صفات الفعل عند الأشاعرة
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
فرق الأشاعرة بين صفات الذات وصفات الفعل فقالوا: إن الأولى قديمة والأخرى حادثة ؛ وقولهم بحدوث صفات الفعل وعدم قدمها لزم منه تناقض في مذهبهم .
والذي ألجأهم إلى ذلك فرارا من القول بحوادث لا أول لها ؛ فلو كان الله متصفا بصفات الفعل منذ الأزل كالخلق والرزق لزم وجود متعلقاتها : المخلوق ؛ المرزوق .. .
فقد عنون الجويني في كتابه الشامل عنوانا(305) :فصل القديم غير خالق في أزله بالخالقية .
وهذا القول أوجد تناقضا في مذهبهم كما قدمنا ؛ فما من وقت إلا ويصح الفعل من الله والترجيح بلا مرجح – باعترافهم – مناف للمعقول .(أي ترجيح الفعل في وقت دون وقت )
قال شيخ الإسلام : وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم ؛ يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع ، وقال لهم الناس : هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع ؛ وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ؛ فإذا كانت الأوقات متماثلة ، والفاعل على حال واحدة لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه ، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح .
درء التعارض (4|153)
وللهروب من هذا الإشكال أسندوا صفات الفعل إلى القدرة والإرادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومنشأ ضلال هاتين الطائفتين هو نفي صفات الله وأفعاله القائمة بنفسه.
فإنهم لما نفوا ذلك، ثم أرادوا إثبات صدور الممكنات عنه، مع ما يشاهدون من حدوثها، لم يبق هناك ما يصلح أن يكون هو المرجح لوجود الممكنات -إلا لما شوهد حدوثه منها- ولا لغير ذلك.
وصارت المتفلسفة تحتج على هؤلاء المتكلمة بالحجج التي توجب تناقض قولهم، فيجيبوهم بما يتضمن الترجيح بلا مرجح، مثل إسنادهم الترجيح إلى القدرة أو الإرادة القديمة، التي لا اختصاص لها بوقت دون وقت.
درء التعارض (5|103)
فأرجعوا جميع الصفات الفعلية إلى القدرة أو الإرادة التي تعلقها بكل وقت وليس في وقت دون وقت ؛ وتسميتها بالرزق والخلق الإحياء والإماتة هي باعتبار الأثر وإنما هي في الحقيقة القدرة .
وخص كل تأثير باسم باعتبار الأثر الذي تحقق ؛ فإن كان موجودا بعد عدم سميت صفة الفعل خلقا وإيجادا وإن كان الأثر بعد بعث الإنسان سميت صفة الفعل إحياء وإن كان الأثر عدما بعد وجود سميت صفة الفعل إماتة ؛ فجميع صفات الأفعال تعلقات القدرة التنجيزية ؛ فالتخليق تعلق القدرة بإيجاد المخلوق والترزيق تعلق القدرة بإيصال الرزق وهكذا .
وهذا التقرير منهم فيه من الاضطراب والتناقض الشيء الكثير .
1- قولهم بحدوث صفات الفعل أوقعهم بين أمرين
أ*- إن قالوا بحدوثها وعدم قدمها حقيقة فقد جوزوا وقوع الحوادث في صفات الله ؛ والذي يعبر عنه أهل السنة بقيام الأفعال الاختيارية بالله سبحانه .
ب*- وإن قالوا تعلق هذه الصفات بالقدرة ؛ وهي صفة قديمة فقد وقعوا في تناقض لأن تعلق هذه الصفات الفعلية بالقدرة تعلق تنجيزي حادث على حسب صدورها وليس قديما على قولهم .
2- القدرة كما عرفوها بأنها التمكن من الفعل أو الترك .
وأفعال الله في الحقيقة غير القدرة أو الإرادة ولازم قولهم أن الخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها من الصفات الفعلية هي نفس القدرة ولا ينفعهم القول بأنها أثر من آثار القدرة أو تعلق من تعلقات القدرة لأن هذه الأفعال سواء سموها أثرا أو تعلقا أو إضافة هو في الحقيقة هو الصفة الفعلية وهي تختلف عن مسمى القدرة لفظا ومعنى .
يقال فلان قادر على الخلق أو الإحياء أو الإماتة ؛ فالقدرة غير مسمى الفعل ؛ وإنما هي ملكة تمكن من الفعل .
فهم في الحقيقة لم ينظروا إلى صفات الأفعال كاستقلالية ولكن نظروا إليها أنها آثار القدرة .
3- وهنا مسألة مهمة أن أهل السنة والجماعة يقولون بالتعلق ولكن الفرق بين أهل السنة والأشاعرة كما يلي :
التعلق معناه الارتباط بين شيئين مثلا بين الفعل والمفعول .
فأهل السنة يقولون التعلق وجودي أي حقيقي بين الفعل الصادر عن الفاعل وبين المفعول .
أما الأشاعرة فالتعلق عدمي أي مجرد نسبة وإضافة من غير تعلق حقيقي أي وجودي وهذه مسألة مهمة ينبغي أن يتنبه إليها طالب العلم .
وقد وضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال : الكلابية يقولون فى جميع هذا الباب المتجدد هو تعلق بين الأمر والمأمور وبين الإرادة والمراد وبين السمع والبصر والمسموع والمرئي فيقال لهم هذا التعلق إما أن يكون وجودا وإما أن يكون عدما فإن كان عدما فلم يتجدد شيء فإن العدم لا شيء وإن كان وجودا بطل قولهم .
وأيضا فحدوث تعلق هو نسبة وإضافة من غير حدوث ما يوجب ذلك ممتنع فلا يحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمر وجودي يقتضى ذلك .
الفتاوى الكبرى (6|229)
ويفهم من قولهم أن التعلق عدمي أنه لا يحدث شيء فالعدم لا شيء ؛ فكيف يقال بعد ذلك أنها صدرت عن القدرة – تجوزا -
والسبب في ذلك فرارا من القول بتجدد الصفة الذي يفهم منه قيام الحوادث وعلى مذهب أهل السنة قيام الأفعال الاختيارية .
ولذلك ذكر الرازي أن أكثر طوائف المسلمين يقولون بقيام الأفعال الاختيارية بالله وإن كانوا ينكرونه باللسان .
وقال أيضا : أما وقوع التغير في الإضافات فلا خلاص منه .
الأربعين في أصول الدين (118-119)
وقال شيخ الإسلام : فإن الرازي وإن قرر في كتبه الكلامية كـ الأربعين ونهاية العقول وغيرهما: امتناع حوادث لا أول لها، كما تقدم تقريره، واعتراض إخوانه عليه، فهو نفسه في كتب أخرى يقدح في هذه الأدلة، ويقرر وجوب دوام الفاعلية، وامتناع حدوث الحوادث بلا سبب، وامتناع حدوثها في غير زمان، ويجيب عن كل ما يحتج به في هذه الكتب، كما فعل ذلك في كتاب المباحث المشرقية وغيره.
درء التعارض (8|273)
وقال عن الرازي : كما ذكره في المباحث المشرقية فإنه قال في بيان دوام فاعلية الباري: اعلم أنا بينا أن واجب الوجود لذاته، كما أنه واجب الوجود لذاته، فهو واجب الوجود من جميع جهاته.
وإذا كان كذلك، وجب أن تدوم أفعاله بدوامه.
درء التعارض (9|190)
والله أعلم .