رحمه الله على هذه الرسالة لشيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب

ملاحظة:اعتمدت طبعة دار ابن الجوزي
ـــــــــــــــ ــــــــــ
(1)

((بسم الله الرحمن الرحيم))

ابتدأ المؤلف كتابه بالبسملة لأن كتاب الله مبدوء بها واقتداءا بالرسول فإنه كان يبدأ كتبه بها

الجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام وقدرناه فعلا لأن الأصل في العمل الأفعال وقدرناه مؤخرا تبركا وحصرا وقدرناه مناسبا لأنه أدل على المراد
الله: علم على الباري تتبعه جميع المخلوقات
فائدة: في سورة ابراهيم الاية الثانية لا يصح اعراب الله أنها صفة بل نقول هي عطف بيان حتى لا يكون لفظ الجلالة تابعا تبعية النعت للمنعوت

الرحمن: ذو الرحمة الواسعه وهو مختص لله
الرحيم :دو الرحمة الواصلة وهو يطلق على الله وعلى غيره

((اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربعِ مسائل,الأولى العلم وهو معرفة الله))

مراتب الإدراك

العلم:هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما

الجهل البسيط:هو عدم إدراك الشيء بالكلية

الجهل المركب:إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه

الوهم:إدراك الشيخ مع احتمال ضد راجح

الشك:إدراك الشيء مع احتمال مساو

الظن:إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح

العلم الضروري:ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريا بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال

العلم النظري: ما يحتاج إلى نظر واستدلال

معرفة الله بالقلب معرفة تستلزم قبول شرعه والانقياد له وتحكيم شريعته كما ويتعرف العبد على ربه من خلال النظر في الآيات الشرعية والآيات الكونية

((ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام))

أي معرفة محمد-صلى الله عليه وسلم- معرفة تستلزم قبول ما جاء به وتصديقه والرضا بحكمه

الإسلام بالمعنى العام: التعبد الى الله بما شرع منذ ارسال الرسل حتى قيام الساعة
الاسلام بالمعنى الخاص: بعد بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- ويختص بما بعث به لأنه ناسخ لجميع الأديان السابقة فإن أتباع الرسل مسلمون زمن رسلهم

((بالأدلة- الثانية:العمل به-الثالثة :الدعوة اليه))

جمع دليل وهو ما يرشد الى المطلوب والأدلة تكون سمعية وعقلية
العمل به:أي العمل بما تقتضيه هذه المعرفة من الايمان بالله والقيام بطاعته واجتناب نواهيه من العبادات الخاصة كالصلاة والمتعدية كالجهاد.

الدعوة اليه:أي الدعوة الى ما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم-على مراتبها الثلاث وهي الحكمة والموعظة الحسنة والجادلة بالتي هي احسن
ينبغي أن تكون الدعوة عن علم وبصيرة والبصيرة تكون فيما يدعو اليه بأن يكون الداعية عالما بالحكم الشرعي وفي كيفية الدعوة وبحال المدعو.

مجالات الدعوة كثيرة منها الخطابة والقاء المحاضرات والمقالات والتأليف

منها ايضا الدعوة الى الله في المجالس الخاصة بغير ملل او اثقال ويحصل هذا بان يعرض الداعية مسألة علمية وتبدء المناقشة والسؤال والجواب وهذه الطريقة نافعة جدا

الدعوة الى الله وظيفة الرسل وطريقة من تبعهم باحسان فاذا عرف الانسان معبوده يجب عليه ان يسارع بانقاذ اخوانه بدعوتهم الى الله كما قال عليه الصلاة والسلام لعلي يوم خيبر وفيما رواه مسلم (من دعا الى الهدى...الحديث)

((الرابعة :الصبر على الأذى فيه))

الصبر:حبس النفس على طاعة الله وحبسها عن معصية الله وحبسها عن التسخط من أقدار الله

أذية الداعين إلى الخير من طبيعة البشر وكلما قويت الأذية قرب النصر والنصر ليس مختصا بأن يرى الانسان النتائج في حال حياته بل قد تكون بعد موته فعلى الداعية أن يكون صابرا فها هم الرسل أوذوا بالقول وبالفعل

((والدليل قوله تعالى: والعصر... السوره))

الصبر ثلاثة أقسام:
1-الصبر على طاعة الله
2-الصبر عن معصية الله
3-الصبر على أقدار الله

أقسم الله بالعصر الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر فأقسم الله على أن الانسان في خيبة وخسر الا من اتصف بهذه الصفات الأربع
1-الإيمان
2-العمل الصالح
3-التواصي بالحق
4-التواصي بالصبر
قال ابن القيم جهاد النفس أربع مراتب
1-أن يجاهدها على تعلم الهدى
2-أن يجاهدها على العمل بما علم
3-أن يجاهدها على الدعوة اليه وتعليمه
4-أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يتضمنان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين هما قوام الأمة

((قال الشافعيُّ...الى قوله تعلى "فاعلم أنه...الآية))

الشافعي هو أبو عبدالله محمد ابن ادريس بن العباس بن عثمان الهاشمي القرشي ولد في غزة وتوفي بمصر سنة 204 للهجرة

مراده رحمه الله أن هذه السورة كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله والإيمان والعمل الصالح وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعه

العاقل اذا سمع هذه السورة فلا بد أن يسعى الى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع

البخاري هو أبو عبدالله محمد ابن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيره البخاري ولد في بخارى في غرة شوال سنة أربعة وتسعين ومائة للهجرة وتوفي في خرتنك سنة ست وخمسين ومائتين

استدل البخاري رحمه الله بهذا الآية على وجوب البداءة بالعلم أولا وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولا ثم يعمل ثانيا وهناك دليل عقلي نظري يدل على ذلك لأن القول أو العمل لا يكون صحيحا مقبولا حتى يكون على وفق الشريعه


((اعلم رحمك الله...خلقنا))

ودليل أن الله خلقنا سمعي وعقلي أما السمعي فكثير منه قوله تعالى"وهو الذي خلقكم من طين" وقوله"ولقد خلقناكم ثم صورناكم" أما الدليل العقلي فقد جائت الإشارة اليه في قوله تعالى"أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" فالانسان لم يخلق نفسه ولم يوجد صدفة اذ الموجود صدفة ليس على نظام واحد في أصل وجوده فكيف يكون منتظما حال بقائه وتطوره ولم ينكر أحد ربوبية الله الا على وجه المكابرة كفرعون

((ورزقنا))

وأدلة هذه من الكتاب والسنة والعقل

أما الكتاب فمنها قوله تعالى"إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"
أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم في الجنين يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد
أما العقل فنحن لا نعيش إلا على طعام وشراب والطعام والشراب خلقه الله تعالى كما قال تعالى"أفرءيتم ما تحرثون....فولا تشكرون"

((ولم يتركنا هملا))

هذا الذي دلت عليه الأدلة السمعية والعقلية

أما السمعية: فقوله تعالى(أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)

وأما العقل:فلأن وجود البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله تعالى بل هو عبث محض ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل ثم تكون النتيجة لا شيء هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل

((بل أرسل إلينا رسولا))

أي أن الله أرسل لنا محمد يتلو علينا آيات ربنا ويعلمنا ويزكينا كما أرسل إلى من سبقنا لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه ألا عن طريق الرسل

((فمن أطاعه دخل الجنة))

هذا حق مستفاد من قوله تعالى"وأطيعوا الله والرسول "ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأؤلئك هم الفائزون" وهذا كثير في كتاب الله

ومن قوله صلى الله عليه وسلم "كل أمتي يدخلون الجنة إلّا من أبى )) فقيل ومن يأبى؟ قال)من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل الجنة)) أخرجه.

((ومن عصاه دخل النار))

هذا أيضا حق مستفاد من قوله تعالى"ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا...الايه" "ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق (ومن عصاني دخل النار)

((الثانية...ولا نبي مرسل))

الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد بل هو وحده المستحق للعبادة فنهى أن يعبد معه سواه والله لا ينهى عن شيء إلا وهو لا يرضاه فالكفر والشرك لا يرضاه الله سبحانه وتعالى واذا كان ذلك كذلك فان الواجب على المؤمن ألا يرضى بهما لأن المؤمن رضاه وغضبه تبع رضا الله وغضبه والشرك أمره خطيرٌ

((الثالثة...أقرب قريب))

الولاء البراء أصل عظيم جاءت فيه الكثير من النصوص قال عز وجل" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا" وقال تعالى"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء...الاية" وقال أيضا"قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تبعدون" ولأن موالاة من حاد الله ورسوله تدل على ضعف بالايمان بالله ورسوله لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئا هو عدو لمحبوبه.

مولاة الكفار تكون بمناصرتهم ومعاونتهم على ما هم فيه من الكفر والضلال
وموادتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم وهذا لا شك ينافي الإيمان كله أو كماله

((اعلم أرشدك الله لطاعته...إفراد الله بالعبادة))

الرشد:الاستقامة على طريق الحق

الطاعة:موافقة المراد فعلا للمأمور وتركا للمحظور

الحنيفية: الملة المائلة عن الشرك المبنيه على الإخلاص لله عز وجل

قوله(أن تعبد الله) هذه الجملة خبر أنّ في قوله(أنّ الحنيفية)

العبادة-بمفهومها العام-: التذلل لله محبة وتعظيما بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه

قال شيخ الإسلام"العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف والخشيه والصلاة والزكاة وغير ذلك من شرائع الاسلام."

الإخلاص هو التنقية والمراد أن يقصد المرء بعبادته وجه الله والوصول الى دار كرامته بحيث لا يعبد معه غيره

اعلم ان العبادة نوعان:

1-عبادة كونية-: وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه لا يخرج عنها أحد"إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا"

2-عبادة شرعية:- وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي وهذه خاصة بمن أطاع الله واتبع ما جاءت به الرسل(وعباد الرحمن الذين...الاية)

النوع الأول لا يحمد الإنسان عليه ولكن قد يحمد اذا حصل شكر عن الرخاء وصبر عند البلاء بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد كله

التوحيد لغة من وحّد يوحد أي جعل الشيء واحدا وهذا لا يتحقق إلّا بنفي وإثبات نفي الحكم عما سوى الموحَّد وإثباته له

التوحيد في الاصطلاح كما عرفه المؤلف"إفراد الله بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيء ومراد الشيخ هو التوحيد الذي جاءت الرسل لتحقيقه لأنه هو الذي حصل به إخلال من أقوامهم.
تعريف أعم للتوحيد"افراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به"

أنواع التوحيد ثلاثة:

1-توحيد الربوبية:- افراد الله بالخلق والملك والتدبير

2-توحيد الألوهية:- إفراد الله تعالى بالعبادة

3-توحيد الأسماء والصفات:- إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله بإثبات ما أثبته ونفي ما نفاه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

ومراد المؤلف هنا هو توحيد الألوهية فهو الذي ضل فيه المشركين الذي قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبيه والأسماء والصفات

((وأعظم ما نهى عنه الشرك))

وذلك لأن أعظم الحقوق هي حقوق الله عز وجل فإذا فرط الإنسان فيه فقد فرط في التوحيد قال تعالى" إن الشرك لظلم عظيم"
وقال"ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما"
وفي الحديث"أعظم الذنب أن تجعل لله ندا وهوخلقك"

من لم يعبد الله فهو كافر مستكبر ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو كافر مشرك ومن عبد الله وحده فهو مسلم محلص

والشرك نوعان:

1-شرك أكبر:- كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمنا لخروج الإنسان من دينه
2-شرك أصغر:- كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشارع وصف الشرك ولا يخرج من الملة.