اختلاف الضعيف مع الثقات
لشيخنا الفاضل الدكتور ماهر الفحل ـ حفظه الله ـ
إذا خولف الثقة في حَدِيْث من الأحاديث فهنا مسألة يأخذها النقاد بنظر الاعتبار فيوازنون ويقارنون بَيْنَ المختلفين فإذا خولف الثقة من قِبَلِ ثقة آخر فيحكم حينئذٍ لرواية من الروايات بحكم يليق بِهَا وكذا تأخذ المقابلة الحكم بالضد أما إذا خولف الثقة برواية ضعيف من الضعفاء، فلا يضر حينئذٍ الاختلاف لرواية الثقة؛ إذ إن رِوَايَة الثقات لا تعل برواية الضعفاء ؛ فرواية الثقة معروفة ورواية الضعيف منكرة فعلى هَذَا المنكر من الْحَدِيْث هُوَ: المنفرد المخالف لما رَوَاهُ الثقات قَالَ الإمام مُسْلِم: ((وعلامة المنكر في حَدِيْث المحدّث إذا ما عرضت روايته للحديث عَلَى رِوَايَة غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لَمْ تكد توافقها)) .
وعليه فإن رِوَايَة الضعيف شبه لا شيء أمام رِوَايَة الثقات الأثبات ولا تعل الرِّوَايَة الصحيحة بالرواية الضعيفة، وَقَدْ وجدنا خلال البحث والسبر أن بعض العلماء قَدْ عملوا بأحاديث بعض الضعفاء وَهِيَ مخالفة لرواية الثقات، ومثل هَذَا يحمل عَلَى حسن ظنهم برواية الضعيف وعلى عدم اطلاعهم عَلَى رِوَايَة الثقات .
مثال ذَلِكَ: ما رَوَاهُ أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وهب ، قَالَ: أخبرني يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، عن أبيه ((أن الصعب بن جَثامة أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وحش، وَهُوَ بالجُحْفَة فأكل مِنْهُ وأكل القوم)) .
فهذا الْحَدِيْث مخالف لرواية الثقات، وفيه راويان فيهما مقال:
الأول: يحيى بن أيوب الغافقي: فهو وإن حسّن الرأي فِيْهِ جَمَاعَة من الْمُحَدِّثِيْن َ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ آخرون، فَقَدْ ضعّفه أبو زرعة ، والعقيلي ، وَقَالَ أحمد: كَانَ سيء الحفظ ، وَقَالَ أبو حاتم:((محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ)) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بذاك القوي)) ، وَقَالَ ابن سعد: ((منكر الْحَدِيْث)) ، وَقَالَ الذهبي: ((حديثه فِيْهِ مناكير)) ، وَقَالَ ابن القطان: ((هُوَ ممن قَدْ علمت حاله، وأنه لا يحتج بِهِ لسوء حفظه)) ، وَقَالَ:
((يحيى بن أيوب يضعف)) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: ((في بعض حديثه اضطراب)) ، وَقَدْ ضعفه ابن حزم .
الثاني: يحيى بن سليمان الجعفي:
قَالَ عَنْهُ أبو حاتم: ((شيخ)) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بثقة)) . وذكره ابن حبان في " الثقات " وَقَالَ: ((ربما أغرب)) .
ومع تفرد هذين الراويين بهذا الْحَدِيْث فَقَدْ خالفا الثقات في روايته قَالَ ابن القيم عن هَذِهِ الرِّوَايَة: ((غلط بلا شك، فإن الواقعة واحدة، وَقَد اتفق الرُّوَاة أنه لَمْ يأكل مِنْهُ، إلا هَذِهِ الرِّوَايَة الشاذة المنكرة)) . والرواية المعروفة الصَّحِيْحة هِيَ ما وردت برواية الجم الغفير عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة بن مسعود، عن عَبْد الله بن عَبَّاسٍ، عن الصعب بن جثامة الليثي، أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحشياً وَهُوَ بالأبواء ، أو بودان ، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قَالَ: ((إنا لَمْ نرده عليك إلا أنا حرم)) .

مثال لاختلاف الضعيف مع الثقات :
تفرد أبو هلال مُحَمَّد بن سليم بحَدِيْث، عن عَبْد الله بن سوادة ، عن أنس بن مالك من بني عَبْد الله بن كعب، قَالَ: ((أغارت علينا خيل رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيت رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يتغدى فَقَالَ: ((أدن فكل)) قلت: إني صائم، قَالَ: ((اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله - عز وجل - وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم، أو الصيام …)) .
رَوَاهُ بهذه الرِّوَايَة: ابن أبي شيبة ، وابن سعد ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والفسوي ، وابن أَبِي عاصم ، وعبد الله بن أحمد ، وابن خزيمة ، والطحاوي ، وابن قانع، والطبراني ، وابن عدي ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، والمزي .
ورواه الترمذي من هَذَا الطريق دون أن يذكر (عن المسافر) الثانية وهذه اللفظة - أي: (عن المسافر) - منكرة وذلك لتفرد أبي هلال بِهَا وَهُوَ: مُحَمَّد بن سليم الراسبي، وثقه أبو داود ، وَكَانَ عَبْد الرحمان يحدّث عَنْهُ، ولكن كَانَ يحيى لا يحدث عَنْهُ ، وَقَالَ ابن سعد: ((فِيْهِ ضعف)) ، وَقَالَ أحمد: ((احتمل حديثه)) ، وأورده البخاري في " الضعفاء الصغير " ، وَقَالَ أبو حاتم: ((محله الصدق وَلَمْ يَكُنْ بذاك المتين)) ، وَقَالَ أبو زرعة: ((لين)) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بقوي)) ، وساق لَهُ ابن عدي في " الكامل " عدداً من المناكير ثُمَّ قَالَ: ((ولأبي هلال غَيْر ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه الثقات عليه)) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: ((ضعيف)) ، وأورده ابن حبان في " المجروحين " ، وَقَالَ: ((وَكَانَ أبو هلال شيخاً صدوقاً، إلا أنه كَانَ يخطئ كثيراً من غَيْر تعمد حَتَّى صار يرفع المراسيل ولا يعلم … وأكثر ما كَانَ يحدث من حفظه، فوقع المناكير في حديثه من سوء حفظه، وَقَالَ ابن حجر: ((صدوق فِيْهِ لين)) )) .
فَقَدْ رَوَاهُ وهيب بن خالد، عن عَبْد الله بن سوادة، عن أبيه، عن أنس، بِهِ عِنْدَ النسائي ، والفسوي، والبيهقي .
ورواه سفيان الثوري، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك القشيري، بِهِ عِنْدَ البخاري في " تاريخه "، والنسائي ، وابن خزيمة ، والطبري ، والبيهقي .وروي من طرق أخرى عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أنس في بعض الروايات، عن أبي قلابة، عن رجل قَالَ: حَدَّثَنِي قريب لي يقال لَهُ أنس بن مالك، بِهِ عِنْدَ عَبْد الرزاق ، وأحمد ، والبخاري في " تاريخه " ، والنسائي ، وابن خزيمة ، والطبراني ، وللحديث طرق أخرى . كُلّ هَذِهِ الروايات ليس فِيْهَا لفظة ((عن المسافر)) الَّتِيْ في رِوَايَة أَبِي هلال، كَمَا ويكفي لرد هَذِهِ الزيادة حذف الترمذي لها مع أنها ثابتة من طريقه وَقَدْ حسن الْحَدِيْث بدونها .
وَقَدْ وجدت لأبي هلال متابعة عَلَى روايته عِنْدَ الطبراني من طريق أشعث بن سوار، عن عَبْد الله بن سوادة، عن أنس بن مالك القشيري، بِهِ، وهذه المتابعة لا تعضد رِوَايَة أبي هلال لضعف أشعث بن سوار فَقَدْ ضعّفه أحمد بن حَنْبَل ، وأبو زرعة ، والنسائي ، والدارقطني .

المصدر