ضجَّت الأسئلة من حوله، وعلا استنكارها!

أتخوض الكلمة حَربًا؟!

أتبارز الأقلام في المعارك؟!

أيحوز الحرف الهزيلُ نصرًا؟!

أَغمِدْ قلمك، لا وقتَ للشِّعر، لا وقتَ للنثر، وحدها الدِّماء مَن تتحدَّث اليوم!

بثباتٍ مضَى، اعتلَى الجبل، ركِبَ الغيمةَ المسافرة، وهناك قُرْبَ الشمس، من مَعين النور ملأ مِحْبَرَته!

قلمٌ مؤمنٌ، لا يسجدُ إلاَّ لله، يؤدي مهمَّتَه بأمانة وحبٍّ، لا تأخذه في الحقِّ لومَة لائمٍ، يسيل حِبرُه حروفًا صادقةً، كلمات خالصة، فيشعُّ النص المجاهد، ويَسري ضوءُه قناديلَ هدايَة، ومنائرَ فُرقان!

قلمٌ حُرٌّ، يعرفُ قَدْرَ نفسه، ويُدرك قيمة الكلمة!

أليس مفتاح الجنة كلمة؟
وما أعظمها مِن كلمة: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم!
للكلمات أسْرارٌ، عصيَّة على الاكتشاف أحيانًا!
فكمْ من كلمة جلتْ للأفهامِ السليمة الحقائق، وأماطَت عنها لثامَ الزَّيف والخديعَة!
وكم من كلمةٍ أثارَتْ مَكامن التفكير لَدَيْنا، فتركتنا في فضاء التأمُّل نبحث ونُدقِّق!
وكمْ من كلمة نثرَتْ في قلوبنا بذرةَ خير، لَم نَعْبأ بها لصِغَرها، امتدَّتْ جذورها بين حَنايانا، نمَتْ، أثمرَتْ، أضحَتْ شجرةً وارفةً، نلوذُ بظلِّها كلما لَفَحَنا هجيرُ الشَّرِّ!
وكمْ من كلمةِ نُصْحٍ، هدَتْ قلوبنا، وثبَّتتْ أقدامنا، حينما تهادَتْ إلى مسامعنا في رِفق ولِينٍ!
وكمْ من كلمةِ إيمانٍ صَدَحْنا بها في عِزَّة ويَقينٍ، فجاءَ النصرُ والتمكين من ربِّ العالمين!
وتاريخنا حافلٌ بالمواقف والعِبَر.
فيوم أُحُد لَمَّا انقضَت الحرب، أشرَف "أبو سفيان" على الجبل، فنادى: أفيكم محمَّد؟
فلم يُجيبوه.
فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟
فلم يُجيبوه.
فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟
فلم يُجيبوه.
ولَم يسأل إلاَّ عن هؤلاء الثلاثة؛ لعلْمِه وعلم قوْمِه أنَّ قوام الإسلام بهم، فقال: أمَّا هؤلاء، فقد كُفِيتموهم، فلم يَملك "عمر" نفسه أنْ قال: يا عدوَّ الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبْقَى الله لك ما يسوءُك.
فقال: قد كان في القوم مثلة لَم آمُر بها، ولم تَسُؤْني، ثم قال: اعْلُ هُبَل.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا تُجيبونه!))، فقالوا: ما نقول؟ قال: ((قولوا: [COLOR="rgb(160, 82, 45)"]الله أعلى وأجَلُّ[/COLOR]))، ثم قال: لنا العُزَّى، ولا عُزَّى لكم، قال: ((ألا تُجيبونه!))، قالوا: ما نقول؟ قال: ((قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم))[1].
هل كانت مجرَّد كلمات؛ بلا رُوح، بلا مَعنى، بلا تأثير؟
أم إنها قذائفُ مُدوية أُلقيَتْ على أهل الكُفر، فدَمَغَتْهم دَمْغًا، وثبَّتَتْ قلوبَ قوم مؤمنين!
وهناك - على رمال الصحراء المُلتهبة - كان "أُميَّة بن خلف" يُخرِج "بلال بن رباح" إذا حَميت الظَّهيرة، ثم يأمر بالصَّخرة العظيمة، فتُوضع على صدْره، ثم يقول له: لا والله ما تزال هكذا، حتى تموت، أو تكفر بمحمدٍ، وتعبد اللاَّت والعُزَّى!
فيقول - وهو في ذلك البلاء -: أَحَدٌ، أحَدٌ![2].
هل كانت - هي الأخرى - مجرَّد كلمة؛ بلا رُوح، بلا مَعنى، بلا تأثير؟
أم إنَّها كلمة نَبَعَتْ من القلب، فسَرَتْ مع الدِّماء غِذاءً ودواءً، فاسْتُعذِبَ الألَمُ برغم مَرارتِه!
[1] زاد المعاد في هدْي خير العباد.
[2] سيرة ابن هشام.
http://www.alukah.net/Sharia/0/31999
رجاء محمد الجاهوش .