صرف الممنوع من الصرف
وردت ألفاظ في كتاب الله – عز وجل – خالفت قاعدة الممنوع من الصرف ، ومن هذه الألفاظ ( سلاسلاً ) في قول الله – تبارك و تعالى - : " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلاً وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ” . سورة الإنسان : 76 : 4 وضبطت الآية في المصحف وفق رواية حفص عن عاصم " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلاْ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا " .
و منها كلمة ( قواريرًا ) في قول الله تبارك وتعالى - : " وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرًا ۞ قَوَارِيرًا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ” سورة الإنسان : 76 : 15 .
وضبطت الآية في المصحف وفق رواية حفص عن عاصم " ويُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيراْ ۞ قَوَارِيراْ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا " .
وهذه قراءة متواترة ، قرأ بها الإمام الكسائي ، والإمام نافع المدني ، وهشام ، وأبو جعفر المدني، وشعبة ، وهي قراءة سبعية . وقد خالفت هذه الألفاظ قاعدة الممنوع من الصرف ؛ لأَنَّها جاءت منونة مع أَنَّها على صيغة منتهى الجموع الممنوعة من الصرف ، وقد علَّل النحاة ذلك بتناسب هذه الأَلفاظ مع ما يجاورها .
ومن الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم مغايرة لقاعدة الممنوع من الصرف ( سبأ ) في قوله – عز وجل – " فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ " سورة النمل : 27 : 22 . كذلك في سورة سبأ : 34 : 15 .، وذكر المفسرون وعلماء النحو أنَّ لفظ ( سبأ ) يصرف تارة ويُمنع تارة أخرى
ومنها ( ثمود ) في قوله – عز وجل – " كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودٍ" سورة هود : 11 : 68 . وهذه قراءة الإمام الكسائي .وضبطت الآية في المصحف وفق راوية حفص عن عاصم " كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُوداْ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ " .
ومن شواهد صرف الممنوع من الصرف في القرآن الكريم
• قوله تعالى :" إنا أعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلالاً وسعيرًا ” سورة الإنسان 76 : 4 .
الشاهد : سلاسلاً .
وجه الاستشهاد : حيث صُرفت ( سلاسلاً ) ، وحقها أَنْ تكون ممنوعة من الصرف ؛ لأنَّها على صيغة منتهى الجموع . وهذه قراءة متواترة ، قرأ بها الكسائي، والإمام نافع المدني، وهشام ، وأبو جعفر المدني ، وشعبة، وهي قراءات متواترة .
• قوله تعالى : "ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرًا ، قواريرًا من فضة قدروها تقديرًا ". سورة الإنسان : 76 : 15 ،16 .
موطن الشاهد : قواريرًا .
وجه الاستشهاد : حيث جاءت ( قواريرًا ) منونة في قراءة ابن كثير ، والكسائي وعاصم إلا حفصًا ، وأهل الحجاز ، وأهل المدينة ، وقد قرأ حمزة وابن عامر بغير تنوين.
ومن الشواهد النحوية التي صرفت الممنوع من الصرف قوله تعالى : " ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرًا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ". سورة المؤمنون : 23 : 44 .
موطن الشاهد : تترًا .
وجه الاستشهاد : مجيء الاسم المنتهي بألف التأنيث المقصورة مصروفًا في قراءة أبي جعفر وابن كثير ، وأبي عمرو ، من غير علة أوجبت صرفه .
• قوله تعالى : " كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ". سورة الشعراء : 26 :123 .
• والموضع الثاني في قوله تعالى : " كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ " . سورة القمر : 54 : 18 .
• والموضع الثالث في قوله تعالى : " وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى " .سورة النجم : 53 :50 .
ومن شواهد صرف ( عاد ) قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ". سورة الفجر : 89 : 6 .
• قوله تعالى : " اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ” . سورة البقرة : 2 : 61 .
قراءة الجمهور ، فقرأ أُبي بن كعب ، وعبد الله ابن مسعود[ ، والحسن البصري ، وطلحة ابن مصرف ، والأعمش ، وإِبان بن تغلب ( مصر ) في الآية السابقة بلا تنوين ؛ إِذ إِنَّهُ علم ممنوع من الصرف ؛ للعلمية والتأنيث.
ومن شواهد صرف الممنوع من الصرف قول الله – عز وجل – على لسان قوم سيدنا نوح – عليه السلام - : " وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثًا وَيَعُوقًا وَنَسْرًا " . سورة نوح : 71 : 23 .
• قوله : " كَذَّبَ أَصْحَابُ لْيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ” .سورة الشعراء : 26 : 176 .
• وقوله تعالى : " وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ ليْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ ” . سورة ص : 38 : 13 .
من شواهد صرف الممنوع من الصرف في الحديث
• قول رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - : " أَلَا إِنِّي أَوْتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا إِنِّي أَوْتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ ... ”
مسند الإمام أحمد .
• وقوله صلى الله عليه وسلم : " ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه " المستدرك على الصحيحين : 2/15 .
• وكقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه". المعجم الكبير : 1 /259
• وكقول عَائِشَةَ : " إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّمِ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : قَدْ رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلآنًا دَمًا ... ". مسند الإِمام أحمد : 18 / 74 ، رقم الحديث 25735 .
شواهد صرف الممنوع من الصرف في الشعر
قول الأخطل :
كَلَمعِ أَيدي مَثاكيلٍ مُسَلِّبَةٍ يَنعَينَ فِتيانَ ضَرسِ الدَهرِ وَالخُطُبِ البحر البسيط
ويلحظ الباحث أَنَّ كلمة ( مثاكيل ) قد صُرفت من غير علة أوجبت صرفها .
كَلَمْ عِأَيْ دِيْ مَثَاْ كِيْ لِنْمُ سَلْ لَبَتِنْ
//° //° /° //° /° /°/ /°°
مُتَفْعِلُنْ فَاْعِلُن مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ
لو أَنَّ الشاعر منع ( مثاكيلٍ ) من الصرف لكانت التفعيلة الثالثة ( مُسْتعِلن ) ، وهي إحدى التفعيلات الفرعية للتفعيلة الرئيسة ( مُسْتَفْعِلُنْ ) ، قد دخلها زحاف الطي . وقد أجاز العروضيون هذا الزحاف في حشو البحر البسيط .
الطي عند العروضيين : حذف الرابع الساكن من التفعيلة ، ويدخل التفعيلتين : ( مستفعلن ) فتصبح التفعيلة ( مستعلن ) ، فتُنقل إلى ( مُتفعلن ) ، وذلك في البسيط ، والسريع ، والمنسرح والرجز والمقتضب .
يتبين مما سبق أنَّ :
• صرف الممنوع من الصرف لغة فصيحة من لغات العرب لا يمكن إنكارها ، أو تجاهلها ، يشهد لصحتها كثرة الشواهد النحوية التي صرفت الممنوع من الصرف . وقد أشار النحاة في مؤلفاتهم وآرائهم وتخريجاتهم إِلى هذه اللغة وممّن أكد هذه اللغة الأخفش ، والكسائي .
• تعليل النحاة للألفاظ التي جاءت مصروفة في القرآن الكريم وقراءاته بأَنَّها للتناسب ، أَو للإتباع تفتقر إِلى الدقة العلمية ، وإلى الموضوعية ؛ إِذ إِنَّهُ لا تناسب ولا إتباع بين هذه الألفاظ وما جاورها من الكلمات في السياق القرآني .
• القراءات القرآنية مادة لغوية غزيرة تفيد الدارسين ، وتزيل الغموض عن كثير من المشكلات ، والخلافات النحوية التي وقعت بين النحاة في العصور الزاهرة ، وأَنَّه لا يمكن لدارس اللغة العربية الاستغناء عن القراءات القرآنية في دراسته للغة في مستوياتها كافة .
• صرف الأسماء الممنوعة من الصرف متأصِّل في اللغة العربية إِذ إِنَّ النحاة أَجمعوا على أَنَّ الأَصل في الأسماء الصرف ، وأَنَّ منعها من الصرف علة طارئة . وقد أَشار علماء العربية إلى أَنَّ الأصل في الأسماء الصرف .
• منع الأسماء من الصرف هو اللغة الفصحى والأقوى التي يقاس عليها ؛ إِذ إِنَّ اللغة التي صرفت الممنوع من الصرف لغة صحيحة في القياس لكنَّها قليلة في الاستعمال .
والله تعالى أعلم .