسدها وعليه فدية، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع.
ولا يجوز للمحرم قتل الصيد البري، وهو كل حيوان بري حلال متوحش طبعا كالظباء والأرانب والحمام ونحوه، لقول الله تعالى "ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم، هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما، ليذوق وبال أمره".
فلا يجوز للمحرم إصطياد صيد البر ولا قتله بمباشرة أو تسبب، أو إعانة على قتله بدلالة أو إشارة أو مناولة سلاح أو نحو ذلك، ولا يجوز له الأكل منه ـ إلا إذا كان لم يصد من أجله، ولم يكن أعان عليه ـ وأما صيد البحر فحلال لا حرج في أكله لقول الله تعالى:"أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما".
وأما الفواسق الخمس فلا حرج على المحرم في قتلهن، لما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم"خمس من الدواب ليس على المجرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".
فما تقدم ذكره من محظورات الإحرام: حرام على الرجال والنساء حال إحرامهم.
ويختص الرجال دون النساء بمحظورين هما: تغطية الرأس، ولبس المخيط.
أما تغطية الرأس فلقوله عليه الصلاة والسلام في المحرم الذي وقصته دابته "ولا تخمروا رأسه" أي: لا تغطوه. متفق عليه.
فلا يجوز للرجل تغطية رأسه بما يلاصقه كالعمامة والطاقية ونحوها،
أما ما لا يلاصقه كالشمسية وسقف السيارة والخيمة ونحو ذلك فلا حرج فيه، لما جاء في صحيح مسلم عن أم حصين رضي الله عنها قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة، أحدهما يقود راحلته، والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يظلله من الشمس.
وأما لبس المخيط: فلما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل: ما يلبس المحرم؟. فقال:"لا يلبس القميص ولا العمامة، ولا البرانس، ولا السراويل، ولا الخفاف، ولا ثوبا مسه زعفـران ولا ورس".
فدل على أنه لا يجوز له لبس المخيط سواءا كان شاملا للجسم ـ كالقميص ـ أو لجزء منه ـ كالسراويل ـ إلإ إذا لم يجد إزارا ولا ثمنه، جاز له لبس السراويل، وكذلك إذا لم يجد نعلين ولا ثمنهما لبس الخفين ولا شيء عليه في كلا الحالتين، لما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب بعرفات يقول:"من لم يجد إزارا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالقطع أولا، ثم رخص بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إزارا، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، وهذا أصح قولي العلماء".
ومعنى قولهم لبس المخيط: أي ما يخاط على البدن أو على جزء منه على هيئة التفصيل ـ كالقميص والسراويل ـ ولا يقصد بها ما فيه خياطة، ولهذا لو لبس نعالا كلها مخيطة جاز ذلك، ولو لبس رداء كله مرقع جاز له ذلك.
ولا حرج عليه إذا عقد على إزاره خيطا أو نحوه ـ كالحزام ـ سواءا شده على جلده أو على إزاره.
ويحتزم بما شاء، ويحفظ فيه ما شاء من أوراق أو أموال، لما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: عن الهميان للمحرم؟. فقالت: وما بأس؟. ليستوثق من نفقته. والهميان: هو الحزام.
وله أن يحمل متاعه فوق رأسه، ويعصب على جراحه، ويحرم في أي لون شاء ما لم يكن مصبوغا بور س أو زعفران.
لكن الأفضل أن يحرم في ثوبين أبيضين لعموم قوله عليه الصلاة والسلام "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم".
ولا حرج عليه في لبس الساعة والخاتم والنظارة وسماعة الأذن، أو ما يحتاج إليه كالوعاء للنفقة في عنقه.
ولا بأس أن يعقد ردائه عند الحاجة مثل أن يخاف سقوطه ولا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغيره ولا كراهة في ذلك ولا حرج، لما جاء عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "كان يخمر وجهه وهو محرم".
والمرأة تغطي رأسها، وتلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب غير أنها لا تتبرج بزينة، ولا تلبس القفازين ـ وهما شراب اليدين ـ ولا تـنتقب، ولا تغطي وجهها إلا أن يمر الرجال قريبا منها فلا بأس أن تسدل الثوب من على رأسها على وجهها، وذلك لما روى البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المحرمة "تسدل الثوب على وجهها إن شاءت".
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام. رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وفي الموطأ بإسناد صحيح عن فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.
ويجوز للرجال والنساء تغيير ثياب الإحرام بغيرها مما يباح لهما لبسه حال إحرامها، كما يباح لهما الإغتسال ـ سواءا كان واجبا أو مستحبا أو مباحا ـ لما ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن حنين أن عبدالله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال بن عباس: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور بن مخرمة: لا يغسل المحرم رأسه. فأرسلني عبدالله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب فسلمت عليه، فقال: من هذا؟. فقلت: أنا عبدالله ابن حنين، أرسلني إليك عبدالله بن عباس أسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟. قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأ رأسه، ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل.
وجاء عند البيهقي بسند صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما: قال المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظفره طرحه. ويقول: أميطوا عنكم الأذى، فإن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئا.
وله أن يحك بدنه إذا حكه، وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك فلا يضره،
كما يباح للمحرم أن يضمد عينيه، وأن يحتجم ـ إذا احتاج لذلك ـ لما جاء في صحيح مسلم عن نبيه بن وهب رحمه الله أن عمر بن عبيدالله بن معمر اشتكى عينيه وهو محرم، فأراد أن يكحلها، فنهاه أبان بن عثمان، وأمره أن يضمدها بالصبر، وحدثه عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أنه كان يفعله".
وثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رأسه وهو محرم من وجع كان به، بماء يقال له لحي الجمل.
وإذا فعل المحرم شيئا من محظورات الإحرام جاهلا أو ناسيا، فلا إثم عليه ولا فدية ولا يفسد نسكه بذلك، لقول الله تعالى "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم". ولقوله عليه الصلاة والسلام "وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". وقد سبق حديث يعلى بن أمية في الرجل الذي تطيب ولبس الجبة جاهلا، فأمره الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينزع الجبة، وأن يغسل الطيب ثلاثا، ولم يأمره بفدية ولا نسك.
وإذا فعل المحرم شيئا من محظورات الإحرام متعمدا ـ لكن له عذر يبيحه له ـ فعليه ما يترتب على فعل المحظور من صيام أو صدقة أو نسك، غير أنه لا إثم عليه، لقول الله تعالى "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فأباح له ذلك وألزمه بالكفارة، وقد سبق حديث كعب بن عجرة في ذلك.
وإذا فعل المحرم شيئا من محظورات متعمدا من غير عذر يبيحه له، فيترتب عليه ما يترتب على فعل المحظور مع الإثم.
وما يترتب على فعل المحظور على أقسام ثلاثة:ـ
أ ـ ما فديته بدنة: وهو الجماع في الفرج في الحج قبل التحلل الأول، لثبوت ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم.
ب ـ ما فديته جزاءه: وهو قتل الصيد لقول الله تعالى "ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم، هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما".
أما المثل فيرجع فيه إلى ما قضت به الصحابة رضي الله عنهم.
والفدية تذبح ويتصدق بها على فقراء الحرم، أو تقوم ويشترى بها طعاما ويوزع على الفقراء، لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوما.
والإنسان يخير بين الذبح أو الإطعام أو الصيام، لأن الآية السابقة وردت بـ " أو" وهي تدل على التخيير.
ج ـ ما فديته إما صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة توزع على الفقراء: وهذا يشمل بقية المحظورات غير الخطبة وعقد النكاح فإنه لا فدية فيها ، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكر فيه فدية، والأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة، ولكنه آثم إذا عقد النكاح وهو محرم.
تنبيه :
ولا يحل لأحد ـ محرم أو غيره ـ قطع شيء من شجر الحرم ولا من حشيشه إلا الإذخر، ولا يحل لأحد القتال فيه، ولا إلتقاط لقطته إلا لمن يعرّفها، وذلك لما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرام حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض" فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها". قال العباس: يارسول الله إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم. فقال:"إلا الإذخر".
ومعنى يختلى خلاها: يعني يقطع حشيشها.
والحرم: ما بين الأميال وليس المسجد فقط.
(العمدة في مسائل العمرة)