- إنَّ العلومَ وإن تباينت أصولُها وغربت وشرقت فصولُها واختلفت أحوالُها وأتهمت وأنجدت أقوالُها وتنوعت أبوابُها وأشأمت وأعرقت أصحابُها وتغايرت مسائلُها وأيمنت وأيسرت وسائلُها فهي بأسرها مهمة ومعرفتها على العلات نعمة ، إلا أنَّ أعلاها قدراً وأغلاها مهراً وأسناها مبنى وأسماها معنى وأدقها فكراً وأرقها سراً وأعرقها نسبًا وأعرفها أبًا وأقومها قيلا وأقواها قبيلا وأحلاها لسانًا وأجلاها بياناً وأوضحها سبيلا وأصحها دليلا وأفصحها نطقا وأمنحها رفقا العلومُ الدينيةُ ....، فهي شمسُ ضحاها وبدرُ دجاها وخالُ وجنتها ولَعسُ شَفَتِهَا ودعجُ عيونها وغنجُ جفونها وحببُ رُضَابها وتنهدُ كعابها ورقةُ كلامها ولينُ قوامها .
على نفسه فليبكِ من ضاع عمرُه ....وليس له منها نصيبٌ ولا سهمُ

فلا ينبغي لعاقلٍ أن يستغرقَ النهارَ والليلَ إلاَّ في غوصِ بحارها أو يستنهض الرجل والخيل إلا في سبر أغوارها أو يصرف نفائس الأنفاس إلا في مهور أبكارها أو ينفق بدر الأعمار إلا لتشوف بدر أسرارها :
إذا كان هذا الدّمعُ يجري صبابةً... على غير سلمى فهو دمع مضيّعُ
اهـ - مقدِّمة "روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني" للعلاّمة الآلوسي