بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " فإنّ من النّاس من يكون عنده نوع من الدين مع جهل عظيم، فهؤلاء يتكلم أحدهم بلا علم فيخطئ، ويخبر عن الأمور بخلاف ما هي عليه خبرا غير مطابق، ومن تكلم في الدين بغير الاجتهاد المسوّغ له الكلامَ وأخطأ فإنّه كاذب آثم كما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، رجل قضى على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة"
ثم قال في الرجل الأول: فهو الذي يجهل وإن لم يتعمّد خلاف الحق فهو في النار، بخلاف المجتهد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر"، فهذا الذي جعل له أجرا مع خطئه، لأنه اجتهد فاتّقى الله ما استطاع، بخلاف من قضى بما ليس له به علم وتكلم بدون الاجتهاد المسوِّغ له الكلام، فإنّ هذا كما في الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار" وفي رواية: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، ومن أخطأ فليتبوّأ مقعده من النار"، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من النّاس ولكنّه يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا"، وفي رواية للبخاري: "فأفتوا برأيهم".
وهذا بخلاف المجتهد الذي اتّقى الله ما استطاع، وابتغى طلب العلم بحسب الإمكان، وتكلم ابتغاء وجه الله، وعلم رجحان دليل على دليل فقال بموجب الرّاجح، فهذا مطيع لله مأجور أجرين إن أصاب، وإن أخطأ أجرا واحدا...