بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد
:
فهذه مواقف خالدات ، ومشاهد تبعث في النفس الشعورين ، شعور الرحمة والشفقة
على الأستاذ والغضب على التلميذ وإن كان الثاني ليس إلا ثمرة الأولــ:
كثيرا ما تحدث هاته المواقف مع الأساتذة وتلاميذهم في الدرس وفي كل المواد
والتخصصات ولكني اليوم سأخص مادة اللغة العربية وما استطعت أن أجمعه فيها من هاته
المواقف علما أنني حاولت أن أزيد شيئا فيها وأنقص شيئا آخر لأمزج الموضوع بشيء من
الحسرة والمتعة معا .
حوار التلميذ مع الأستاذ
الأستاذ :أعرب ما تحته خط فيما يلي :قال الشاعر:
هنالك أنسى متاعب يومي ... كأني لم ألق في اليوم شيئا
التلميذ: أستاذ ، أستاذ، أستاذ، أستاذ.....
الأستاذ: نعم قم وأعرب .
التلميذ: (بكل ثقة وثبات): متاعب : اسم (أنسى) منصوب وعلامة نصبه .......
الأستاذ: لماذا هو منصوب يا بني ؟
التلميذ: لأنه اسم (أنسى).
الأستاذ:(وهو في أتم الغضب) خطأ وهل أنسى من النواسخ .
التلميذ: آآآآآآآ يا أستاذ نسيت لا ليست من النواسخ
الأستاذ: ما هي النواسخ يا بني ؟
التلميذ: كان وأخواتها وإن وأخواتها .
الأستاذ: (وهو مسرور والفرحة تملأ ناظريه) جيد جيد بارك الله فيك . إذن كيف نقول في إعراب (كان) وأخواتها أو كان
لوحدهااااا
التلميذ: (وهو يهتز ويتمايل طربا) بسيطة يا أستاذ نقول :
كان: أداة نسخ ولصقـــ ......
.الأستاذ :(كاظما لغيظه ) حسن إذا كان إعراب (كان) هو أداة نسخ ولصق فما هو
إعراب إن وأخواتها .
التلميذ: (إن) فقط يا أستاذ أم أخواتها أيضا ؟
الأستاذ: حسن يا بني . أعرب إحدى أخواتها فقط ولك الخيرة من أمرك .
التلميذ: (لعل): حرف تعليل .
الأستاذ: لماذا ؟ قلت : إنها حرف تعليل يا بني ؟
التلميذ: لأنها مشتقة من لعل ألا تلاحظ يا أستاذ عل لعل يعلل تعليل ...
وهذا قياس مطرد عند اللغويين . فهمت الآن يا أستاذ؟
الأستاذ : فهمت يا أستاذ . حسن نعود لإعراب الكلمة الثانية من البيت :
هنالك أنسى متاعب يومي ... كأني لم ألق في اليوم شيئا
التلميذ: ألقـــَ: فعل مضارع مجزوم بـ لم وهو منصوب....
الأستاذ: لماذا قلت هو مجزوم بلم ثم تقول وهو منصوب كيف يجتمع إعرابان على
كلمة واحدة؟
التلميذ: لأنه دخلت عليه أداة جزم وفي آخره منصوب ....
الأستاذ : قلت في نفسي : ربما هذا
يدخل ضمن ما يسمى درء تعارض النقل والعقل الذي
ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله في كتابه الموسوم ب درء تعارض العقل بالنقل حين
قال في حديث نبوي شريف إنه : حديث صحيح حسن . حيث جمع بين الأمرين لدرء التعارض .
ثم قلت مصححا له : يا بني هذا فعل مضارع مجزوم بلم ، صحيح وعلامة جزمه حذف
حرف العلة لأنه معتل الآخر أصله : ألقى ، فحذف الألف كعلامة عن الجزم . والفاعل
طبعا ضمير مستتر تقديره أنا
التلميذ : الله أكبر الله أكبر يا أستاذ ،ثم تلا قوله تعالى : وكان فضل
الله عليك عظيما .
الأستاذ : (مستغربا متعجبا) ما الخطب يا بني ؟؟؟ ماذا أصابك
التلميذ : ألم تقل يا أستاذ إن الفاعل ضمير مستتر ستره الله في الدنيا
والأخرة وحشره مع زمرة المتقين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن
أوليك رفيقا .
ثم أخذ يدعو : اللهم استر الفاعلين وجمع المسلمين الأحياء منهم والميتين .
الأستاذ : لماذا ؟ كل هاته السعادة لما علمت أن الفاعل مستتر .
التلميذ : الحمد لله الذي ستره يا أستاذ لأنه لو ظهر لزاد الطين بلة ، أتدري
يا أستاذ كم عقبة زالت باستتاره ؟
الأستاذ : لا . سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم
التلميذ :لو ظهر يا أستاذ لوجب أن يكون مرفوعا إما بالضمة أو ما ينوب عنها
.
أما في حال إذا كان مرفوعا بالضمة فلا بد من أحد الأمرين :
-أن تكون ظاهرة أو مقدرة ، ولو كانت ظاهرة لهان الأمر ولكن المعضلة إذا
كانت مقدرة فعندها يلزمني :
-أن أبين السبب الذي منع من ظهورها والذي لا يخلو أن يكون أحد الأمرين :
-منع من ظهورها الثقل ، أعاذنا الله من ذلك . لأني أحب أن أكون خفيفا ظريفا
لا مملا ثقيلا
- أو منع من ظهورها التعذر ، ولا
أدري ما عذر ذلك .
هذا علاوة على أنني لا أحسن صوغ مثل هذه العبارات الصعبة التي يمجها الطبع
السليم من أمثالي .
وأما لو ناب عنها ما ينوب عنها فتلك لعمري خطة لا أطيقها ؟ على حد قول
الشاعر .
لأنه يتوجب علي أن أذكر سبب كل علامة تنوب عن الضمة بمنتهى الدقة والتفصيل
، وهذا ما لا قبل لي به يا أستاذي العزيز .
ثم قال صدق المولى عز وجل حين قال : فسيكفيكهم الله .....
وكفى بالله وكيلا ، وكفى بالله نصيرا ، نعم المولى ونعم النصير
-
أرايت يا أستاذي
الكريم ما كفانيه المولى عز وجل باستتار الفاعل وإضماره ؟
الأستاذ: (متحدثا مع نفسه ) قلت : ومما ذكرته يا بني يلزم الإشارة إلى
فائدة جليلة جاءت على لسانك لا يستنبطها إلا من هو في مقامك أو أقل من مقامك وهي :
يستخلص من تخصيص الاستتار للفاعل دون المفعول لما في ذلك من حكمة ربانية ،
لأن الفاعل هو الذي يقوم بالفعل – سواء كان الفعل محمودا أم مذموما – ومن رحمة
الله بعباده أنه لا يفضحهم للمرة الأولى
بل يستر عبده بما قام به إذا كان ما قام به شنيعا مذموما ، ولذلك كان الاستتار عند
النحويين للفاعل دون المفعول ، لأن المفعول ليس لصالحه الاستتار بل لصالحه الظهور .....
والله أعلم
ثم قلت للتلميذ :اجلس يا بني وأنا أردد قول البحتري :
كلانا جَاهدُ أدنو فينأى ......... كذلك ما استطعتُ وما استطاعا
وعندها دق الجرس إيذانا بانتهاء الحصة