من محمد بن عبد اللطيف، وصالح بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، ومحمد بن عبد الله بن عبد اللطيف،
إلى الإمام المكرم:
عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، سلمه الله تعالى وهداه، وأعاذه من شر نفسه وهواه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وموجب الكتاب:
السلام، والنصيحة، والمعذرة إلى الله تبارك وتعالى، والإعذار إليك وإلى عباد الله المؤمنين، وأداء ما استؤمنا عليه، والخشية أن نكب على وجوهنا في نار جهنم، ونكون من الغاشين للإسلام والمسلمين.
إذا عرفت هذا،
فاعلم:
أن حقك علينا كبير وحق رب العالمين علينا أعظم وأكبر، وإذا تعارضا، فالمتعين هو تقديم حق الرب على ما سواه، فنرجوه تعالى أن يعيننا على ذلك، ويحسن لنا الختام وقد ولاك الله على المسلمين، واسترعاك عليهم، فإن قمت بحق تلك الرعاية فهي من أعظم نعم الله عليك، وإن ضيعت وأهملت - أعاذك الله من ذلك - صارت عليك نقمة ووبالا.
واعلم: أن مقصود الولاية، هو إصلاح دين الناس ودنياهم، التي يتوصلون بها إلى إقامة دينهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق، الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم، انتهى.
وأنت عارف بما كان عليه أهل نجد، قبل هذه الدعوة المباركة، من الشر، في دينهم ودنياهم، ثم إن الله تعالى أنقذهم من ذلك بهذه الدعوة الدينية، قدس الله أرواح من قام بنصرها، وجزاهم عن أهل نجد خصوصا، وعن المسلمين عموما، خير ما جزى به من قام بنصرة دينه، وجاهد في الله حق جهاده. ولم تقم دعوتهم، ولا استقامت ولايتهم، إلا على أمرين: القيام بحق الله تعالى، والقيام بحقوق عباده، ورعاية مصالحهم؛ يعرف ذلك من سيرتهم، كل من له أدنى إلمام بشيء، من العلم بأحوالهم.
ثم لما وقع التقصير منهم، في أشياء دون ما نحن فيه اليوم، حل بهم ما حل، مما نرجو أنه كفارة لهم، وتمحيص، ومحق لأعدائهم، فعاد نجد إلى قريب من حالته الأولى، بسبب ارتكاب بعض المحرمات.
ثم إن الله تعالى من بتجديد الدعوة، وقام بنصرها جدك تركي، وجدك فيصل، جزاهما الله عن الإسلام والمسلمين خيرا؛ ولهما من السيرة المحمودة، وتقديم الشرع، وترك الظلم والتعدي، وإقامة العدل ما لا يحتاج إلى شرح.
ثم لما توفي جدك فيصل رحمه الله تعالى، وحصل ما حصل، انحلت عرى هذه الولاية، ووقع بأهل نجد ما لا يخفى عليك.
ثم إن الله تعالى من بولايتك، وحصل بها من الإقبال والنصر للمسلمين، وقمع عدوهم، ما هو من أعظم نعم الله عليهم وعليك ولم يزل الله بفضله يرقيك من حالة إلى حالة، وإمامك في هذا كله: الكتاب والسنة، والعدل في الرعية؛ فاستتب لك الأمر، وأعلاك الله، ونصرك على من ناوأك.
ثم آلت بك الحال - هداك الله، وأخذ بناصيتك - إلى الوقوع في أمور كثيرة، هي من أسباب زوال تلك النعمة، ومن موجبات التغيير وحلول النقمة {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأنْفُسِهِمْ} [سورة الرعد آية: ١١].
منها:
إلزام الناس أن يظلم بعضهم بعضا، وأن ترفض الطريقة النبوية، الجارية في أسواق المسلمين، وبياعاتهم، وأن يقام فيها القانون المضارع لقوانين الكفار، الجارية في أسواقهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وذلك هو إلزامكم بحجر الناس، على مقدار من السعر في الصرف، لا يزيد ولا ينقص، وهذا من أعظم الفساد في الأرض، والتعاون على الإثم والعدوان، وأكل الناس بعضهم أموال بعض بالباطل، والحجة في ذلك: ما ثبت عن النبي ﷺ من حديث أنس، وحديث أبي هريرة، وغيرهما من الأحاديث.
قال مجد الدين ابن تيمية في كتابه «منتقى الأخبار»، باب النهي عن التسعير: عن أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله ﷺ: فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت لنا، فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ﷿ ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، انتهى. قال شارحه: وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد، وأبي داود، قال: "جاء رجل، فقال: يا رسول الله سعر، فقال: بل أدعو الله ثم جاء آخر، فقال: يا رسول الله سعر، فقال: «بل الله يخفض ويرفع»، قال الحافظ: وإسناده حسن، وعن أبي سعيد، عند ابن ماجه، والبزار، والطبراني نحو حديث أنس، ورجاله رجال الصحيح، وحسنه الحافظ، وعن علي ﵁ عند البزار نحوه وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير، وعن أبي جحيفة عنده في الكبير، انتهى.
وهذا هو قول أهل العلم، كالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهم رحمهم الله تعالى؛ قال الوزير أبو المظفر ابن هبيرة، في كتابه «الإفصاح»: باب التسعير والاحتكار اتفقوا على كراهة التسعير، وأنه لا يجوز، انتهى.
فيا عبد العزيز اتق الله، تتم لك النعمة، وحكم كتاب الله، وسنة نبيه، واتق الظلم فإنه سبب لحلول النقم وزوال النعم، وحقوق الخلق أمرها عظيم وفي الحديث «الدواوين ثلاثة، ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشرك بالله، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وهو حقوق الخلق، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه» .
وقد حرم الله الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده، قال تعالى: ﴿وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [سورة فصلت آية: ٤٦] وقال تعالى: ﴿ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَدًا﴾ [سورة الكهف آية: ٤٩].
وقال تعالى: ﴿ذِكْرى وما كُنّا ظالِمِينَ﴾ [سورة الشعراء آية: ٢٠٩] وقال تعالى: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ ويَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [سورة الشورى آية: ٤٢] وعن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا» وقال النبي ﷺ في خطبته، في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»، وروي عنه: أنه خطب بذلك في يوم النحر، وفي يوم عرفة، وفي اليوم الثاني من أيام التشريق، وفي رواية: ثم قال: «اسمعوا مني تعيشوا: ألا لا تظالموا! إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» وفي الصحيحين عن ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الظلم ظلمات يوم القيامة» والأحاديث في ذلك كثيرة.
ومنها: أمر الطويل في الأحساء وتوابعها، هو وأعوانه الذين استجلبهم من الخارج، وسومهم الناس سوء العذاب، مع ما اشتهر من أنواع الفواحش. وقد مضى أزمان والناس يرفعون أكفهم بالدعاء لكم، في السر والعلانية، ولا نأمن الآن أنهم يرفعونها بالدعاء عليكم وفي الحديث «واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» ولا يملك الناس إلا أمران: العمل فيهم بالشرع، والتحبب إليهم بالإحسان، أو بترك الظلم ولا تظهر ضغائن الناس، إلا عند سؤالهم أموالهم، قال تعالى: ﴿ولا يَسْألْكُمْ أمْوالَكُمْ إنْ يَسْألْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا ويُخْرِجْ أضْغانَكُمْ﴾ [سورة محمد آية: ٣٧] ونسأل الله أن يأخذ بناصيتك، ويهديك صراطه المستقيم، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
[الدرر السنية فى الاجوبة النجدية-المجلد التاسع - القسم الثانى- من كتاب الجهاد - ]