تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه، أما بعد:
    فقد طرح بعض الإخوة مسألةً في اختلاف أئمة النقد حول حديث جبريل الذي فيه أنه أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما تعدُّون أهل بدر فيكم؟ فقال: «من أفضل المسلمين»، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه بثلاثة أسانيد، وقد كان بعض الأئمة تكلَّم فيه وأعلَّه، فأحببتُ تحريرَ ذلك وبسطَه، والله المسدِّد والموفق.
    * * *
    قال البخاري في صحيحه (3992-3994): حدثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه، وكان أبوه من أهل بدر قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين»، أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.
    حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن يحيى، عن معاذ بن رفاعة بن رافع -وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، فكان يقول لابنه: ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة-، قال: سأل جبريلُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-... بهذا.
    حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا يزيد، أخبرنا يحيى، سمع معاذ بن رفاعة، أن ملكًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-...، نحوه،
    وعن يحيى، أن يزيد بن الهاد، أخبره أنه كان معه يوم حدثه معاذ هذا الحديث، فقال يزيد: فقال معاذ: إن السائل هو جبريل -عليه السلام-.

    # التخريج:
    الوجه الأول: يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك الزرقي، عن أبيه، مرفوعًا:
    * أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (16)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/151)، من طريق الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن إبراهيم، به.
    * وأخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (2681/الثاني، 3030/الثالث) عن أبيه، وابن ثرثال في جزئه (162/ضمن الفوائد لابن منده) من طريق يوسف بن موسى، كلاهما (أبو خيثمة، ويوسف) عن جرير، به.
    * وعلَّق الإسماعيلي في مستخرجه -كما في فتح الباري (7/312)-، والبيهقي في دلائل النبوة (3/152)؛ رواية يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، به.

    الوجه الثاني: يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة، مرسلاً:
    * أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (68)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/151) من طريق إسماعيل بن إسحاق، كلاهما (البخاري، وإسماعيل) عن سليمان بن حرب، به.
    * وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (55/183، 184) من طريق آدم بن أبي إياس، عن حماد بن زيد، به، ولم يذكر كلام رفاعة ورافع.
    * وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه -كما في فتح الباري (7/313)- من طريق محمد بن شجاع، عن يزيد بن هارون، به.
    * وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (33011، 37880) -وعنه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (338)- عن عبدالرحيم بن سليمان، عن يحيى بن سعيد، به.

    الوجه الثالث: يحيى بن سعيد، عن عباية بن رفاعة، عن جده رافع بن خديج، مرفوعًا:
    أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (37886)، ومسنده (77) -وعنه عبد بن حميد (425/المنتخب)-، وأحمد (3/465) -ومن طريقه الخلال في العلل (126/المنتخب)-، وابن ماجه (160)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4080)[1]، والطبراني في الكبير (4412)، وابن ثرثال في جزئه (161/ضمن الفوائد لابن منده)؛ من طريق وكيع، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5267)، وابن حبان (7224)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/292)؛ من طريق علي بن قادم، وأبو الفرج ابن الغوري في مجلس من إملائه (4/مخطوط) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، ثلاثتهم (وكيع، وعلي بن قادم، والفريابي) عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، به.

    الوجه الرابع: يحيى بن سعيد، عن رفاعة بن رافع بن مالك الزرقي، عن أبيه، مرفوعًا:
    أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (685)، والطبراني في الأوسط (131)، والكبير (4455) -وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (2641)-، وابن منده في معرفة الصحابة (1/585)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2641)؛ من طريق عبدالله بن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن سعيد، به.

    # دراسة الأسانيد:
    روى هذا الحديث يحيى بن سعيد، وجاء التصريح بنسبته في بعض الطرق إلى جرير: «يحيى بن سعيد الأنصاري»، وجاء في رواية الطحاوي من طريق علي بن قادم، عن سفيان الثوري: «عن يحيى بن سعيد -يعني: أبا حيان التيمي-».
    ولعل المزي أخذ تعيينه بالتيمي -في تحفة الأشراف (3/150)- من هذا الموضع.
    ولم أتبيَّن على وجه التحديد الشارحَ في رواية علي بن قادم عند الطحاوي، إلا أن هذا الشرح لم يجئ في الروايات الأخرى عن علي، ولا في الروايات الأخرى عن الثوري، وأخشى أن يكون مبنيًّا على كون الرواية ليحيى بن سعيد عن عباية؛ إذ المشهور بالرواية عن عباية: أبو حيان التيمي -كما في التاريخ الكبير (7/73)، والجرح والتعديل (7/29)، وغيرهما-.
    وسيأتي ما في هذا من النظر.
    والذي لا شك فيه أن مدار الحديث هاهنا واحد، وعلى هذا جرى أئمة النقد وأساطين العلل، منهم: ابن معين، وابن نمير، وأحمد بن حنبل، وابن حبان، والدارقطني.
    وقد خالفهم ابن حجر، فقال -بعد أن ذكر رواية الثوري، وجرير-: «وأظن أنهما حديثان»[2]، وجزم به في موضع آخر، فقال -بعد ذكر حديث الثوري-: «وهو حديث آخر غير حديث رفاعة بن رافع»[3]، ولا أدري مستند ابن حجر في تفريقه هذا، إلا أن يكون هو ما تقدم نَقدُه من أن يحيى بن سعيد في رواية الثوري هو التيمي، وفي رواية جرير وغيره هو الأنصاري، وهذا لا يتماشى مع واقع الروايات، ولا مع عمل أئمة النقد الكبار.
    وقد اختُلف عن يحيى بن سعيد على أوجه:
    الوجه الأول: عنه، عن معاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، مرفوعًا.
    ورواه عن يحيى: جرير بن عبدالحميد، وانفرد به، قال الدارقطني: «لم يسنده غير جرير»[4].
    لكن حُكِيَت متابعةٌ له راويها يحيى بن أيوب.
    الوجه الثاني: يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة، مرسلاً.
    ورواه عنه: حماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وعبدالرحيم بن سليمان.
    وروى يحيى -في رواية يزيد بن هارون عنه- متابعةَ يزيد بن عبدالله بن الهاد له عن معاذ بن رفاعة على هذا الوجه.
    الوجه الثالث: يحيى بن سعيد، عن عباية بن رفاعة، عن جده رافع بن خديج، مرفوعًا.
    ورواه عنه: سفيان الثوري، وانفرد به، قال أحمد بن حنبل: «لم يقل فيه أحدٌ: "عن عباية" غيرُ الثوري»[5].
    الوجه الرابع: يحيى بن سعيد، عن رفاعة بن رافع بن مالك الزرقي، عن أبيه، مرفوعًا.
    وهذا رواه عن يحيى: عمارة بن غزية، وانفرد عنه ابن لهيعة، قال الطبراني -عقب سياقه وأحاديثَ أخرى-: «لم يرو هذه الأحاديث عن عمارة بن غزية إلا ابن لهيعة»[6]، وقال ابن منده[7]: «هذا حديث غريب من حديث عمارة، تفرد به ابن عقبة»[8]، وابن عقبة هو ابن لهيعة، نُسب إلى جده.
    وعمارة صدوق، إلا أن ابن لهيعة ضعيف الحديث.

    # المقارنة بين الأوجه:
    يتضح أولاً: أن الوجه الرابع منكرٌ عن يحيى بن سعيد، والظاهر أنه من تخليط ابن لهيعة وسوء حفظه.
    وأما الأوجه الثلاثة الأولى؛ فقد اجتمعت قرائن تقدح في ثالثها، وهو رواية الثوري، وتُبيِّن وقوعَ الغلط فيها، منها:
    أولاً: أنه قد اشترك الوجهان الأولان في أن شيخ يحيى بن سعيد هو معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك، لا عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج.
    والترجيح بالقدر المشترك من القرائن القوية المستعملة عند الأئمة، وهي هنا مما يقدح في رواية الثوري.
    ثانيًا: العدد مقابل الانفراد، فقد اجتمع على خلاف هذا الوجه الحفاظُ الثقات: حماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وعبدالرحيم بن سليمان، ووافقهم جرير بن عبدالحميد على هذا القدر -كما سبق-.
    ثالثًا: متابعة ابن الهاد ليحيى بن سعيد على روايته عن معاذ -كما حكاه يحيى نفسُه في رواية يزيد بن هارون عنه-.
    رابعًا: أن في رواية يزيد تفصيلاتٌ وقصة تؤيد أنه أضبط لما رواه وأتقن.
    ولهذا غلَّط الأئمة هذا الوجه، وبيَّنوا أن الحديث لمعاذ بن رفاعة.
    وقد كان بعضهم يذهب إلى أن الغالط فيه: وكيع، قال محمد بن عبدالله بن نمير: «حديث وكيع، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج، أن جبريل -عليه السلام- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر...، والناس يروون عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة، ليس فيه رافع، خالف وكيعٌ الناسَ فيه»[9]، وقال القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي: «هكذا قال وكيع»[10].
    إلا أن وكيعًا قد توبع فيه -كما تبين في تخريجه-، قال أحمد بن حنبل: «وكنت أظن أن وكيعًا هو خالف فيه، حتى رأيت غيرَ واحدٍ يرويه عن الثوري هكذا»، قيل له: فهذا من قِبَل الثوري؟ قال: «نعم»[11].
    وقال يحيى بن معين -وقد سئل عن رواية وكيع، عن الثوري-: «خطأ؛ إنما هو عن معاذ بن رفاعة مرسل»[12].
    وقد خالف في هذا ابنُ حبان، فقال -عقب تخريج رواية الثوري-: «روى هذا الخبر جريرُ بن عبدالحميد، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه...، وقد رواه سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن عباية بن رفاعة، عن جده رافع بن خديج، وسفيان أحفظ من جرير وأتقن وأفقه، كان إذا حفظ الشيء لم يبال بمن خالفه»[13].
    وهذا سببُه عقدُ المقارنة بين جرير والثوري فحسب، دون النظر إلى من تابع جريرًا على جعله لمعاذ بن رفاعة، مع القرائن الأخرى المذكورة آنفًا.
    هذا، وقد ذكر ابن حجر متابعةً للثوري، فقال -بعد أن ذكر رواية الثوري وخرَّجها-: «وكذا رواه أبو يعلى من حديث علي بن مسهر، عن يحيى بن سعيد، به»[14].
    وهذا ظاهرُ الإشكال، ولو كانت هذه المتابعة تصح ما لجأ الأئمة إلى تغليط الثوري، وما ظنُّوا قبلُ أن وكيعًا هو المخطئ فيه، كما أنها مضادَّة لحكم إمام النقد أحمد بن حنبل بتفرد الثوري بهذا الوجه.
    فإما أن يكون ابن حجر وهم في نقله، أو يكون في إسناد الرواية ما يضعفها.

    ثم بالنظر إلى الوجهين الأولين، فإن الراجح -والله أعلم-: الوجه المرسل، وذلك لأن رواته: حماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وعبدالرحيم بن سليمان؛ أتقن وأحفظ من جرير بن عبدالحميد، واجتمعوا، وتوبع يحيى بن سعيد على ما رووه عنه، وفي رواية يزيد ما يقوي ضبطه وحفظه لها.
    واجتماع هذه القرائن يفيد أن رواية جرير بعيدة عن الصواب، ولذا شدد ابن معين عبارته في نقدها، فقال: «ليس بشيء، باطل»، قال ابن أبي خيثمة -مفسِّرًا-: «يعني: "عن أبيه" باطل»[15]، واستغربها المحاملي، قال: «هكذا قال جرير»[16].
    وكلمة ابن نمير السابق نقلها تشير إلى هذا؛ فإنه قال: «والناس يروون عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة، ليس فيه رافع».
    وهذا يبين بُعد قول البوصيري بأن الوجهين محفوظان عن يحيى بن سعيد؛ لأن الجميع ثقات[17]، فالعمدة في معالجة العلل على القرائن والمرجحات، لا على التجويزات والاحتمالات العقلية، ولا على تصحيح حديث الثقة مهما كانت حال روايته.
    وما سبق -أيضًا- يؤيد أن متابعة يحيى بن أيوب لجرير، التي علقها الإسماعيلي والبيهقي؛ لا تصح، ففضلاً عن أن في يحيى ضعفًا؛ فإن الدارقطني قد حكم بتفرد جرير بالوصل، وهو الظاهر من تصرف غيره من الأئمة.
    فالراجح في الحديث -إذن-: الوجه المرسل من رواية التابعي معاذ بن رفاعة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    وقد تبيَّن أن ذكر عباية بن رفاعة في الحديث غلطٌ من الثوري، فإن كان هذا معتمدَ مَنْ عيَّن يحيى بن سعيد بأبي حيان التيمي -كما سبق-؛ فقد تبيَّن سقوطه.
    والأظهر أن مدار الحديث على يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري الحافظ، لأمور:
    أولاً: أنه قد جاء التصريح بنسبته (الأنصاري) في بعض طريق رواية جرير -كما مرَّ-، مع أن الأئمة يقارنون بين روايتي جرير والثوري باعتبار اختلافهما على شيخٍ واحد، فهو الأنصاري إذن.
    ثانيًا: أن الأئمة -كما سبق- على جعل المدار واحدًا، وقد اختَلَف عنه جماعة من الرواة بعضهم لم يشتهر بالرواية عن أبي حيان، وإنما يروي عن الأنصاري، كحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، ويحيى بن أيوب -إن صحت روايته-؛ لم يذكر المزي في شيوخهم أبا حيان، وذكر الأنصاري وحده.
    ثالثًا: أن في رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد روايةً ليحيى عن يزيد بن عبدالله بن الهاد، ومعروفٌ عند الأئمة أن يحيى بن سعيد الأنصاري روى عنه وهو من شيوخه[18]، وثَمَّ رواياتٌ ليحيى عن ابن الهاد[19]، والظاهر أن ما هنا منها، أو هو المقصود بها وحدَه؛ فقد تُكُلِّم في تلك الروايات المشار إليها.
    رابعًا: أنه قد قُرن يحيى بن سعيد الأنصاري بيزيد بن الهاد في حديثٍ عن معاذ بن رفاعة نفسِه، وجاء عن ابن الهاد أنه ذكر أن الأنصاري كان معه لما سمعه من معاذ[20]، وهذا مطابقٌ لما في هذا الحديث، فأفاد أن المراد هنا الأنصاري لا التيمي.
    وقد عَيَّن راويَ هذا الحديث بالأنصاري صريحًا: الكلاباذي[21]، وأبو الوليد الباجي[22].

    # مناقشة كلام ابن حجر في تقوية رواية جرير بن عبدالحميد:
    حاول ابن حجر في سياق تقويته للحديث -نظرًا لتخريج البخاري له- أن يعضد رواية جرير بأمرين:
    الأول: رواية حماد بن زيد:
    وهي التي جاء فيها كلامٌ في رفاعة بن رافع وأبيه، قال ابن حجر : «سياق البخاري يعطي أن طريق حماد متصلة»[23]، وقال -في الكلام على رواية حماد-: «وهذا صورته مرسل، ولكن عند التأمل يظهر أن فيه روايةً لمعاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، عن جده»[24].
    وجزم الألباني بناءً على هذا بأن رواية حماد موصولة، وجعله متابعًا لجرير على وصله[25].
    وهذا يبطله أمور:
    أحدها: الرواية الأخرى عن حماد بن زيد، وهي رواية آدم بن أبي إياس عنه، فإنها جاءت مرسلة بلا إشكال، وبلا ذكرٍ لرفاعة بن رافع وأبيه.
    ثانيها: أنه ليس في رواية حماد المذكورة أزيَدُ من حكايةٍ عن رفاعة وأبيه رافع، وأن رافعًا شهد العقبة، ورفاعة شهد بدرًا، وفضَّل رافعٌ شهودَ العقبة على شهود بدر.
    وهذه الحكاية -سوى أنها ليست لهذا الحديث بعينه، فلا يستفاد من اتصالها اتصالُه-؛ فإنها -أصلاً- ليست من رواية رفاعة عن أبيه، بل هي من حكاية معاذ بن رفاعة لحال أبيه وجده وما حصل بينهما، إن لم تكن من حكاية يحيى بن سعيد نفسه.
    ثالثها: تصرف الأئمة الذين ما فهموا من رواية حماد بن زيد إلا الإرسال، وقارَنَ بعضهم بينها وبين رواية جرير، كالدارقطني، قال -حكايةً لما أخرجه البخاري-: «وعن سليمان، عن حماد، عن يحيى، عن معاذ، مرسلاً»[26]، والإسماعيلي، قال -حاكيًا الخلاف على يحيى بن سعيد-: «وأرسله عنه حماد بن زيد، ويزيد بن هارون»[27]، ونحوه للبيهقي[28]، والمزي، قال -حكايةً لما أخرجه البخاري-: «... عن حماد بن زيد, عن يحيى بن سعيد, عن معاذ بن رفاعة، قال: سأل جبريل... فذكره، مرسلاً»[29]، وغيرهم.
    هذا، ويمكن قَلبُ احتجاج ابن حجر بهذه الحكاية على تصحيح الموصول، وذلك من جهة أن هذا اللحقَ في الإسناد، والبيانَ الذي أدخله معاذ أو يحيى بن سعيد؛ هو سببٌ محتملٌ جدًّا لخطأ جرير في الحديث، ووصله إياه عن معاذ، عن أبيه، حيث ظنَّ أن ذكر رفاعة -والد معاذ- بأنه من أهل بدر جاء بعد الرواية عنه، فرواه كذلك: معاذ، عن أبيه -وكان من أهل بدر-، وإنما هو ذكرٌ لذلك دون روايةٍ عنه.
    فصار هذا سببَ الخطأ، وعلةَ الرواية، لا ما يقويها ويؤيدها.
    وسيأتي ما يشبه ما ذكره ابن حجر في قرائن تقوية الحديث في الجملة، لكن لا تُقوَّى به رواية جرير بمفردها.

    الأمر الثاني: رواية عمارة بن غزية:
    اجتهد ابن حجر في تصويب إسنادها، ثم جعلها متابعةً لجرير، قال: «وروى ابن منده في المعرفة من طريق عمارة بن غزية، عن يحيى بن سعيد، عن رفاعة بن رافع -كذا عنده، ولعله: عن ابن رفاعة بن رافع-، قال: سمعت أبي يقول: إن جبريل قال...، وهذا يقوي رواية جرير في الجملة»[30].
    وإنما احتمل ابن حجر إضافة (ابن) إلى رفاعة بن رافع ليكون الابنُ معاذًا، فيكون عمارة بن غزية متابعًا لجرير في وصله عن يحيى بن سعيد، عن معاذ، عن أبيه.
    ولا يصحُّ تصويبُ ابن حجر، فقد جاءت الرواية كما جاءت في المعرفة عند أبي القاسم البغوي، والطبراني في موضعين، وأبي نعيم -كما سبق في تخريجها-.
    كما لا يصحُّ الاستشهاد بهذه الرواية -على فرض صحة تصويب ابن حجر لها-؛ لأنها من مفاريد ابن لهيعة، وهو ضعيف.
    ويمكن أن يعتذر لابن حجر عن هذا بأن ابن لهيعة جاء عند ابن منده منسوبًا إلى جده: «عبدالله بن عقبة».

    # وجه تخريج البخاري للحديث:
    يمكن توجيه تخريج البخاري للحديث -وقد ترجح إرساله- بإيضاح أمور، منها:
    الأول: أن البخاري لا يصحِّح الحديث، وليس الحديث على شرطه، ولا ينبغي تحميلُ البخاري تصحيحَه ومخالفةَ الأئمة فيه، وهذا أمرٌ ظاهر جدًّا، فلم يكن البخاري أخرجه وسكت، بل أخرجه وأعقبه بروايتين قويَّتين تخالفه، وبمتابعةٍ لإحدى الروايتين، فهو يوضِّح بهذا أن رواية جرير معلولة، وأن أصل الحديث مرسل.
    الثاني: أن الحديث جاء في فضائل من شهد بدرًا من الصحابة، وساقه البخاري في أبواب كتاب المغازي، وهذه الأبواب مما يتسمَّح فيه الأئمة، وربما نزلوا عن شرطهم فيها أحيانًا، وهذا منه.
    الثالث: أن مخرج الحديث من بعض أبناء أهل بدر، وهؤلاء يعتنون بمثل هذه الفضائل الواردة فيهم وفي آبائهم وأهلهم، فهذا أمرٌ يقوِّي الحديث المرسل، وقرينةٌ خارجيةٌ تخفِّف من ضعفه.
    والفرق بين هذا الاحتجاج وما سبق عن ابن حجر: أن ابن حجر جعل أمرًا يُشبه هذا قرينةً داخليةً مؤثرةً في الخلاف على يحيى بن سعيد، ومرجحةً لبعض الأوجه على بعض، وهذا خلطٌ بين ما يقوِّي الوجه الراجح بعد الترجيح في الاختلاف، وما يقوي بعض الأوجه على بعض أثناء معالجة الاختلاف، وبين الأمرين بون.

    والله -تعالى- أعلم.

    ____________________________
    [1] سقط عنده ذكر رافع بن خديج، فصار من مرسل عباية، وهذا سقط في النسخة -فيما يظهر-، فقد قال السيوطي -في الدر المنثور (2/307)-: «وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، عن رافع بن خديج، قال: قال جبريل...».
    [2] إتحاف المهرة (4/479).
    [3] هدي الساري (ص369).
    [4] الإلزامات والتتبع (ص188).
    [5] المنتخب من علل الخلال (ص215).
    [6] المعجم الأوسط (1/48).
    [7] هو أحد أبناء الحافظ أبي عبدالله محمد بن إسحاق ابن منده، ولم أبحث تعيين المراد به هنا.
    [8] حاشية معرفة الصحابة، لابن منده (2/585).
    [9] تقدمة الجرح والتعديل (ص327).
    [10] جزء ابن ثرثال (1/71/ضمن الفوائد لابن منده)، وتعيين القائل بالمحاملي اجتهادٌ مني، فهو أقرب رجال السند إلى النقد والمعرفة.
    [11] المنتخب من علل الخلال (ص215).
    [12] تاريخ ابن أبي خيثمة (2/302/الثالث).
    [13] صحيحه (16/207).
    [14] هدي الساري (ص369).
    [15] تاريخ ابن أبي خيثمة (2/637/الثاني، 2/301/الثالث)، وكلام ابن أبي خيثمة في الموضع الثاني فقط.
    [16] جزء ابن ثرثال (1/71/ضمن الفوائد لابن منده).
    [17] مصباح الزجاجة (1/24).
    [18] انظر: الكنى، لابن منده (ص476)، تهذيب الكمال (32/171)، سير أعلام النبلاء (6/189).
    [19] انظر: المعجم الأوسط (2039) -وسقط فيه: يزيد-، اللطائف، لأبي موسى المديني (ص114، 358، 513).
    [20] انظر: سنن النسائي الكبرى _(8167)، إتحاف المهرة (3/571)، الفصل للوصل المدرج في النقل، للخطيب (1/413-416).
    [21] رجال صحيح البخاري (2/701).
    [22] التعديل والتجريح (2/712).
    [23] هدي الساري (ص369).
    [24] فتح الباري (7/312).
    [25] الصحيحة (6/68)، الضعيفة (12/809).
    [26] الإلزامات والتتبع (ص188).
    [27] فتح الباري (7/312).
    [28] دلائل النبوة (3/152).
    [29] تحفة الأشراف (3/171).
    [30] هدي الساري (ص369).

  2. #2

    افتراضي رد: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    بارك الله فيك وأحسن الله إليك وزداك علما وفهما

    ملاحظة :
    أليس من الجيد الإشارة إلى جماعة روو أسانيد البخاري عنه حتى يكتمل تخريج الحديث وإن كان يكفي ما ذكرت
    وكذلك الإشارة إلى شاهد للحديث أو جزء منه من حديث رافع بن خديج نفسه عند الطبراني في الكبير مرفوعا الحديث وفيه " وقال: إن للملائكة الذين شهدوا بدرا لفضلا على من تخلف منهم"
    وكذلك ماروي من حديث ابن عباس رضي الله عنه

    ودمت موفقا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    وفيك بارك الله.
    كنتُ قد وقفتُ على ما ذكرتَ،
    فأما الطرق إلى البخاري، فلم أذكرها لأنها فضلٌ ونافلة، والإحاطة بها وتتبعها يعسر، ومثل الصحيح في الثبوت والضبط لا يُحتاج إلى التنصيص على الرواية من طريقه، خاصة أن مَن أخرج مِن طريقه هنا هم من المتأخرين عن عصر الرواية والإسناد.
    وأما الرواية من طريق رافع بن خديج، فأُنسيتُها، وقد كنت أنوي إدراجها في تعليق لاحق. وعلى أيٍّ؛ فنقد الألباني لها -في الضعيفة (12/808)- جيد، أعني نقده ببعض رواتها، لا نقد بعض ألفاظها.
    وأما حديث ابن عباس، فغاية ما وقفت عليه أنه أخرجه ابن بشران، ولم أقف له على إسناد، وإذا كان بهذه المثابة؛ فلا أرى حاجة لذكره، خاصة أن أمارات النكارة عليه ظاهرة.
    وفقك الله.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    845

    افتراضي رد: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    بارك الله فيك ، ونفع بعلمك ، ورفع قدرك .
    واجعَل لوجهكَ مُقلَتَينِ كِلاَهُما مِن خَشيةِ الرَّحمنِ بَاكِيَتَانِ
    لَو شَاءَ رَبُّكَ كُنتَ أيضاً مِثلَهُم فَالقَلبُ بَينَ أصابِعِ الرَّحمَنِ


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    وفيك بارك، وبعلمك نفع، وقدرَك رفع، أحسن الله إليك.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    98

    افتراضي رد: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    جزى الله أخانا و شيخنا محمد بن عبد الله السريع الفردوس الأعلى ، و متعه بلذة النظر إلى وجهه ,
    البحث ماتع
    أحببت أن أضيف :
    1-طريق البيهقي الأولى في الوجه الأول أتت من طريق الإسماعيلي -صاحب المستخرج -( دلائل النبوة/3/151) ، قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله البسطامي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، قال :أخبرني الحسن ابن سفيان .....
    فكأن هذا الحديث من المستخرج ... و هذه فائدة مليحة.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تخريج حديث: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

    الشَيخ الحبيب الغالي / محمد بن عبد الله السريع - نفع الله بك - .
    لكَم اشتقنا لنفيس بحوثكم ودُرركم الغالية ، فقد مضى زمنٌ لم نرى فيه لكم بحثاً فأرجوا أن تكون بخير شَيخنا .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •