بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد، فهذا مقال لفضيلة الشيخ الوالد عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله تعالى بعنوان:
((مسألتان مختصتان بصلاة العيد في المسجد النبوي الشريف))، وهذا نصه:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، فهذه كلمة في مسألتين متعلقتين بصلاة العيد بالمسجد النبوي الشريف، وهما: أهمية الاستفادة من الساحة الأمامية في المسجد النبوي في صلاة العيد، والتكبير الجماعي قبل صلاة العيد.
المسألة الأولى: أهمية الاستفادة من الساحة الأمامية في المسجد النبوي في صلاة العيد.
يوجد في المسجد النبوي داخل أسواره وأبوابه من الجهة الأمامية ساحة واسعة يبلغ عرضها من الغرب إلى الشرق خمسمائة متر تقريباً في الصف الواحد فيها على أقل تقدير ألف مصلٍّ، تتسع لعشرات الآلاف من المصلين ولا يستفاد منها في صلاة العيد لأنها تقع أمام الإمام، مع أنه يحضر لصلاة العيد أعداد كبيرة يمتلئ بهم المسجد وساحاته الأخرى، بل ويصلون في الشوارع من الجهات الثلاث الغربية والشرقية والشمالية، وتمتد الصفوف في الشوارع إلى مسافات كبيرة من الشرق والغرب.
ومن المناسب جداً أن يتقدم الإمام في صلاة العيد إلى أول الساحة الأمامية للأمور التالية:
1ـ تمكين عشرات الآلاف من المصلين من الصلاة في المسجد بدلاً من صلاتهم في الشوارع.
2ـ أنه صُرف مليارات الريالات لنزع الملكيات في هذه الساحة التي بقيت حتى الآن عشرين سنة تقريباً معطلة لا يستفاد منها منذ وجودها ضمن التوسعة الواسعة للمسجد النبوي في عهد الملك فهد رحمه الله.
3ـ أن في الاستفادة من هذه الساحة في صلاة العيد تطبيقاً في الجملة لسنة صلاة العيد في المصلى الثابتة في الصحيحين وغيرهما.
ولا يقال: إنه إذا تقدم الإمام في أول هذه الساحة الأمامية يكون قبر الرسول صلى الله عليه وسلم واقعاً بين صفوف المصلين؛ لأن ذلك حاصل في جميع الأوقات، فإن الناس يصلون أمامه كما هو حاصل في الزيادة الأمامية داخل المسجد التي فيها الإمام وستة صفوف أو سبعة أمام القبر والروضة، وكذا من الجهة الشرقية،وتمتد الصفوف في صلاة العيد في شرق المبنى القديم الذي فيه القبر، والصلاة الواحدة فرضاً أو نفلاً في المسجد النبوي وساحاته خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام سواء في ذلك ما كان قبل دخول القبر في المسجد في أثناء عهد بني أمية أو بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) رواه البخاري (1190) ومسلم (3374).
ومن العجيب تشبث بعض الناس في الأقطار المختلفة لتسويغ بناء المساجد على القبور بكون قبره صلى الله عليه وسلم داخل مسجده، وقد قلت في رسالة: ((فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها)) (ص21): ((ابتُلِيَ كثيرٌ من المسلمين في كثيرٍ من الأقطارِ الإسلامية ببناء المساجد على القبورِ، أو دفن الموتى في المساجد، وقد يتشبَّثُ بعضُهم لتسوِيغِ ذلك بوجود قبرِه صلى الله عليه وسلم في مسجدِه، ويُجابُ عن هذه الشُّبهةِ بأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هو الذي بنى المسجدَ أولَ قدومِه المدينة، وبنى بيوتَه التي تسكنُها أُمَّهاتُ المؤمنين بجوارِ مسجِدِه، ومنها بيت عائشة الذي دُفِن فيه صلى الله عليه وسلم، وبقيت هذه البيوتُ كما هي خارج المسجد في زمن الخلفاء الرَّاشدين رضي الله عنهم وزمن معاوية رضي الله عنه، وزمن خلفاء آخرين بعده، وفي أثناء خلافة بني أُميَّة وُسِّع المسجدُ وأُدخلَ بيتُ عائشةَ الذي قُبِرَ فيه صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقد جاء عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديثُ مُحكمةٌ لا تَقبَلُ النسخَ تدلُّ على تحريمِ اتِّخاذِ القبور مساجد، منها حديثُ جندب بن عبد الله البجليِّ رضي الله عنه الذي سمِعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاتِه بخمسِ ليالٍ قال فيه: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يَموتَ بخمسٍ يقول: ((إنَّي أبرَأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلٌ، فإنَّ اللهَ اتَّخذَنِي خليلاً كما اتَّخذَ إبراهيمَ خليلاً، ولو كنتُ متَّخَذاً من أُمَّتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بَكر خليلاً، ألاَ وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبورَ أنبيائهم وصالِحيهم مساجد، ألاَ فلا تتَّخذوا القبورَ مساجدَ إنِّي أنهاكم عن ذلك)) رواه مسلمٌ في صحيحه، بل إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نزل به الموتُ حذَّرَ من اتِّخاذ القبور مساجد كما في الصحيحين عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالاَ: ((لَمَّا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطرحُ خميصةً على وجهه، فإذا اغتمَّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنةُ الله على اليهودِ والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجد، يُحذِّرُ ما صَنعُوا))، فهذه الأحاديثُ عن عائشة وابن عباس وجندب رضي الله عنهم مُحكمةٌ لا تقبلُ النسخَ بحالٍ من الأحوالِ؛ لأنَّ حديثَ جندبٍ في آخر أيامه، وحديثَي عائشة وابن عباس في آخر لحظاتِه صلى الله عليه وسلم، فلا يجوزُ لأحدٍ من المسلمين أفراد أو جماعات تَركُ ما دلَّت عليه هذه الأحاديث الصحيحةُ المُحكَمة، والتعويلُ على عملٍ حصل في أثناء عهدِ بني أُمَيَّة، وهو إدخالُ القبر في مسجدِه صلى الله عليه وسلم فيستدل بذلك على جواز بناءِ المساجد على القبور أو دفن الموتَى في المساجد))، وقد طُبعت هذه الرسالة مراراً، وطبعت ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/133ـ159).
ولا يقال أيضاً: إن هذه الساحة الأمامية يقع بعضها فوق سطح أماكن قضاء الحاجة (دورات المياه)؛ لأن المساحة التي تقع تحتها دورات المياه قليلة جداً بالنسبة لغيرها مما ليس تحتها دورات مياه، مع أنه يوجد تحت الساحتين الغربية والشمالية دورات مياه يصلي الناس على سطحها ولا بأس في ذلك، والقول بصحة الصلاة فوق الحمامات هو أصح القولين في المسألة كما قرره بعض أهل العلم، ومنهم اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخان الجليلان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله، ففي فتاوى اللجنة الدائمة (6/211) الفتوى رقم (3051) أجابت عن سؤال عن حكم الصلاة فوق سطح دورة المياه بما يلي: ((إذا كان الواقع كما ذُكر جاز أن يصلَّى على سطح دورة المياه المذكورة ولا حرج إن شاء الله ولا كراهية في ذلك؛ لأن السطح لا يتبع الأصل في مثل هذا، وهذا هو الصحيح من قولي العلماء في هذه المسألة، كما صرح بذلك أبو محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه المغني))، وأجابت أيضاً (6/210) عن حكم الصلاة على حصير وُضع على أرض متنجسة بما يلي: ((يشترط للصلاة الطهارة في البدن والثوب والمكان، والطفل إذا بال في مكان ووُضع على هذا المكان حصير طاهر ونحوه وصُلِّي عليه فالصلاة صحيحة))، ومن باب أولى صحة الصلاة على سطح دورات المياه، وفي مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (10/419) ما يلي: ((سؤال: هل تجوز الصلاة في مكان تقع أمامه دورة مياه ولا يفصل بينهما سوى حائط فقط، وهل الأفضل الصلاة في مكان آخر؟
الجواب: لا مانع من الصلاة في الموضع المذكور إذا كان طاهرًا ولو كانت دورة المياه أمامه، كما تجوز الصلاة في أسطح دورات المياه إذا كانت طاهرة في أصح قولي العلماء))، وفي كتاب ((زاد المستقنع)): ((وإن طيَّن أرضاً نجسة أو فرشها طاهراً كُره وصحت))، والمعنى أنه لو وُضع على الأرض النجسة طين ومثله الأسمنت والبلاط أو وُضع عليها فراش طاهر صحت الصلاة فيها مع الكراهة أي كراهة التنزيه، قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/228): ((والصواب أنه تصح ولا تكره؛ لأنه ليس على الكراهية دليل صحيح))، ومن باب أولى صحة الصلاة فوق أسطح الحمامات، وعزا الصنعاني في سبل السلام (1/209) القول بصحة الصلاة فوق سطح الحمام مع الكراهة إلى الجمهور.
المسألة الثانية: التكبير الجماعي قبل صلاة العيد.
يقوم بعض المؤذنين في المسجد النبوي قبل صلاة العيد بالتكبير الجماعي في مكبر الصوت، ولا أصل لهذا التكبير الجماعي يعوَّل عليه بل هو من الأمور المحدثة، وأما التكبير من الأفراد كلٌّ على حدة فهو السائغ شرعاً، وقد أنكر التكبير الجماعي العلماء المحققون في هذه البلاد وغيرها، ومنهم الشيخان الجليلان محمد بن إبراهيم آل الشيخ وعبد العزيز بن باز رحمهما الله واللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاواه (13/21): ((وصفة التكبير المشروع أن كل مسلم يكبر لنفسه منفرداً ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به، أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة ـ اثنان فأكثر ـ الصوت بالتكبير جميعاً يبدأونه جميعاً وينهونه جميعاً بصوت واحد وبصفة خاصة، وهذا العمل لا أصل له ولا دليل عليه، فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان، فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود غير مشروع، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))، والتكبير الجماعي محدث فهو بدعة، وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره؛ لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة، أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية، وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات، وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي، والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية وهي التكبير فرادى، وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية ـ رحمه الله ـ وأصدر في ذلك فتوى، وصدر مني في منعه أكثر من فتوى، وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي والحمد لله)).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (8/310ـ311) الفتوى رقم (8340) ونصها: ((يكبِّر كلٌّ وحده جهراً؛ فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير الجماعي، وقد قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، والفتوى رقم (9887) ونصها: ((التكبير مشروع في ليليتي العيدين وفي عشر ذي الحجة مطلقاً وعقب الصلوات من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؛ لقوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، وقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات)، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل: (أي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: الإجماع)، ولكن التكبير الجماعي بصوت واحد ليس بمشروع بل ذلك بدعة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولم يفعله السلف الصالح لا من الصحابة ولا من التابعين ولا تابعيهم وهم القدوة، والواجب الاتباع وعدم الابتداع في الدين))، وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعليقاً على حديث رقم (171) من السلسلة الصحيحة: ((ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة أن الجهر بالتكبير هنا لا يُشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يُشرع فلا يُشرع فيه الاجتماع المذكور)).
وقد أورد البخاري في صحيحه أثرين معلقين، أحدهما عن ابن عمر وأبي هريرة والآخر عن عمر رضي الله عنهم، فقال في ((باب فضل العمل في أيام التشريق)) قبل حديث ابن عباس (969) في فضل العمل في أيام العشر، قال: ((وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما))، قال الحافظ في شرحه: ((لم أره موصولا عنهما))، وقال البخاري في أول الباب الذي يليه: ((وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبّته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً))، وقد ذكر الحافظ في شرحه أنه وصله سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام، والأثران لا يدلان على التكبير الجماعي، بل يدلان على رفع الصوت منهم رضي الله عنهم بالتكبير لتذكير الناس به، فيتذكرون ويكبر كل واحد رافعاً صوته على حدة.
وحصل من بعض المؤذنين في المسجد النبوي قبل صلاة عيد الفطر عام 1431هـ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي في مكبر الصوت، قالوا فيها: ((اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد))، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الطاعات المشروعة في كل وقت وحين وتتأكد في بعض الأحوال وفقاً للنصوص الواردة في ذلك كعند دخول المسجد والخروج منه وبعد الأذان وغير ذلك لكنه لا يؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغيرها من الأذكار بصوت جماعي، بل كل فرد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر الله على حدة، وقد كتبت في ذلك رسالة بعنوان: ((فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبيان معناها وكيفيتها وشيء مما أُلف فيها)) طبعت ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/57ـ79)، والتعبير بـ((نبينا)) عند ذكره صلى الله عليه وسلم أولى من التعبير بـ((سيدنا))؛ لأن الأول مختص به صلى الله عليه وسلم، والثاني يطلق عليه وعلى غيره، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم سيدنا وقدوتنا وإمامنا وهو صلى الله عليه وسلم سيد الناس في الدنيا والآخرة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في أول حديث الشفاعة: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) رواه البخاري (4721) ومسلم (480)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)) رواه مسلم (5940)، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم سيادته وخصائصه لتعلمها أمته وتعتقدها؛ لأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم يبيِّن منزلته عليه الصلاة والسلام، أما الأنبياء السابقون فقد جاء بعدهم صلى الله عليه وسلم وبيَّن فضائلهم، ولم يكن التزام تسويده صلى الله عليه وسلم عند ذكره من عمل الصحابة الكرام وهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم؛ والدليل على ذلك أن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما وهي بعشرات الآلاف تُذكر فيها الأسانيد وإذا انتهت إلى الصحابي قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا))، أو ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا))، أو ((عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا))، أو ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا))، أو ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا))، وليس فيها: ((قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا))، بل إن مؤلفي كتب الحديث ينصون على الاختلاف في تعبير الصحابي بلفظ ((النبي)) ولفظ ((الرسول)) مع أنه لا فرق بينهما، وكذا يميزون بين قول الصحابي: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا)) وبين قوله: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا))، ومن أمثلة ذلك ما أورده مسلم في صحيحه (7197) من حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله! ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر أحدكم بم ترجع))، فقد عبَّر محمد بن حاتم أحد شيوخ مسلم بقوله عن المستورد قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم))، ثم ذكر مسلم أن عدداً من شيوخه عبَّروا عن المستورد بقوله: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول))، ومن أمثلة ذلك أيضاً الحديث رقم (5591) في سنن النسائي، رواه عن شيخين هما إسحاق بن إبراهيم وقتيبة بن سعيد، وذكر في رواية إسحاق بن إبراهيم عن عائشة قالت: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شراب مسكر فهو حرام)) ثم قال: ((قال قتيبة: عن النبي صلى الله عليه وسلم))، فميَّز بين رواية شيخه إسحاق بن إبراهيم حيث عبَّر بلفظ ((قال)) ولفظ ((رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وبين رواية قتيبة حيث عبّر بلفظ ((عن)) ولفظ ((النبي صلى الله عليه وسلم))، وكذا الحديث رقم (5669) حيث رواه عن شيخين هما محمد بن آدم بن سليمان وواصل بن عبد الأعلى، وفي أعلاه قال: ((عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال محمد بن آدم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))، فميَّز بين رواية واصل حيث عبّر بلفظ: ((عن النبي صلى الله عليه وسلم)) ورواية محمد بن آدام حيث عبّر بلفظ: ((عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وهذا يدل على دقة المحدّثين وعنايتهم بالمحافظة على ألفاظ الرواة وإن كان لا يترتب عليها فرق في المعنى، فلو جاء عن أحد من الصحابة التعبير بقوله: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغفلوا ذكره.
والمأمول من كل من يعنيه الأمر تحقيق ما أشرت إليه من تمكين عشرات الآلاف من صلاة العيد في الساحة الأمامية في المسجد النبوي ومنع التكبير الجماعي فيه قبل صلاة العيد.
وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين في كل مكان للفقه في الدين والثبات على الحق واتباع السنة فيما يأتون ويذرون، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.