يقول السائل: ذكرتم في بعض دروسكم أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحداً من أصحابه فإنه يكفر ويقتل ، والأمر ليس كذلك ، إنما الصواب : أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يكفر ، أما من سب أحداً من الصحابة فلا يكفر ، لكن لو سب الصحابة عموماً أو سبهم إلا نفراً قليلاً فإنه يكفر ، لكن الكلام الآن وموضوع الإجابة سيكون عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم .
فنقول : إذا سب الرسول فإنه يكفر ، سواء كان جاداً أو مازحاً أو مستهزئاً ، فإنه يكفر لقول الله تعالى : ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة : 65-66] ولكن إذا تاب تقبل توبته ؛ لقوله تبارك وتعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر :53] .
ولكن هل يسقط عنه القتل ؟ الجواب على هذا : فيه تفصيل : إن كان الذي سب الرسول صلى الله عليه وسلم سبه وهو كافر لم يسلم بعد فإنه لا يقتل ؛ لعموم قوله تعالى : ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال :38].
أما إذا كان الذي سب الرسول مسلماً وارتد بسبب سبه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يقتل مع قبول توبته ؛ أخذاً بالثأر للرسول صلى الله عليه وسلم .
فإن قال قائل : إنه قد وجد أناس سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل توبتهم ولم يقتلهم .
قلنا : نعم .
هذا صحيح ، لكن الحق في القتل لمن ؟ للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإذا عفا عنهم في حياته فالحق له ، إن شاء قتلهم وإن شاء لم يقتلهم ، لكن بعد موته لا نستطيع معرفة إن كان الرسول سيعفو عنهم أم لا ، فإذا كانوا مستحقين للقتل بسبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حق آدمي ، ولم نعلم أنه عفا عنهم ، فإن الواجب قتلهم .
ثم إن في قتلهم مصلحة وهو كف ألسنة غيرهم عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما هم فقد قبل الله توبتهم إذا كانت توبتهم نصوحاً ، وأمرهم إلى الله ، وإذا لم يقتلوا اليوم ماتوا غداً ، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة .
ويرى بعض العلماء أنه إذا تاب فلا تقبل توبته ويقتل كافراً ، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد ، قال في زاد المستقنع : ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله ، ولكن هذا القول ضعيف ؛ لأن الصواب : أن التوبة مقبولة متى صدرت على الوجه الصحيح ، لكن إن كان سب الله فإنه لا يقتل ، وإن كان قد سب الرسول فإنه يقتل ، ولعلكم تتعجبون فتقولون : أيهما أعظم : سب الله ، أم سب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!!
الجواب : سب الله أعظم بلا إشكال ، إذاً فلماذا إذا تاب من سب الله قبلنا توبته ولم نقتله ، وإذا تاب من سب الرسول قبلنا توبته وقتلناه ؟ لأن من سب الله وتاب تاب الله عليه ، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه أنه يسقط حقه فقال : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر : 53] فنحن نعلم أن الله تعالى قد عفا عنه بتوبته من سب الله ، أما من سب الرسول فلا نعلم أن الرسول عفا عنه ، وحينئذٍ يتعين قتله .
هذا وجه الفرق بينهما .
وذهب بعض العلماء : إلى أن من سب الله أو رسوله ثم تاب قبلت توبته ولم يقتل ، فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة ، أرجحها أن توبته تقبل ويقتل .
الشيخ محمد بن صالح بن العثمين فتاوى لقاء الباب المفتوح ( اللقاء 53 )