بسم الله الرحمن الرحيم



وفي حلقة اليوم رحلة جميلة شيقة سريعة ومع أقسام الملائكة وأعمالهم ..

فلنبحر الآن في بساتين آيات من كتاب الله الحكيم ..

تتحدث تلك الآيات الكريمات عن ملائكة الله تعالى الكرام وعظمتهم ..

قال تعالى :-

( والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ) ..

وقال عز وجل :-

( والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ) ..

وقال جل في علاه :-

( والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا ) ..

وقال تعالى :-

( والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ) ..


______________________________ _________

وسأتكلم عن تلكم الآيات على هيئة نقاط محددة لبيان بعض الأمور المهمة الفاصلة ..

النقطة الأولى :-

إن العاشق لتفسير وبيان معاني كلام الله تعالى يجد أن العلماء السابقين من المفسرين قد اختلفوا في تفسير تلكم الآيات ..

والأغلب الأعم على أنها أصناف الملائكة وأقسامهم وبيان لمراتبهم عند الله تعالى ..

وهو الصحيح الذي أعتمده لسببين ..

الأول :- وهو أن القرآن متناسق محكم غير عضين ..

الثاني :- أن الله تعالى بين في كل تلك السور ما يؤكد على أن المقصود منهم الملائكة فقط ..

فنجد العلماء المفسرين من السلف والخلف يجمعون على ذلك ويبينونه ..

ولما كان ذلك معلوما فقد صرح العلامة الطبري بأن الأوجَه أن تكون باقي الأقسام هي أقسام للملائكة كذلك لتشابهها وتتابعها ..

ولهذا فقد قال العلامة الطبري :-

والذي هو أولـى بتأويـل الآية عندنا ما قال مـجاهد، ومن قال هم الـملائكة، لأن الله تعالـى ذكره، ابتدأ القسم بنوع من الـملائكة، وهم الصافون بإجماع من أهل التأويـل، فلأن يكون الذي بعد قسماً بسائر أصنافهم أشبه.

وهذا هو الحق الواضح الذي يطوي الخلاف كله فيظهر جمال القرآن وتناسقه ..

فقد نقل الطبري بيان أهل التأويل من السلف على أن الصافين هم الملائكة ..

فتكون الزاجرات والتاليات ملائكة كذلك ..

والآن سأعرض الآيات المفصلية التي أجمع العلماء كما بين الطبري والقرطبي على أنها الملائكة لا غير ، وبالتالي تكون غيرها كذلك تتابعا في سائر تلك السور كلها فهي كالمفاتيح لها ..

بالنسبة لسورة النازعات فإن المفتاح هو قوله تعالى :- ( فالمدبرات أمرا ) و هي الملائكة ..

وفي سورة المرسلات فإن المفتاح هو قوله تعالى :- ( فالملقيات ذكرا ) و هي الملائكة ..

وفي سورة الذاريات فإن المفتاح هو قوله تعالى :- ( فالمقسمات أمرا ) و هي الملائكة ..


______________________________ _________

والآن فمع رحلة سريعة نسبح فيها مع آيات الله البينات المحكمات ..

سنفسر بعض معاني تلكم الآيات بما ظهر لنا بفضل الله تعالى ..

قال تعالى :-

( والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ) ..

وهنا لي ملاحظة هامة :- أن الأقسام الثلاث الأولى من الملائكة قد وضع الله تعالى بينها حرف الواو الفاصلة ؛ بيانا إلى أن أعمالهم منفصلة ومتباينة ..

وهم ( والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا ) ..

وأما الأقسام الثلاثة الأخيرة فجمع بينهم بفاء التعقيب ؛ لبيان اشتراكهم في العمل وتكامل مهامهم ..

وهم ( والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا ) ..

والآن فمع الشرح والبيان :-

( والنازعات غرقا ) ملائكة العذاب المرعبة التي تنزع روح الكافر التي تغرق مختبئة في الجسد فتنزعها نزعا شديدا !!!!!! نعوذ بالله من غضب الله ..

وهذه البداية توافق نهاية السورة السابقة ( سورة النبأ ) حيث جاء في نهايتها .. ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) ..

فكان أقرب العذاب عذاب النزع الشديد أول سورة النازعات ..

وهذا من إعجاز القرآن وتناسقه وإحكامه بين السور فضلا عن تناسق وترابط آيات السورة الواحدة ..

______________________

( والناشطات نشطا ) ملائكة الرحمة والجمال التي تستبشر بها النفس المؤمنة فتسعد لرؤيتها فتستبشر خيرا فتشتاق للقاء ربها عز وجل .. كيف لا وتلك الملائكة بجمالها تطمئنها قائلة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما .. ) .

___________________________

( والسابحات سبحا ) قسم ثالث من أقسام تلك الملائكة ..

وهو قسم يسبح في الأرض وفي السماء ..

جاء في الحديث الصحيح :-

( إن لله ملائكة سيارة .. وإن لله ملائكة يطوفون في الطرقات يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا .. )

وهؤلاء الملائكة الذين يطوفون في الطرقات يبحثون عن الذاكرين الذين يذكرون ربهم فيرجونه ويسالونه ..

فإذا وجد هؤلاء الملائكة أحد المسلمين يبكي راجيا ربه الشفاء من المرض أو المال لسد فاقته ....

فإنهم يحملون حاجته تلك فيتسابقون إلى ربهم عز وجل ولهذا فقد صور الله تعالى صورة الملائكة وهم يتسابقون لنصرة ذلك الذاكر المحتاج إلى رب السماء صور منظهم الجميل ذلك بقوله تعالى :-

( فالسابقات سبقا ) ..

فيخبرون الله تعالى كما جاء في الحديث الصحيح حاجة ذلك العبد وهو أعلم فيأذن الله لمن شاء منهم أن يكشفوا ضر ذلك العبد الصالح بغذنه فيشفى بإذن الله ويرزق بإذن الله ويعطى ويعز بإذن الله تعالى ..


وهذا قوله تعالى :- ( فالمدبرات أمرا ) ..

فيا للروعة والجمال والإحسان والرحمة ..

ويضيق قلبي ولا ينطلق لساني ..

وأعرج قليلا وبسرعة وقد ملّ القارئ مني .. على بعض تلك الصور التي شقت و حفرت في القلب بعيدا فأقول ..

لننظر إلى عظمة تصوير الله تعالى لتلك الصور الخلابة التي تنشق السماء لها وتئط وحق لها أن تئط ..

فمن صورة وهي صافة في صفوف عظيمة للصلاة وقد أتمت صفوفها الأول فالأول .. ( والصافات صفا ) .. وهذا منظر يحبه الله تعالى ..

فبعضها يصلي وبعضها يتلو القرآن ( فالتاليات ذكرا ) ..

وبعضها تحمل الذكر فتنزله وتنشره في قلوب المؤمنين ( فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا ) ..

إن تلكم الملائكة لتوحي بالذكر فتملأ به قلب المؤمن فيفيض نورا بإذن الله تعالى ..

وإذا ما همت نفس المؤمن بالذنب فإنها تنزل مسرعة فتلقي في قلبه نذيرا فيفيق من غفلته تلك ليستيقظ على أمر الله ونوره ..

و قسم آخر يصوره الله تعالى لنا فيُظهر بعض أقسام تلك الملائكة التي تنشر الخير :-

( فالجاريات يسرا ) .. ( فالناشرات نشرا ) .. ( فالحاملات وقرا ) .. ( فالمدبرات أمرا ) ( فالمقسمات أمرا ) :-

فتبشر المؤمنين بالنصر والخير وتحليهم بالصبر ( لا تخف إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) وتفصل بالخير ( وبشرناه بغلام حليم ) .. وتفصل بالعذاب ( إنا مهلكوا هذه القرية ) ..

وبعضهم ينزل بالعذاب والسخط والزجر ( فالعاصفات عصفا .. والزاجرات زجرا ) ..

فهم الصافون بصفوفهم ومراتبهم ومنازلهم المختلفة كلهم إما للصلاة والذكر والدعاء .. وبعضهم صافون أجنحتهم ينتظرون أمر الله تعالى فإما بنشر خير وإما بخسف أرض ..

ولهذا فحق أن يأتي بعد ذكر تلك الأقسام قوله تعالى :-

( رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ) ..

فعظمة السماوات وما فيها لأكبر وأعظم مما يتخيله الناس لو كانوا يعقلون ..

نسأل الله تعالى العفو والعافية ..

إنه سميع مجيب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .