آفات على الطريق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أخي السائر إلى الله
الطريق إلى الله كالطريق الحسية تماماً.. تجد فيها أنفاقاً مظلمةً، ومنحنياتٍ خطيرة، ومطبّاتٍ مرهقة، و"كباري" علوية.. كما تجد أحياناً على جنبتي الطريق حدائق فاتنة، وسبلاً متفرعة.. ومن لم ينتبه لمثل هذه، ولم يقده للخروج منها خبير بصير ضل -ولابد- في الطريق أو انقطع.
أخي الكريم
إن معرفة آفات الطريق من المهمات التي ينبغي للسائر الإلمام بخباياها.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "ولا يتم المقصود إلا بالهداية إلى الطريق، والهدايا فيها، وأوقات السير من غيره، وزاد المسير، وآفات الطريق، ولهذا قال ابن عباس في قوله - تعالى -: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة: 48) قال: سبيلاً وسنةً، وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير، فالسبيل: الطريق، وهي المنهاج، والسنة: الشرعة، وهي تفاصيل الطريق وحزوناته، وكيفية المسير فيه، وأوقات المسير، وعلى هذا فقوله: "سبيلاً وسنة" يكون السبيل: المنهاج، والسنة: الشرعة، فالمقدم في الآية للمؤخر في التفسير، وفي لفظ آخر: سنةً وسبيلاً، فيكون المقدم للمقدم، والمؤخر للمؤخر"
فجعل من الهداية في الطريق التخلص من آفات الطريق وحزوناته ومعرفة تفاصيل تلك الحزونات..
فنتبه معي لأخطر هذه الآفات عافانا الله وإياك منها -:
* الآفة الأولى: الخوف من وحشة التفرد:
قال بعض السلف: "عليك بطريق الهدى ولا يضرنك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا يغرنك كثرة الهالكين".
ومن سنن الله الربانية الكونية أن أهل الحق دائما قلة.. هذا أصل ينبغي ألا يفوتك، قال - سبحانه -:
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) (ص: 24)، وقال - سبحانه وتعالى -: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ: 13)
وعلى العكس: تجد وصف الكثرة دوما مع أهل الباطل، قال - سبحانه -: (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (الأعراف: 102) وقال - سبحانه وتعالى -: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ) (الأنعام: 116)، وقال - سبحانه وتعالى -: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ا لنَّاسِ لَفَاسِقُونَ) (المائدة: 49)
فإذا تبين لك ذلك، فإياك أن تستوحش من قلة السائرين معك على الطريق، فإن أكثر السائرين نكصوا على أعقابهم حين رأوا الجمهرة الغالبة على عكس طريق السير أو على جنبات هذا الصراط، فاثبت ولا تحزن.
الآفة الثانية: فضول الكلام والخلطة
وهذه أخطر تلك الآفات.. فضول الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.. أن يصير لقاء الناس شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.. وقد قيل: إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش من الخلوة، فاعلم أنك لا تصلح لله.. وإن من علامات الإفلاس الاستئناس بالناس.
وللعزلة أيها الأخ الكريم مزايا، فإن الاجتماع بالناس لا يخلو من آفات أهونها أن تتزين للخلق..

كتاب اصول الوصول إلى الله تعالى
صفحة 40
محمد حسين يعقوب