السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدِّم ،المؤخِّر
وقد ورد هذان الاسمان في بعض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها أنه كان يدعو بهذا الدعاء : (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي،وإسرافي في أمري ،وما أنت اعلم به مني ، اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطأي وعمدي، وكل ذلك عندي،اللهم اغفر لي ما قدَّمت و ما أخَّرت ، وما أسررت وما أعلنت ،وما أنت أعلم به مني،أنت المقدِّم و أنت المؤخِّر،وأنت على كل شيء قدير ). متفق عليه
وهذان الاسمان من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقرونًا بالآخر،فإن الكمال باجتماعهما، والتقديم والتأخير وصفان لله عز و جل دالان على كمال قدرته ونفوذ مشيئته ،وكمال حكمته ،وهما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما ،ومن صفات الأفعال ؛ لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها و أفعالها و أوصافها .
وهذا التقديم والتّأخير يكون كونيًا كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها عن بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها ،والشروط على مشروطاتها ،إلى غير ذلك من أنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير ، ويكون شرعيًّا كما فضّل الأنبياء على الخلق وفضّل بعضهم على بعض ،وفضّل بعض عباده على بعض ،و قدّمهم في العلم والإيمان والعمل والأخلاق وسائر الأوصاف .
و أخَّر من أخَّر منهم بشيء من ذلك ، وكل هذا تبع لحكمته سبحانه ،يقدِّم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه وفضله ، ويؤخر من يشاء عن ذلك بعدله .
وقد ورد هذان الاسمان في سياق طلب الغفران للذنوب جميعها المتقدّم والمتأخّر ،والسّر والعلانية ،والخطأ والعمد ،وفي هذا أن الذنوب توبق العبد وتؤخّره ،وصفح الله عن عبده وغفرانه له يقدِّمه ويرفعه ، والأمر كله لله وبيده يخفض ويرفع ،ويعزّ ويذل،ويعطي ويمنع ،من كتب الله له عزًّا ورفعة وتقدمًا لم يستطع أحد حرمانه من ذلك،ومن كتب الله له ذلاً وخفضا وتأخرًا لم يستطع أحد عونه للخلاص من ذلك .
ومن ثمار الإيمان بهذا الاسم الحرص على تقديم ما قدّم الله وتأخير ما أخّر (( والنبي صلى الله عليه وسلم كان شديد التحري لتقديم ما قدّمه الله والبداءة بما بدأ الله به ،فلهذا بدأ بالصفا في السعي ،وقال : (نبدأ بما بدأ الله به )،و بدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس في الوضوء ،ولم يخلّ بذلك مرة واحدة )) .
وهكذا في جميع أمور الدِّين،والواجب كذلك تقديم من قدّمه الله وتأخير من أخّره ،ومحبة من أحبه الله وبغض من أبغض،فإن هذا أوثق عرى الإيمان .
من مختصر فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر.