ظاهرة التعصب للمسائل الاجتهادية
بسم الله الرحمن الرحيم
من أخطر ما يصاب به طالب العلم والداعية إلى الله: جعل المسائل الاجتهادية مسائل قطعية لا يسوغ فيها الخلاف، وهذا له أسبابه وآثاره وسبل علاجه.
أسبابه:
1.التعصب للشيوخ والجماعات والأصحاب، فبعض الشباب يرى في شيخه أو أصحابه صلاحا وإيمانا فيحبهم حبا جما ويقوده هذا الحب إلى محبة كل ما هم عليه، وبالتالي إذا رأى أحدا على خلاف ما رأى أصحابه وشيخه عليه اعتقد أنه قد خالف في مسألة قطعية لا يسوغ فيها الخلاف.
2.النظر العقلي المجرد من النظر الصادق في الأدلة الشرعية، فبعض الشباب يرى الواقع المرير الذي وصلت إليه الأمة، فيفكر بعقله في المخرج الصحيح فيقوده تفكيره إلى حل من الحلول، ويقتنع به اقتناعا راسخا، وبالتالي يكون المخالف له في هذا الحل مخالفا في مسألة قطعية لا يسوغ فيها الخلاف، وقد يسند رأيه بأدلة من هنا أو هنا، وإن كان عقله دليله الأول.
3.الخلل في منهج الاستدلال وتقرير الأحكام، كاعتقاد قول العالم الفلاني من العلماء السابقين حجة لا تسوغ مخالفتها، أو الإحساس بالحرج من تخطئة هذا العالم الذي يحبه ويجله، وإن كان لا يعتقد أن قوله حجة.
4.الغيرة على الدين المصحوبة بشيء من الجهل.
من آثاره:
1.النظر إلى خلاف المخالف في المسألة الاجتهادية على أنه بدعة، وبالتالي ترتيب أحكام معاملة المبتدعة على هذا المخالف، مع أن الخلاف في المسائل الاجتهادية – إن صدر من أهله – لا يقتضي هذا الأمر.
2.قد يتبين للداعية أو طالب العلم فيما بعد أنه كان يتعصب لمسألة اجتهادية فيؤدي هذا إلى حدوث آثار عكسية كالشك في الدين، أو التفلت من قيوده وتعدي حدوده الحقة بدعوى أن المسألة اجتهادية.
3.نفور بعض المسلمين من الحق إذا رأوا بعض أهله يتعصبون لأقوال في مسائل اجتهادية هي خلاف ما رأوا علماء بلادهم عليه.
4.الإنكار على المخالف في المسائل الاجتهادية مع أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
من سبل العلاج:
1.الصدق مع الله في طلب الحق، فقد روى النسائي رحمه الله عن شداد بن الهاد الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: ( إن تصدق الله يصدقك ) صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب.
2.طلب الهداية والسداد من الله سبحانه، قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قل: اللهم اهدني وسددني ).
3.التعبد والتأله لله سبحانه بأنواع العبادات والاجتهاد في هذا الأمر، قال الله تعالى: ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )، فالتقوى والإيمان من أسباب الهداية بإذن الله، قال الله تعالى: ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) وقال سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ).
4.التجرد من كل اعتبار قد يدفع الإنسان إلى تفضيل رأي على آخر إلا من الحق، ومن الحق أن مسائل الاجتهاد لا يضلل فيها المخالف ولا ينكر عليه وليس الخلاف فيها مسوغا للتباغض والتدابر.
5.طلب العلم، فكلما زاد علم الرجل اتسع أفقه، وأصبح يعذر العلماء لعلمه بوقوع الخلاف بينهم.
6.التعرف على ضابط البدعة وضابط المسائل الاجتهادية، فضابط البدعة: ( ما أحدث في الدين من غير دليل ) وضابط المسائل الاجتهادية: ( ألا يوجد في المسألة إجماع أو نص قاطع وإنما يكون النص الوارد في المسألة – إن ورد فيها نص – محتملا، قابلا للتأويا )، انظر كتاب: ( حكم التبديع في مسائل الاجتهاد ) د. محمد بن حسين الجيزاني.
ملاحظات:
1.لا يلزم من قاعدة: ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) ترك المناقشة، لأنها تكون من النصح إن أخلص المناقش النية لله، ولا شك أن القول الراجح أفضل وأصلح من القول المرجوح.
2.من الأخطاء المشاهدة تتبع الرخص والاحتجاج له بقاعدة: ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد )، والرد على هذا بأن من تتبع الرخص لم يجتهد أصلا وإنما اتبع هواه، لذا لا يصح له الاحتجاج بهذه القاعدة.
رد مع اقتباس
