لا يقتصر الإعجاب كظاهرة من الظواهر على الإعجاب العاطفي فحسب؛ بل إنّ من الإعجاب ما هو إعجاب فكري.
بمعنى: أنّ نشوء الإعجاب الفكري مبني على لسان القلم ؛ إذ هو أحد اللسانين – كما تقول العرب -، فسلاسة الأسلوب، وحسن المنطق، وقوة الحجاج العقلي، وجودة الفهم، وما إلى ذلك = تعد من أسباب هذه الظاهرة.
وهذا الإعجاب الفكري له جذوره الخاصة به، والتي تختلف في متانتها وصلابتها وقوة تأثيرها ما يفوق به أنواع الإعجاب الأخرى.
ولعل اختلاف المداخل = هو سر هذا التباين؛ إذ مداخل الإعجاب تتنوع بحسب حاسّة النقل من جانب، والمعطى الإعجابي من جانب آخر، فإذا كان السمع والبصر له دوره في هذه القضية؛ فإنّ وقع القلم كأدة نقل - لها وزنها وثقلها- = يتقدم الوسائل الأخرى في مدى التأثير والتأثر، فكيف بتلك النواقل من السمع والبصر والفكر لو اجتمعت في نقل تلك المعطايت الإعجابية إلى القلب؟.
وليس بعزيز على الباحث الدقيق المنصف أن يقلّب صفحات التاريخ ليرى أنماطاً تؤكد ما نحن بصدده.
ويكفيك تفتيش طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي حتى تعلم أنّه أنشأ بنية الطوق على مادة الحب؛ إذ سلك فيها مسلك التدرج مضمّناً طوقه أبواباً في ابتداء الإعجاب.
وفي الإشارة إلى خطر مسألتنا هذه؛ فإنّ ابن حزم يقول: (ولو شاهدت مقام المحب في اعتذاره لعلمت أنّ الهوى سلطان مطاع، وبناء مشدود الأواخي، وسنان نافذ). (رسائل ابن حزم: 1/171).
وكم من إمرأة لها حظها من الفكر والنظر والتحقيق قد وقعت بسبب هذه الحضوة أسيرة لقلم فلان من الناس، وكذلك كم من رجل...
وليست المقالة تقوّلاً على أحد من المشاركين والمشاركات بعينه؛ فحسن الظن بالجميع من مطالب الشرع الحنيف، وركائزه العظام، وإنّي أؤمن أشد الإيمان بالنص وفهم النص وإسقاط النص؛ ولكنّها مقالة تولدت إثر قراءتي للسجال الفكري بين مثقفين ومثقفات، فأحببت أن ألفت الانتباه إلى قضية الإعجاب الفكري الذي قد يقع فيه بعض الناس مع طول المثاقفة؛ وأن أشير أيضاً إلى أنّ المشاركة للأخوات فيما نحن فيه من حراك وسجال ثقافي أنّ يكون: بقدر.
وفي الآن ذاته؛ فإنّه يبقى النظر في مدى صلاحية علة المنع (الإعجاب الفكري أو غيره)؛ لإن تكون سبباً لسد باب مشاركة المرأة في المسار الدعوي والجهادي للذب عن الدين؛ ذلك أنه ما زال نساء المسلمين العالمات يكتبن ويسألن ويتلقين العلم عن أهله من الرجال مع احتمالية قيام تلك الآفة، ومع ذا ما سمعنا بسد ذريعة المشاركة بتلك العلة التي قد تكون مظنونة غير مشاعة.
والحاصل المعتبر أن تقدر الأمور بقدرها؛ فالوسطية على اعتبار الشيء بين الجيد والرديء، وكذلك هي في كل أمور الحياة من تصورات ومناهج ومواقف وتحليلات.
ثبت الله الجميع بالقول الثابت إنّه سميع مجيب.