لقاء مع د. فاضل السامرائي
حوارات العدد التاسع - مجلة الرائد
لقناة الشارقة الإماراتية برامج جميلة عدّة ، ألاّ أن هناك ميزة عراقية لأحد أنواع تلك البرامج ، وتلك هي البرامج التي تتعلق بلغة القرآن ، إذ إن كل الضيوف الذين فيها هم عراقيون ، وهم (د. فاضل السامرائي / د. حسام سعيد النعيمي) وقد استطاع هؤلاء أن يستقطبوا بعلمهم الغزير بلغة القرآن عددا كبيراً من المشاهدين ، قبل عام أو أكثر بقليل عاد أحد هؤلاء الأعلام إلى أحضان بلده ليضع ـ بحبٍّ ـ رأسه على صدر بغداد ولكن للأسف لقد حال صوت الإنفجارات بينه وبين أن يسمع دقات قلب أمه الحنون بغداد ، حاولنا مرارا أن نلتقي به إلاً أن الأقدار شاءت أن تؤخر لقاءنا هذا ..... وها نحن اليوم نلتقي معه في حوار شيق.
حدّثني أحد أقرانه عنه عندما كان طالبا في الكلية ، قائلا : كنا اذا استعصت على الدكتور وعلينا مسألة نحوية يقول لنا الدكتور: اذهبوا فاسألوا فاضلاً ، وفاضل كان طالبا معهم ، هذا هو (د. فاضل السامرائي).
هو / فاضل صالح السامرائي ، من مواليد سامراء 1933م.
في عام 1952انتقل إلى بغداد ليكمل دورته التربوية للمعلمين.
في عام 1953 عُيِّن معلماً في بلد وبعد سنة عاد إلى سامراء.
في عام 1957 دخل دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) ليتخرج منها الأول على دورته.
أكمل الماجستير وكان الأول على دفعته ، وهو أول من أخذ الماجستير باللغة العربية من بغداد وكانت حول ابن جنّي النحوي ، ومن ثم أخذ الدكتوراه من جامعة عين شمس في القاهرة لعدم وجود منح شهادة الدكتوراه في اللغة العربية في بغداد.
في عام 1972 أصبح أستاذ مساعد ، وفي عام 1979 أصبح أستاذا.
في عام 1996 أصبح عضواً في المجمع العلمي.
في عام 1998 ترك العراق ، ليعود إليه عام 2004.
الرائد : كيف بدأت علاقة د. فاضل باللغة العربية ؟ ومتى؟
د. فاضل : منذ الصغر وأنا أحب العربية ، ففي الثالث الابتدائي كنت أحاول أن أجيب المعلم عن أسئلته ، وفي الصف الرابع توطدت علاقتي مع القواعد (النحو) ، ولا أذكر أني قرأت يوماً للامتحان في درس العربية ، وفي الصف السادس أعطاني معلم العربي جائزة وكذلك معلم الإنكليزي اذ كنت أحسن الطلاب في الإنكليزي ، بل قبولي في الكلية كان في القسم الإنكليزي، فبدأت أتوسط وواسطتي حينها د. أحمد عبد الستّار الجواري معاون عميد الكلية فقال لي مازحاً:الطلاب يتوسّطون من أجل الدخول في القسم الإنكليزي وأنت بالعكس ، ،وكانت درجتي في اللغة العربية في الدورة التربوية هي 100.
الرائد : موقف أثّر فيك في مسيرتك العلمية ؟
د. فاضل : في الماجستير ، حيث لم يمنحوني الشهادة إلاّ بعد شهرين من المناقشة ، علماً أن رسالتي أُرسلت إلى الخارج وقد قدرها الخبير تقديراً عالياً جدّاً، ولمّا سألت د. محمود غنّاوي عن السبب وأخبرته أن ذلك آلمني أكثر مما آلمني موت أبي الذي توفّي بعد المناقشة بقليل جدّا ، فقال لي: إن الأمر لا يعنيك ،وما زلت إلى اليوم أجهل السبب.
الرائد : ما هو أول كتاب ألفه د. فاضل ؟
د. فاضل : كتاب (نداء الروح في الإيمان بالله واليوم الآخر) وقد طبعته وزارة التربية (وزارة المعارف آنذاك) عام 1958
الرائد : أليس غريباً أن يكون أول كتبك في العقيدة وشهرتك واختصاصك في اللغة؟
د. فاضل : لم أكن حينها معروفاً بذلك ، فقد ألّفته قبل دخولي الكلية ، وطُبِع وأنا في المرحلة الثانية ، وقد ذكرت السبب في تأليفي هذا الكتاب في مقدّمة كتابي (نبوة محمد من الشكّ الى اليقين) والسبب إن الشك كان قد ساد بين الشباب آنذاك وكان للإلحاد موجة عارمة ، فالإيمان أمر مهم ، إذ عليه سيُبنى سلوك الفرد.
الرائد : ما هو أقرب كتبك إليك ؟
د. فاضل : في العقيدة أقربها (نبوة محمد من الشكّ إلى اليقين) ، وفي اللغة (معاني النحو) إذ عكفت عشر سنوات على تأليفه ، وقد شغلني ليلاً ونهاراً ، وكنت أُفكّر فيه حتى عندما أسوق السيارة ، ولن أُبالغ إن قلت حتّى في النوم ، وما يتعلق في القرآن فكتاب (التعبير القرآني).
الرائد : ما هو الفرق بين كتابيك (التعبير القرآني) و (لمسات بيانية) ؟
د. فاضل : (التعبير القرآني) يهتم بالمواضيع كالتقديم والتأخير ، والذكر والحذف ، وغيرهما ، والآيات التي فيه هي للاستشهاد فقط ، أمّا (لمسات بيانية) فهو نصوص يبين فيها النواحي البيانية.
الرائد : الـ(د.فاضل) عراقي وله شهرة واسعة ،إلاّ أن السوق العراقية تفتقر إلى كتبه الأصلية ؟
د. فاضل : أغلب كتبي طبعتها جامعة بغداد ، إلاّ كتاب (الجملة العربية) فقد طبعه المجمع العلمي ، وهذه الجهات هي التي تحدد عدد النسخ المطبوعة فضلاً عن أنها طُبِعت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ، علماً أن كتبي قد طُبِعت حديثاً في الخارج كـ( التعبير القرآني ) طُبِع في الأُردن ، وكتاب ( على طريق التفسير البياني ) طبعته جامعة الشارقة ، وفي بيروت طبع كتاب ( الجملة العربية والمعنى ) ،فأغلب كتبي طُبِعت حديثاً ولكن في الخارج ، والدور التي طبعتها لا تمانع من تصدير هذه الكتب إلى العراق لو أن أحداً طلبها ، فالمسألة تجارية لا دخل لي بها ، أمّا الكتب الموجودة حالياً في السوق والتي هي استنساخ فلا علم لي بها ، ولا أمانع من طبع كتبي في العراق إذا وجدت الدار التي تريد طبعها. فضلاً عن أنها طُبِعت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ، علماً أن كتبي قد طُبِعت حديثاً في الخارج كـ( التعبير القرآني ) طُبِع في الأُردن ، وكتاب ( على طريق التفسير البياني ) طبعته جامعة الشارقة ، وفي بيروت طبع كتاب ( الجملة العربية والمعنى ) ،فأغلب كتبي طُبِعت حديثاً ولكن في الخارج ، والدور التي طبعتها لا تمانع من تصدير هذه الكتب إلى العراق لو أن أحداً طلبها ، فالمسألة تجارية لا دخل لي بها ، أمّا الكتب الموجودة حالياً في السوق والتي هي استنساخ فلا علم لي بها ، ولا أمانع من طبع كتبي في العراق إذا وجدت الدار التي تريد طبعها.
الرائد : في موقعك على الأنترنت عرفت ان لديك شعراً الاّ أنك لا تحاول أن تظهره لماذا ؟
د. فاضل : أولاً : الموقع ليس موقعي شخصياً ، وإنما هناك فتاتان محبتان متخصصتان باللغة العربية طلبتا مني ان ينشرا الموضوعات القرآنية ، فوافقت واشترطت عليهما ألاّ يكون الأمر لمقاصد تجارية ووافقتا ، أما الشعر فقد كنت في شبابي أنظم الشعر،وتركته سنة 1965، وذلك لانشغالي بما هو أهم،ولكني عدت إليه عام 1999 عندما كتبت قصيدتين ، إحداهما عن الحج ،والأُخرى قبل عودتي إلى بغداد،عن معاناتي في الغربة وتساءلت فيها عن سرّ بقائي بعيداً عن بغداد.
يا أخي السالك إيّاك القعود
استعِن بالله لا تخشى الحدود
وتعلّم أن هاتيك السدود
ســوف تندكُّ كما قــال النبي
أيها القاعد في الصوب البعيد
ينشد الراحة والعيش الرغيد
لا ينال القاعدُ العمر المديد
جــاء هذا القول من رب النـبـي
أيها القاعد والأرض تميد
هل تظن الراحةَ الرأيَ السديد؟
أنت لا تأوي إلى ركن شديد
إنـــمـــا ذاك إلــــى رب النـــبي
الرائد : بمن تأثر د. فاضل بأسلوبه البلاغي في تفسير القرآن ؟
د. فاضل : لا يمكن أن يأتي الأسلوب هكذا ، ولا أذكر أني تأثرت بشخصية معينة وإنما هو وليد قراءات كثيرة ومتعددة ، فقد قرأت لابن القيّم وللرافعي ، ففي الخمسينيات قرأت كتابه وقرأت ( دلائل الإعجاز ) عدة مرّات قبل دخولي الكلية.
الرائد : هل بإمكان د. فاضل أن يحدثّنا عن تجربته في قناة الشارقة ؟
د. فاضل : لم تكن هذه الفكرة في ذهني، ولكني ألقيت محاضرة في جامعة الشارقة بمناسبة الإسراء والمعراج ، فنالت إعجاباً من الحضور ، مما دعا رئيس قسم الشريعة إلى تقبيل رأسي مرتين ، وقد سمع الشيخ مظهر فائز قيمة الذي كانت له برامج في القناة ، وقد وقع بيده كتابي ( التعبير القرآني ) فقال لماذا لايكون هذا في التلفاز ، فاتّصل بي فبدأنا البرنامج.
الرائد : لماذا لاتكون مثل هذه التجربة في القنوات العراقية ؟ وهل هناك قنوات اتّصلت بك ؟
د. فاضل : جرت اتّصالات مع بعض القنوات ، أمّا القنوات العراقية التي اتّصلت بي فهي (بغداد / الرافدين / صلاح الدين) ولا نقول سوى (الخير ما يختاره الله).
الرائد : د. فاضل خاض تجربتين في التدريس الجامعي في العراق وفي الخارج ، فأيهما أفضل في المناهج والطرائق وغيرها ؟
د. فاضل : بالعموم الدراسة في العراق افضل وارسخ ، فالدراسة في الإمارات فصلية وليست سنوية ، فنحن ندرس النحو أربع سنوات ، بينما هم يدرسونه على الفصول ، والفصل عندنا يقابل نصف السنة ، أمّا ما يتعلّق بالطلبة فالعراقيون أكثر تفاعلاً مع المادة.
الرائد : هل د. فاضل مقتنع بطرق تدريس اللغة العربية في العراق ؟
د. فاضل : لا ، لست مقتنعاً ، وعندما عقد المجمع العلمي ندوة حول ذلك قدّمت بحثاً يتضمن موضوع ( النحو والتيسير ) ، وأبديت فيه ملاحظاتي حول طرق تدريس علوم اللغة العربية في العراق ،ووضعت فيه منهجاً آخر لطرق التدريس ، فالبلاغة مثلاً ، إذ لابدّ من تدريسها بأسلوب منفتح وواضح مع الإكثار من الأمثلة ليستطيع الطالب من التمييز وان تكون له نظرة بلاغية للمسائل ، فالدراسة الحالية لم تحقّق الطموح المراد فيما احسب، ولا ننسى دور المدرس في ذلك .
الرائد : كتاب ( ابن عقيل ) و( قطر الندى ) وغيرها من الكتب القديمة هل تعتقد أنها صالحة للتدريس في عصرنا الحاضر لطالب انتقل الآن من الإعدادية؟
د. فاضل : وهذه من الأمور التي ـ أيضا ـ تطرقت إليها في بحثاً، ولكن اعتراضي كان على (ابن عقيل ) واقترحت أن يُستبدل به(قطر الندى أو شذور الذهب )في الصف الاول فابن هشام له أسلوب أيسر وأوضح من ابن عقيل ، إذ ليس من السهل أن يُدَرَّس ابن عقيل لطالب نجح في الإعدادية،بينما كان درس النحو عنده ثانوياً، فهو في الامتحان يعتمد على مواد أُخرى غير النحو.
اما كونها كتبا قديمة أو حديثة ، فنحن نحرص على الكتب القديمة ، لأن الطالب مهيّأ للدراسات العليا وهذا يعني انه سيبحث في الكتب القديمة إذ لابدّ للباحث من الرجوع الى الأُصول ، فليس الغاية من تدريسه ابن عقيل أو غيره من القديم ان يتعلم ما فيها فحسب وانما ان يتعلم ايضاً كيفية التعامل مع النصوص القديمة وفهمها ،ولهذا نحن في الدراسات العليا نعمد إلى إعطاء الطلاب قراءات في كتاب سيبويه او في شرح الرضي على الكافية وغيرها، وهذا لا يمكن تحقيقه لو أننا درّسناه الكتب الحديثة فسيجد صعوبة في الرجوع إلى الكتب الأصول ، وهذه مسألة ناقشناها مع أساتذتنا حينها.
الرائد : من المسائل التي ظهرت على الساحة مسألة تيسير النحو، فما المقصود بها ؟
د. فاضل : يجب أن نفهم بأن المقصود بتيسير اللغة هو التيسير في طريقة تدريس النحو وليس في المادة نفسها ، فالمادة العلمية هي نفسها لا تتغير،وكل ما في الأمر انه يجب أن نعرف ماذا يحتاج الطالب لنُوصل إليه بأسلوب واضح مادة جيدة رصينة ، مع ربطها بالمعنى ، فالمعنى أساسي ، وربط النحو بالمعنى سيجعل الطالب يحب النحو ، وهذه مسألة لا حظتها أنا في تجربتي فعندما اربط النحو بالمعنى أجد الطلبة يستمتعون ويستلذون بالنحو ، فكان الطلاب يقولون لي : أُستاذ كلّمنا عن النحو أربعاً وعشرين ساعة ولكن لا تمتحنّا. بالمعنى سيجعل الطالب يحب النحو ، وهذه مسألة لا حظتها أنا في تجربتي فعندما اربط النحو بالمعنى أجد الطلبة يستمتعون ويستلذون بالنحو ، فكان الطلاب يقولون لي : أُستاذ كلّمنا عن النحو أربعاً وعشرين ساعة ولكن لا تمتحنّا.
أمّا من يظن أن التيسير مقصود به هنا تغيير المعلومة فهذا سيترتب عليه تغيير اللغة كلها ، وبالنتيجة سينشأ جيل لا يعرف اللغة أصلاً.
الرائد : تتعرض اللغة إلى هجمة شرسة والى مخاطر جمّة ، فكيف يمكننا مواجهة هذه المخاطر ومعالجة وضعها المزري ؟
د. فاضل : لايمكن معالجة هذا الأمر بجهد واحد فقط إذ لابدّ من تظافر الجهود ، وفي مقدّمتها أن تقتنع السلطة بهذه المسألة وبخطورتها ، ان درس النحو درس ثانوي بوضعه الحالي في المدارس ، فالطالب ينجح فيها لان المادة قد دمجت مع دروس اللغة العربية الاخرى ومن طريف ما اذكر انه في مقهى البيروتي قام أحد الطلاب ونادي على جماعته وهو يرفع كتاب القواعد(يا جماعة ، هذا شنو ) فأجابه الطلاب (كتاب القواعد) ، فإذا به يرمي بالكتاب في نهر دجلة وهو يقول ( وراح أنجح ) ، وبالفعل نجح ، ما السبب ؟ لأن النحو درس ثانوي ، فهو سيعوّض بالأدب والإنشاء ، وهذا أحد أسباب ضعف اللغة عندنا ، وفي إحدى السنوات أصبحت رئيس لجنة لدراسة كتب النحو في الابتدائية والثانوية ، فاقترحت أن تقسم درجة اللغة العربية إلى قسمين ، قسم للنحو وقسم للمواضيع الأُخرى ، أو أن نجعل درجة النحو درجة مستقلّة لا نجمعها مع الإنشاء أو الأدب أو غيرهما من مواضيع اللغة ، فالطالب عندما يجد نفسه أنه لاينجح الاّ بأن ينجح بمادّة النحو فقطعاً سيقرأ ، فالنحو أيسر من كثير من الموادّ التي يقرؤها وينجح فيها ، وقد جلست مع د. أحمد عبد الستار الجواري وكان حينها وزيراً للتربية ، وتحدّثنا في ذلك وكان مؤيداً للفكرة .
الرائد : هل لديكم تفسير بلاغي كامل للقرآن ؟
د. فاضل : لا ، ليس لديّ تفسير بلاغي كامل،وحتى الكتابان اللذان لم أطبعهما(من أسرار البيان القرآني / اسئلة بيانية في القرآن الكريم )انما هما نماذج لمواضيع بلاغية ،وهناك مسألة مهمة هي عندما يكون الكتاب صغير الحجم فإنه يُقرأ، أمّا إذا كان كبيرا فإنه لا يُقرَأ الاّ عند الحاجة اليه وهذا محدود،ولهذا فأنا أحرص على وضع الكتاب أولاً لأُثبّت الأشياء المهمة في تقديري، وإن بقي في العمر بقية بإذن الله فسنحاول أن نشرح ونوضّح أكثر.
الرائد : أنستطيع أن نقول إن هذه طريقة ابن هشام ، حيث يقوم بتأليف كتاب ثم يقوم بشرحه كما فعل بكتابه ( قطر الندى ) ؟
د.فاضل : لا نستطيع أن نقول ذلك ، فابن هشام غرضه تدريسي ، فابن هشام وضع متن ( قطر الندى) ثم قام بشرحه وهكذا في كتبه الاخرى....
الرائد : أين د. فاضل من السياسة ؟
د. فاضل : أنا متابع ومتقصٍّ لأخبار السياسة وإن لم أكن سياسياً